دواعي الاستقواء كرديّاً ((تهديدات الاجتياح التركيّ لحرمة كردستان العراق أنموذجاً))

  إبراهيم اليوسف

إذا كانت القوة – لغوياً – تعني المقدرة على العمل ، والنّشاط ، فإنّ كلمة – الاستقواء- التي باتت مصطلحاً ، وعلى وزن “استفعال” ، لتعني استمداد القوة من الآخر ، وهو مايخرج من حدود العصبية الأولى ، ليجد مكاناً له في خريطة السياسة ، حيث يمكن – وبعيداً عن استقواء فرد بفرد ، وقبيلة بأخرى ، استلال شواهد على الاستقواء السياسي ، ماضياً وحاضراً .
ولعلّ الاستقواء في مهاده المفهوميّ ، دليل ضعف ، حيث يتذكّر المرء إزاء مثل هذه المفردة ، طرفين هما : المستقوي به ، والمستقوي بالآخر ، وهو- أيّ الاستقواء- بالتالي: عرضيّ ، موقوت ، سيكون عامل زوال ، وامحاق ، في حال ديمومته ، على نحو استراتيجي…………….!
وإذا كان الكردي- الآن – يعيش حالة بؤس ، جغرافيا ً، حيث تتوزّع خريطته في خرائط دول أخرى ، وإن تكون نموذج الكيان- من الكينة  بمعنى الحالة و الخصوصية هنا- ضمن الحدّ الأدنى كما هو حال كردستان العراق – يثير ريبة وحفيظة مقتسمي خريطته ، جميعاً ، فإنّ الكرديّ في ما آل إليه ، ليدفع ضريبة حال بأس في الأصل ، على اعتباره كان عنصر قوّة في حضارات شتّى ،و كان هو أسطونها ، ومحورها ،وعمادها ، وإن سايكولوجية القوة التي يحظى بها دفعته – دائماً – لمناصرة سواه ، ولقد كان أنموذج اندماجه في الحضارة الإسلامية ، أحد الأشكال البارزة على هذه الخصيصة التي يتمتع بها ، واستمرت تلازمه حتّى عصر تقهقر الدولة العثمانية ، وتقاسم تركة – الرّجل المريض – كي تنبثق دويلات قوموية على خريطته ، على حساب الكيان القوميّ الكرديّ الذي بات يتعامل معه، وكأنه دخيل على جغرافياه ، إزاء التزوير الجغرافي التاريخي الفاضح الذي سيتمّ في هذه الرقعة المكانية المتمايزة ، وهو منخرط في لجّة حمّى الوطنيات اللاحقة المتعدّدة، كل ّمنها على حده……………….!.
أجل ، هكذا بات ينظر إلى -الكردي – على إنه غريب من قبل شركاء المكان، من الفرس، والترك، والعرب ، على حد سواء ، بل إن المغالين منهم ، راحو ا يعمدون على تفريسهم ، وتتريكهم ، وتعريبهم ، عبر طبعات خاصة بكل جزء من أجزاء كردستان ، المستحدثة ، بعيد التشكل الجديد لخريطة المنطقة، التي يحاول بعضهم التمادي في الخداع لتقديمها ، وكأنها مقدسة ، لايمكن المساس بها، وإن كان – بدوره- يرفع صفة القداسة ، هنا ، إزاء مصلحة لتوسيع رقعة خريطته ، أنّى أتيح له ذلك، لاسيما إزاء المشاكل الحدودية العالقة هنا وهناك، فيما بينها .
ورغم ، ما آل إليه الكردي ، من ظروف تشتيت ، حيث تتوزّعه خرائط شتّى ، إلا إن هناك خوفاً دائماً من الدول المقتسمة لكردستان ، تجاهه ، حيث كان هناك – باستمرار – التقاء هذه الدول ، رغم الكثير من نقاط الخلاف الحقيقي، العميق ،بينها ، حتّى ولو كانت حدودية ، حسّاسة ، لئلا تقوم للكردي قائمة ، وهو ماحدا بأبناء الشعب الكرديّ ، ليتطلّع لتحقيق حلمه ، القوميّ ، إزاء ما يستهدف استئصال جذوره ، ومحو كيانه ، وإلغاء وجوده..!.


