وَيْحَكُم .. لقد كان أحمد .

 فرمان بونجق
هو أحمدً .. أخي وصديقي وابني وحبيبي ، ذاك الذي لم يعد لكم ، منذ تلك اللحظة التي كرّ عليكم فيها بعينيه الواسعتين ، لينبش الرعب المختبئ فيكم ، حين لم تجرؤوا سوى على فتح القليل من نافذة الغدر ، وهو المحلق فوقكم بنبرة صوته التي تكاد تقتلكم منذ أن عرفتموها شديدة البأس ، أكان فيكم من يملك الزمام كما كان ما هوعليه ؟ . أحمدً .. الذي كان يراكم ولكنه لم يكن يراكم وأنتم وأنا نعرف ، والحارة تعرف ، والحي الأشمّ يعرف ، ومدينته تعرف ، أنتم وحدكم أضعتم الإحساس بالزمن ، وبالرجولة ، والقيم ، أنا وأنتم نعرف مَنْ الذي أفقدكم صبركم حين وضع كوب المثلجات على العربة بهدوء ، وتقدم نحوكم بلغته وقامته الكوردية الأصيلة فحسب ، خانتكم رجولتكم آنذاك ، حين باغتكم بالسؤال : لِمَ تتابعون أصوات خطواتي ؟. ما الذي تريدونه مني ؟. أحاولتم أن تحاوروه ؟. وهو الذي باغتكم من ذي قبل ، ففررتم ، لذتم بدواسة الوقود ، وبالزجاج الداكن ، لِمَ ؟. وهو الأعزل من كل سلاح. 
هو أحمدٌ .. أخي وصديقي وابني وحبيبي ، ذاك الذي كنت أناديه : يا أبي . وهو القاطن في قلبي وإلى الأبد . حين مزقتم صدري في تلك الظهيرة ، أبى القلب أن يتنازل عن أحمد ، فاقتلعتم قلبي ، ومعه أحمد ، ولكنني لم أمت ، ففي قلبي الجديد لا يزال يقطن أحمد .
هو أحمد (ي) وأحمد (هم) ، أحمد الكورد ، ذاك الذي زغردت له نساء المدينة ، وهو يهم بالرحيل ، أهداه أعظم الشعراء عبق القصائد الجميلات ، روحه كانت ترفرف هنا .. هناك .. في كل مكان ، كان منتشياً سيد الأمكنة آنذاك ، وهو يسترق السمع إلى حفيف الأصوات التي كانت تلف العالم . مبتسماً كان .. أؤكد لكم أنه كان مبتسماً ، يرى الله في أعين الأطفال حين كانوا يلمسون قدميه ــ الهاربتين من تحت الغطاء ــ كناية عن الوداع .
هو أحمدٌ .. الذي لم أر بهاءً يشبه بهاءه قط ، كان ممدداً أمامي يرتجي نوماً هااااادئاً عميقاً ، فلم أشأ أن يوقظه أحد ، لم أشأ أن أفسد حلمه الذي تحقق ، كان صاحب حلم ، أصدقاؤه وصديقاته يعرفون ذاك الحلم جيداً ، حين كان يحدثهم عن الشهادة ، وصوت ضحكاتهم الساحرة تتسلل إلى مسامعي ، من الغرفة المجاورة ، مساءً حيث يسرقهم الوقت إلى اللاحدود. 
آنذاك كنت أبتسم ، وكنت أهز رأسي مندهشاً ، وأقول في سري : ما أعظمك يا أحمد .
عن صفحة الكاتب


شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…