من أجل نشر ثقافة حماية المعطيات الشخصية

موسى موسى

ان موضوع حماية المعطيات الشخصية يعتبر من أهم المواضيع القانونية الحديثة في العالم وقد أصدرت بعض الدول تشريعات خاصة لحماية المعطيات وبتسميات متنوعة كقانون حماية المعطيات الشخصية، قانون خصوصية المعطيات،  قانون البيانات الشخصية، قانون الخصوصية.
ان حماية المعطيات كانت من المسائل التي أولتها الشرائع السماوية وبالأخص الشريعة الإسلامية فجاء إستراق السمع ودخول البيوت دون استئذان أصحابها من المسائل الغير جائزة،  حفاظاً على ترك الخصوصيات لأصحابها سواء ما تعلق منها بالشخصية أو الروحية، وقد تم ادراجها في التشريعات الوطنية وإن بعبارات مختلفة.

إن عدم جواز تفتيش المنازل وضبط الأوراق والمراسلات للكشف عن معطية ٍ ما، كما ان تدوين متطلبات الهيئات المسؤولة الحكومية وغير الحكومية، كإحدى شروط الاستحقاق أو كشرط ٍ للقيام بواجب ٍ ما، لا بد وان تخضع للحماية سواءً تعرض أولم يتعرض صاحبها نتيجة الإفشاء والإظهار الى عقوبة ٍ ما، ولا يشترط في العقوبة ان يكون إيذاء ًجسدياً أم معنوياً، بقدر ما تكون الحماية من عدمها عائدة لصاحبها.
لقد اتخذت بعض الدول الغربية جانباً مقراً للحماية الشخصية في تشريعاتها حيث كان القانون البريطاني الصادر عام 1361 مانعاً لإستراق السمع ومعاقباً عليه بسلب الحرية، ثم تلتها بعض البلدان الاوربية بالقوانين والقرارات المانعة لمعرفة الخصوصية بطرق غير شرعية.
أما التشريعات الحديثة التي أولت الاهتمام بذلك الجانب هو الشرعة الدولية لحقوق الانسان لعام 1948، كما أكدت الكثير من الاتفاقيات والعهود الدولية ومواثيق وقرارات المنظمات الاقليمية عليها، وأصبحت من المواضيع والابحاث التي أعطتها أكثر الجامعات العالمية شهرة ً اهتماماً بالبحث والدراسة، وخاصة ً في الدول التي شرعت حماية المعطيات أو الخصوصية في تشريعاتها، أو تلك الدول التي أرادت أن تدرجها في تشريعاتها الوطنية، وقد كانت تونس من الدول السباقة في هذا التشريع العصري، نتيجة ً لمواكبتها للقوانين الامريكية والاوربية وخاصة الفرنسية،  التي أصدرت تشريعاً خاصاً بالحماية بعد مصادقة البرلمان التونسي في تموز2004- القانون الاساسي لحماية المعطيات الشخصية- .

وقد تسنى لي أن أطلع على هذا التشريع الحديث والعصري في بدايات صدوره ومن ثم حضوري كمستمع ٍ في مناقشة إحدى رسائل الماجستير في القانون في جامعة تونس في كانون الثاني 2005 بشأن حماية المعطيات الشخصية.
رغم مواضع النقد على القانون الاساسي لحماية المعطيات الشخصية التونسي إلا انه من الواجب وحماية ً للانسان وخصوصياته من إيلاء الاهتمام بهكذا قانون، وضرورة تضمين التشريعات الوطنية لها.
ان التشريعات العربية التي لم تنظم حماية المعطيات الشخصية بقانون خاص- ومنها التشريع السوري- إلا ان بعض جوانب الحماية تضمنتها قانون تنظيم مهنة الطب و المحاماة في عدم نشر الطبيب والمحامي ما يحصلونه من مرضاهم أو موكليهم، وإن الإفشاء يستوجب العقوبة، وقد نظمت أغلب الدول الاوربية حماية المعطية وقررت جزاءً على عدم حمايتها.
ان حماية المعطيات في الدول التي تنظمها بعد، تستوجب التنظيم بقانون خاص، كما تستوجت اتلاف المعطيات بعد مرور فترة يحددها القانون لكي لا يبقى صاحب المعطية تحت سيف المتلقي للمعطية المسلط على رقابه.

ان اسقاط حماية المعطيات على واقع احركة السياسية الكردية قد أثار اهتمامي وخاصة ً في دول المهجر التي التجأ اليها الكثير من أعضاء فصائلها واضطرارهم الى تزويد بعض القائمين على العمل الحزبي في دول المهجر لبعض المعطيات باختلاف انواعها قد جعل من هؤلاء الناس يعيشون تحت ارهاب متلقي المعطية، وقد حدث ذلك كثيراً مع بعض الافراد أثناء خلافاتهم التنظيمية مما لاقوا معاناة حقيقية، نتيجة الأيادي الغير أمينة على تلك المعطيات والتهديد بها لجعل صاحبها رقيقاً لدى السيد المتلقي للمعطية مما جعل بعض منظمات فصائل الحركة الكردية في سبات ٍ عميق من الصعوبة الاستفاقة منها.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس في عالم يتأرجح بين الفوضى والنظام، يبرز المشهد السياسي للولايات المتحدة في ولاية دونالد ترامب الثانية (2025) كمحطة حاسمة لإعادة تعريف التوازنات العالمية. إن صعود ما يُمكن تسميته بـ “الدولة العميقة العصرية”، التي تجمع بين النخب الاقتصادية الجديدة والتكنولوجية والقوى السياسية القومية، يكشف عن تنافس ضمني مع “الدولة العميقة الكلاسيكية”، المتمثلة في المؤسسات الأمنية والعسكرية التقليدية. هذا…

تعرب شبكة الصحفيين الكُرد السوريين، عن قلقها البالغ إزاء اختفاء الزميلين أكرم صالح، مراسل قناة CH8، والمصور جودي حج علي، وذلك منذ الساعة السابعة من أمس الأربعاء، أثناء تغطيتهما الميدانية للاشتباكات الجارية في منطقة صحنايا بريف دمشق. وإزاء الغموض الذي يلف مصيرهما، فإننا نطالب وزارتيّ الإعلام والداخلية في الحكومة السورية، والجهات الأمنية والعسكرية المعنية، بالتحرّك الفوري للكشف عن مكان وجودهما،…

اكرم حسين في عالم السياسة، كما في الحياة اليومية عندما نقود آلية ونسير في الشوارع والطرقات ، ويصادفنا منعطف اونسعى إلى العودة لاي سبب ، هناك من يلتزم المسار بهدوء ، وهناك من “يكوّع” فجأة عند أول منعطف دون سابق إنذار. فالتكويع مصطلح شعبي مشتق من سلوك السائق الذي ينحرف بشكل مفاجئ دون إعطاء إشارة، لكنه في السياسة يكتسب…

إبراهيم اليوسف توطئة واستعادة: لا تظهر الحقائق كما هي، في الأزمنة والمراحل العصيبةٍ، بل تُدارُ-عادة- وعلى ضوء التجربة، بمنطق المؤامرة والتضليل، إذ أنه بعد زيارتنا لأوروبا عام 2004، أخذ التهديد ضدنا: الشهيد مشعل التمو وأنا طابعًا أكثر خبثًا، وأكثر استهدافًا وإجراماً إرهابياً. لم أكن ممن يعلن عن ذلك سريعاً، بل كنت أتحين التوقيت المناسب، حين يزول الخطر وتنجلي…