تعتبر تركيا اليوم ، أحد النماذج التي قامت ببناء دولتها ، بعيد انهيار الإمبراطورية الإسلامية ، مستفيدةً من  تحالفاتها ، وبقايا سطوتها وشبكة علاقاتها ، ووفق المصالح الدولية ، آنذاك ، وفي ظلّ ما وفرته لها شوكتها ،وشكيمتها ، ضمن علاقات الحرب العالمية الأولى ، وما نتج عنها من علاقات ، وموازين جديدة ..!
ومنذ بداية تشكل الدولة التركية ، سعت – رغم اتخاذها مبدأ- العلمانية – كقطيعة مع الإرث الإسلامي ، كردّ فعل على الدّعوات العربية للخلاص من وطئها ، إلا أن ديدن الاستعلاء ، وإلغاء الآخر ، والتمظهر بالقوة ، والبطش ، ظلّ متساوقاً مع نزعات  العلمانية ، المستحدثة ، كمجمع لمتناقضات شديدة ، بلغت ذروتها على أصعدة عديدة أثناء محاولة ضرب الشعوب الأصيلة في المنطقة ،بعضها ببعض (كما ستفعله مع الأرمن والكرد) بغرض التطهير العرقي ، وتجلّى ذلك في مواجهتهاالمشؤومة ضدّ الأرمن ،  كي تستفرد في مابعد بالكرد ، أنى انطلقت شرارة انتفاضة ، أو ثورة ، وليتم إفراغ المنطقة الكردية ، وتهجير كلّ من يستعصي على التتريك ، لتسجّل تركيا أعلى رقماً في هذا المجال ـ من خلال مقارنة نسبة تهجيرها ، بالعدد الأصلي للسكان ، وإنه لواضح ، أمام كلّ متتبع لما يجري في المنطقة ، أنّ السياسة التركية ، مازالت تطفح بالنفس الطورانيّ ، مرتدةً إلى جذورها الأولى ، متعاميةًً ، عن لغة العصر ، والعقلانية ، وفهم الأسئلة الداخلية ، ولا سيّما أن في تركيا حوالي  خمسة وثلاثين مليون نسمة من الكرد ، وهو ماكان كافياً لدفعها لتغاضي النظر، عن تطاولاتها لدرجة التفكير بفرض سياساتها على الدول المتقاسمة لكردستان ،استمراراً لنهج استعادة فرض قبضتها ، بطريقة جديدة ، و لئلا تقوم قائمة للكرد ، وهو ناجم عن إحساسها ، بل إدراكها، لمدى عجزها عن مواجهة تلك الأسئلة الداخلية ، ولا سيما ذلك السؤال الكردي الكبير ،والمتصادي ، الذي عجزت عن مواجهته بالنّار والحديد على مدى عقود متتالية…!
لقد بلغ الغيّ ، والخيلاء، والبطر ، والإحساس المراهق بالجبروت بطغمة الجنرالات الترك ، إلى السماح لأنفسهم بتهديد حرمة الجارة كردستان العراق ، التي يرتفع علمها الكردي في معبر إبراهيم الخليل- كما كل رقعتها غير المكتملة إقليمياً وكردستانياً- في مواجهة العلم التركي ، حيث يتطيّر الشوفيني التركيّ من رؤية الأحمر والأخضر والأصفر ، في أيّ اتساق ، ولو كان منديلاً ، أو شارةً ، أو قميصا ً، أو ثوباً ، أو إشارة مرور ، ليكون الردّ الكرديّ – في أقل دلالاته و مضمونه- وعلى لسان شخص رئيس الإقليم مسعود البارزانيّ ، بأن الكرد لن يسمحوا بأيّ تدخل في شؤونهم ، وهذا مادعا غلاة الجنرالات الأتراك ، يحتجّون ، بل ويهيجون ويميجون على مدى أشهر ، ومعهم دهاقنة سياستهم المغالين ، الذين يواصلون الوعيد إثر التهديد ، كي يتوّج كل ذلك بنشر آلاف العناصر من الجيش التركي على حدود شطري كردستان الجنوبية والشمالية، من قبيل الاستعراض، وجسّ النبض ، والحفاظ على ماء الوجه المراق أخيراً، وبلا جدوى … !
بأسف ، إذا كان ردّ الفعل الأمريكي سريعا ً، وكذلك الأوربيّ ، الذي هدّد بتحطيم حلم دخول تركيا فردوس الاتحاد الأوربي ، فيما إذا أقبلت على هذه النزوة السياسية العسكرية المتهوّرة ، وهما موقفان يلاقيان بالتأكيد الارتياح لدى كل كردي -دريئة أحقاد أنظمة المنطقة- بل وارتياح كلّ حرّ في المنطقة ، وان كانت السياسة الأمريكية ، في حدود فهمي المتواضع ، تنطوي في جوهرها على دقّ إسفين بين تركيا والاتحاد الأوربي، فإنه ، بالمقابل ، لم نجد أيّ صوت إسلامي ، أو عربي، يرتفع ، وان بلغة المعاتبة المخنثة، وعدم الرضى عن هذا التعنّت الطورانيّ الفظيع – باستثناء حالة قادة العراق الفدرالي – والذي من شأنه إشعال فتيل نار في المنطقة ، لا يمكن التكهن بنتائجها  على المدى المنظور ، وستكون – تركيا – هي الخاسر الأوحد ، إزاء كل ذلك ، ولا سيما إن المارد الكردي ، سيكسر قمقمه ، ويتحرّر من أصفاده ، ويضع اللبّنة المطلوبة في الرّكن والمرتكز الأكثر أهمية ، في خريطة كردستان ، وهو ماليس في مصلحة الدولة التركية البتة، ولو عبر حساب أول ، بسيط ، ساذج……………… !
مؤكّد ، أن الدول المقتسمة لكردستان ، باتت الآن أمام امتحان صعب ، ولا بد ّمن خوضه ، على نحو مخالف لما اعتادت عليه ، من قبل في مواجهة السؤال الكردي الذي لم يعد ممكناً الالتفاف عليه ، أو مواراته ، مواربةً ،و زوراً كما تم منذ عقود طويلة ، ومريرة بالنسبة إلى الكردي ،”فارس الشرق” المغرّب في شرقه…..!
وإذا كان الكردي لا يجد في شريك جغرافيا اللحظة معيناً له ، رادّاً اليه بعض ديونه الهائلة ، وإذا كان هذا الشريك ، يعد ّمد ّالكردي اليد إلى أخيه الكردي، خارج إسار خرائط الجغرافيا المصطنعة تآمراً – بحق ذرائع وفتاوى السماح بتدخلاتهم المتنافضة لصالح أخوة حقيقيين، أو وهميين، أو افتراضيين – بل وإن أي تطلع تجاه القوى الدولية ، خيانة عظمى ، واستقواء بالخارج ، فان في ذلك دفعاً له من قبل هؤلاء ، أجمعين ، لارتكاب موبقة المحرّم ، في نظرهم ، ولو كان ذلك في إهاب الحلم ، أو قبول الحماية ، كما حدث في كردستان العراق منذ 1991 وحتى الآن….!.

