هل الاحتلال التركي مجرد نزهة؟

جان كورد
في البداية نقول بأن دخول القوات التركية إلى سوريا (حتى الآن 20 دبابة) هو “احتلال” لأنه لم يتم بطلب رسمي من الحكومة السورية، في حين جاء التدخل الإيراني والروسي وحزب الشيطان اللبناني بطلب ودعوة صريحة من حكام دمشق الذين لا حول ولا قوة لهم الآن حيال هذا الاحتلال. إلا أن هناك قبولا عربيا شبه تام بأن يتحرك “الحلفاء الأتراك!” لفرض منطقة عازلة في شمال سوريا، لا تستطيع القوات النظامية السورية الدخول إليها، وتكون قاعدة انطلاق أساسية للجيش السوري الحر المدعوم من قبل بعض الدول العربية التي تخشى تمدد النفوذ الإيراني في المشرق العربي وبخاصة في سوريا والعراق. وفي حين يجري التدخل التركي تحت أعين الحليف الأكبر في حلف النيتو، فإن روسيا قد أبدت قلقها من أن يثير ذلك مشاكل أكبر في سوريا، تؤدي إلى هجرة سكانية عظيمة، وذلك في نفس الوقت الذي تدك فيه طائراتها كل البنى التحتية لسوريا وحتى المستشفيات ومدارس الأطفال فيها وترغم الملايين على الهجرة للبحث عن ملاذٍ آمن.
وبالتأكيد، فإن حكام إيران الذين هم طائفيون متشددون حيال أهل السنة لن يكونوا راضين عن تدخل المحمدجيك (الجيش المحمدي هو اسم الجيش الطوراني العضو في حلف النيتو) وسيبحثون عمن يستخدمونه كبيدق في الحرب على ساحة الشطرنج السوري ضد الحكومة التركية، ولا يجدون سوى الجاش (الجاش: وصف المرتزقة والخونة منذ زمن الثورة الكوردية 1961-1975، أي الجحوش) من الكورد بالتأكيد. 
الأتراك لا يخفون أن لهم أسباباً أخرى سوى طرد تنظيم الدولة (داعش) من مدينة (جرابلس) السورية، فهم كما يزعمون يعملون من أجل (وحدة الأراضي السورية) ويقصدون (منع قيام دولة كوردية) في شمالها، إلا أن هناك أسباب أبعد من ذلك لا يتحدثون عنها، ألا ومنها إعادة ترتيب البلاد السورية بعد مرور مائة عام على اتفاقية سايكس – بيكو، حيث يرى الأتراك بأن الوقت قد حان لتوسيع حدودها على حساب العرب والكورد، بل وضم الموصل مستقبلاً إلى تركيا، وإلاّ فلماذا تخصص قطعة نقدية واحدة رمزيا كل عام في ميزانيتها ل”ولاية الموصل”؟، وفي حال فشلها في ذلك تبقى هي السيدة الأولى في الاقتصاد السوري بعد إسقاط نظام الأسد، كما هو وضع تواجدها الكثيف اقتصادياً في إقليم جنوب كوردستان، حيث هي المستفيدة الثانية بعد إيران من سقوط نظام “المجاهد الأكبر وحارس البوابة الشرقية!” الذي تم إخراجه من جحر ضب، وهو القائد الأعلى لجيوش العراق.
بعض زعماء المعارضة السورية، ومنهم من شن حرباً شعواء على الكورد ولا يزال، زعماً منهم أن الكورد يخططون لدولة لهم في شمال سوريا، يتشدقون بالوطنية وبحماية الأرض السورية، ويقولون بأن “الإخوة الأتراك!” سيعودون إلى بلادهم بعد فترة قصيرة، وكأنهم أخذوا من السيد أردوغان ضمانات على ذلك، وينسون أنه لا تزال ثمة وحدة عسكرية تركية في “شمال العراق!”، ترفض العودة إلى بلادها، رغم إلحاح وإصرار الحكومة المركزية العراقية ورغم طلب حكومة الإقليم الكوردي بمغادرة هذه القوة، حيث لم تعد لها أي حاجة في العراق، بعد مرور أكثر من عقدٍ من الزمن على تواجدها هناك.
