باتت الرغبة في توحيد الخطاب السياسي الكردي في سوريا في ظل الأوضاع الراهنة مطلباً جماهيرياً وقومياً ملحاً ومهماً … ولكن الأهم من ذلك أمام الظروف والمستجدات التي تتجه نحو حدوث احتمالات تغيرية إيجابية في المنطقة ، هي نوعية هذا الخطاب والاهتمام البالغ به والعناية بأسلوبه ومساره المناسب السليم ، الرامي إلى تهيئة المستقبلين والمستمعين للرسالة الكردية الموجهة
ودور هذا الخطاب وتأثيره على الآخرين من الشعوب والقوميات والأطياف العرقية والأثنية والشرائح الاجتماعية الواسعة من أبناء الشعب السوري ، الذين لنا معهم تاريخ ومعتقدات مشتركة ومصالح متبادلة، وإقناعهم بأسلوب صحيح مقترن بقوة الأدلة الدامغة وبراعة الطرح بعدالة القضية الكردية ، وضرورة إيجاد حل ديمقراطي منصف لها .
وذلك من خلال فهم هذا الغير الذي نتعايش معاً عناصر خطابنا السياسي فهماً دقيقاً وإدراك مشاعره وطبيعة أفكاره ودرجة ثقافته وإمكانية استجابته لمقتضيات المصلحة المتبادلة في المرحلة الراهنة .
إن عرض القضية الكردية بأسلوب تخاطبي سليم وضمن إطار وطني وفق منهج موضوعي مقبول وقابل للتحقيق في المجال العلمي البعيد عن المغامرات والمنزلقات الخطرة التي لا طائل منها ، وتتوافق مع آمال وطموحات شعبنا وإمكانياته الذاتية وخصائص حركته السياسية وظروفها الموضوعية ، هي التي ستنال بلا شك تأييد وتعاطف أكبر قدر من الشرائح الاجتماعية والأوساط السياسية والثقافية والوطنية الديمقراطية ، والتي لها الدور الإيجابي في تحقيق حقوقنا القومية المشروعة .
إن التفاهم المتبادل مع الآخرين ومراعاة المصالح والقواسم المشتركة التي تجمعنا معهم في جبهة واحدة وخندق واحد واتباع دبلوماسية سياسية كردية مناسبة ومعتدلة وموزونة ، والابتعاد عن الرؤية السطحية والخطاب القومي المتزمت وتحديد الأهداف الرئيسية للحركة الكردية ، ووضوح مطاليبها وطموحاتها وأفكارها بموجب خطاب سياسي سليم في التراكيب ومرشد لكل الحقائق ، هي التي ستصبح الوسيلة الفعالة للوصول إلى ضمير وأحاسيس الغير ، وتحقيق الأهداف المنشودة بالوسائل المناسبة التي من شأنها توسيع دائرة المشاركة الجماعية ، والالتفاف حول طاولة مستديرة تجمع كافة الاتجاهات وتتخذ القرارات الصائبة ، والتي أضحت من سمات القرن الحالي وروح هذا العصر والمسار المنطقي للتخاطب المقبول بين حركتنا القومية والشعوب والحضارات والثقافات المختلفة .
إن الاختلاف بين أطراف الحركة الكردية في الطرح والتقييم في هذه الأجواء لا يمكن أن يشكل عيباً بقدر ما يكون تبني خطاب سياسي متوتر ورفع شعارات عاطفية دون توفر مستلزمات تحقيقها ، وتنم عن ضيق الأفق والانزواء في الفكر والثقافة وعن النزعة الأنانية والاستعلاء القومي أو من حالة ميؤوسة أو عن ضعف نجده في الآخرين وهماً ، هو العيب الكبير في الفكر والخطاب السياسي المعاصر والذي لا يمكن أن يكون أبداً تعبيراً عقلانياً وحضارياً منطلقاً من حركة قومية ووطنية معاصرة، بل سيكون دون أن يكون هناك أي مجال للريب ذات تأثير سلبي يؤدي إلى ضعف الخطاب السياسي وتزمته ، ويؤدي بالتالي إلى تدنٍ في المستوى العام نظرياً وعلمياً .
لهذا ولما تقدم ينبغي أن تكون الحركة الكردية في سوريا على دراية عالية من الحكمة والاتزان في تحملها المسؤولية القومية والوطنية الملقاة على عاتقها ، وعلى دراية كاملة بالظروف والتطورات الحاصلة واللاحقة في كافة المناحي والمستويات ، وتعمل بإخلاص وصدق وشفافية في سبيل توحيد خطابها السياسي وصياغته انطلاقاً من مواريث تاريخية حقيقية، بعيدة عن أسلوب الخطاب والحديث النمطي الذي لا يدرس بعناية مفاهيم الآخرين وأفكارهم ومصالح المجتمعات البشرية التي تتعايش معها وتوجه إليها خطابها السياسي.
وعليها بذل الجهود الفائقة من أجل تربية سياسية صحيحة وسليمة بين تنظيماتها المختلفة ، وتوعية الجماهير الكردية بإمكاناتها ومطاليبها ومدى الاستجابة لها في هذه الظروف والأوضاع وامتلاك الجرأة والمصداقية والوضوح والموضوعية في الطرح والطلب البعيد عن التضليل والتحجر والمساومة والانغلاق والتوتر الذي قد يحول الخطاب السياسي غير المدروس إلى قنبلة موقوتة تنثر شظاياها وآثارها من التوتر حال انفجارها في كافة الاتجاهات والأطراف ، وتؤدي بالنهاية إلى افتقاد الحركة الكردية لجميع التيارات السياسية والشرائح الاجتماعية والثقافية المؤيدة لعدالة قضيتها والساعية معها إلى حلها بالطرق السلمية والديمقراطية المناسبة ، والتي اكتسبتها الحركة نتيجة نضالها الوطني الطويل .
إذ لم تعد عدالة القضية الكردية في هذا العصر هي وحدها العنصر المناسب والكفيل لإيصال الآمال والطموحات إلى حييز التحقيق بأمان واطمئنان ، بل غدت المعرفة الواعية بالزمان والمكان والظروف والمستجدات هي العنصر المقبول بالتفوق الإعلامي ، وقدرة الوصول إلى عقول الناس والتأثير الإيجابي على سلوك وسايكولوجيات المجتمعات ، لبلوغ الأهداف التي تناضل الحركة الوطنية الكردية من أجلها .