!
ومن هنا ، فإن الخيار الوطنيّ ، ليس مطلوباً من الكرديّ وحده ، ضمن معادلة شراكته مع الآخر ، ليكون قدره الذي لا مناص منه ، دون أن يدفع له إزاء ذلك ، أيّ من استحقاقاته الدّنيا ، ولو ضمن إطار الشراكة، نفسها ، بل إن على الآخر ، وهنا ، لا بدّ من تحديد ه إسماً: الفارسيّ، والتركيّ، والعربيّ ،من على سدة الأنظمة ، تجاوز عقدة الاستعلاء ، وواقع الاستمراء في هدر أبسط مقومات الشراكة الحقيقية  ، كضمانة فعلية لأيّ رابط وطنيّ ، في حال الحرص عليه ، وتحمّل مغبّة كلّ ما سيتمّ ، دون الانصراف إلى دفع الملامة تجاه الكردي ، ومحاسبته في حال رفضه لسائر سياسات تذويبه، في بوتقة الآخر، كما يراد لها أن تتمّ ، دون أية مراعاة لتمايزه المشروع ، شأن سواه ، أيّاً كان، في رقعة المكان…………!

كلمة أخيرة :
إنّ شركاء خريطة اللّحظة المعيشة للكرد ، وفي إطار مواجهة استقواء الكردي ليس بسواه ،فقط ، بل حتّى بنفسه، وخياله  ،إنما يلجؤون إلى كلّ ضروب المحرّم، في مواجهة طريد خريطته الكردي ، أنّى خرج عن بوتقات تذويبه متعدّدة الطبعات، ولوعبر الحلم  من قبله ،بمجرّد أبسط مقومات الاستحقاق..!
أجل ، إزاء النّفورمن “بعبع الاستقواء”، فإنّ أولى المهمات المطلوبة من شركاء المكان، إزاء الكرد،هي البدء الفوريّ بإزالة كافة الأسباب التي قد تدفع به تجاه خيار الاستقواء ، الذي هو في إطاره المتناول ، مجرّ د تهمة، تخوينية ، ملفّقة ضدّه ،بل إن عدم توفير المناخ الوطنيّ لهذا الشريك الفاعل،بتأمين كلّ ما يعزّز خصوصيته القومية ، بكل مستلزماتها ، ينسف خصيصة وطنيتهم، بالذّات- أعني خصوم الكرد- وإن كان هؤلاء ليخلدون في قرارتهم ، في نعيم اليقينيات المطلقة بامتلاك فتاوى، وقوانين الوطنية ، ومفاتيحها ، وهو ما يخلّ بأيّ عقد شراكة وطنية ، لن يخلف الكرديّ عن الإسهام فيه، شريطة أن يكون صانعاً لعقد الشراكة ، لا مجرّد جسد يلبس الثياب المعدّة له من قبل غيره ، دون أن يؤخذ له برأي ، وهو الأحقّ برسم طريقة عيشه، أو تعايشه، كما يريد………!
………….

عن موقع سورية إلى أين ؟

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…