معلوم تماماً أن ليس هناك حزب كوردي في سوريا يطالب بالانفصال عن سوريا أو إقامة دولة مستقلة في مناطقهم الشمالية (الجزيرة، كوباني وجبل الأكراد)، إلاّ أن بعض مثقفي العرب يطبلون ويزمرون صباح مساء، كاذبين، وإرضاءً لحزب العدالة والتنمية، بأن الكورد على وشك إقامة كيانٍ لهم، بل يتفقون في هذه النظرة مع الطورانيين الأتراك مائة بالمائة، على الرغم من أن حزب الاتحاد الديموقراطي يؤكد في برنامجه السياسي على أنه لا يريد “الدولة القومية الرجعية!”، بل يقول بأنه “ليس حزباً كوردياً!”، فهل هذه مصادفة أن يتفق زعماء من الترك والعرب على نقطة غير موجودة أصلاً؟ أي على كذبة؟ أم أن المعارضة السورية، العلمانية والإسلامية، خاضعة كلياً لسيطرة الطورانيين الأتراك؟ أم على العكس فالعرب يملون إرادتهم على دولة بني طوران؟
النظام السوري يلوم الكورد ويقول: “ابتعدوا عن أمريكا وعن تركيا واسرائيل”، والنظام الأردوغاني يقول: “ابتعدوا أيها الكورد عن دمشق وطهران وموسكو!”، ولكن في الوقت ذاته فإن تركيا أردوغان تسعى حثيثاً على إقامة أوثق العلاقات مع طهران وموسكو وتل أبيب وواشنطن، والأسد في دمشق يفعل المستحيل لاستعادة شرعيته التي نزعها عنه باراك أوباما والغرب إجمالا. وهنا نجد الكورد بين محورين متنافرين في نصف دائرة ومتجاذبين في النصف الآخر، وفي كلا الحالتين هم الأخسرون، سواءً أنجح الأتراك في البقاء في شمال سوريا وفي تأسيس منطقة عازلة بين منطقتي (كوباني) و (جبل الأكراد)، أم نجح نظام الأسد في دحر المعارضة، لأن الحراك العسكري الذي بدأه حزب الاتحاد الديموقراطي في سوريا والمفروض عليه من “عجائز قنديل” كان خاطئاً ومن دون موافقة للحركة الوطنية الكوردية “السورية”، والخطر التركي مستمر على الكورد لأن زعماء تركيا يقولون بأنهم لن يسمحوا بإقامة أي كيان قومي خاص لهم في شمال سوريا، وهذا يعني أن الجيش التركي قد يدخل (ديريك) و(القامشلي) و(سرى كانيى) و(كرى سبي) و (عفرين) أيضاً لأن تواجد وحدات الحماية الشعبية (و.ح.ش.) “الكوردية!!!” منتشر فيها وعلى طول الحدود السورية مع تركيا، ما خلا (جرابلس واعزاز). وبالتأكيد، فإن المعارضة السورية لن تقف في وجه الجيش التركي الذي تستمد منه قوتها الأساسية وتجلس بفضلها تحت شجرة حكومة العدالة والتنمية. 
لذا، فإن الاحتلال التركي لجرابلس السورية ليس مجرد نزهة عسكرية مصحوبة بتدفق للجيش السوري الحر، وإنما سيدوم حتى القضاء على كل ما هو كوردي في سوريا، والذريعة موجودة، ألا وهي (داعش) التي كانت إحدى أدوات الأردوغانيين من قبل، وإن زالت عن الوجود، فبالإمكان خلق (ماعش) أو (راعش) وخداع العرب وغير العرب بالتهم التي ستنسجها المخابرات التركية للرأي العام العالمي. 
وعلى أساس هذه الحقيقة وهذا الواقع الجديد، يجب أن تتحرك السياسة الكوردية.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…