الخط الثالث: تناقضات سياسة

جان كورد
 طلع حزب الاتحاد الديموقراطي، الفرع السوري لحزب العمال الكوردستاني، على السوريين في بدايات اندلاع ثورتهم، بأسطورة “الخط الثالث” بين خطي النظام والمعارضة الديموقراطية والوطنية السورية، بل اتهم الحزب الكورد الذين ذهبوا للمساهمة في مؤتمر المعارضة في أنتاليا التركية بالخونة وعديمي الشرف والكرامة، ومن بين ال54 مثقف وناشط كوردي حضروا المؤتمر كان ثمة مؤيدين للحزب نفسه، فزعم أنه يؤسس لما سماه ب “الخط الثالث”، حتى “لا تتعرض المدن والقرى الكوردية لويلات الحرب بين الطرفين المتحاربين!”. فها هو الخط الثالث يتهاوى بدخول مقاتلي الحزب إلى مقرات الحكومة في مدينة الحسكة وتمزيقهم لصور الأسد وأبيه وأخيه،
 وها هو النظام يقصف مقرات “الخط الثالث” ويصدر بذلك بيانا عسكريا واضحا لا لبس فيه بأن الهدف من قصفه هذا منع تقسيم سوريا والحفاظ على وحدة التراب السوري، على الرغم من أن الحزب يؤكد منذ تأسيسه على أنه ليس تنظيما قوميا كورديا ويرفض فكرة “الدولة القومية الرجعية!”  وأنه تنظيم سوري أممي يعمل من أجل “كونفدرالية ديموقراطية حسب أفكار الزعيم أوجلان!” وهذا الفكر لم يعد فيه شيء كوردي بالتأكيد. فهل فشل أصحاب الخط الثالث في سياستهم أم أن اقتحام المقرات الحكومية في الحسكة وقصف النظام للآسايش مؤامرة مدبرة ومتفق عليها بين الحزب والنظام؟  
هذه السياسة الملتوية والتي لم يصدق أحد في العالم أنها ليست “سياسة كوردية” لم تأت لأصحابها سوى بالخسران، فلا النظام يثق بهم، بل صار يعتبره عدوا بعد أن كان صديقا، ولا المعارضة تثق بهم، وتظل تعتبرهم جزءا من مرتزقة النظام. وتناقضاتهم عجيبة لدرجة أنهم بدأوا يفقدون الشارع الكوردي السوري والحماس الكوردستاني لهم. 
ومن أشكال هذا التناقض الذي سيودي بهم إلى فشل ذريع:
– حربهم الشعواء سياسيا على رئاسة إقليم كوردستان، وتمزيق علم كوردستان، ومناشدة البيشمركة في الوقت ذاته لدعمهم في الظروف الصعبة، كما حدث في معركة كوبانى الشهيرة
– دعوتهم لحياة مجتمعية تشاركية مع سائر المكونات والمجاميع والآراء في نطاق إدارتهم الذاتية، وفي الوقت ذاته ممارستهم كل صنوف القمع السياسي ضد الحراك السياسي – الثقافي الكوردي المعارض له في “نقاط محددة فقط”، ومن ذلك القمع: اعتقال كوادر متقدمة في الحزب الديموقراطي الكوردستاني – سوريا، ومنهم الأستاذ (عبد الرحمن آبو) لشهور عديدة من دون محاكمة ونفي السيد (إبراهيم برو) رئيس المجلس الوطني الكوردي إلى خارج سوريا  واعتقال العديد من القادة السياسيين للكورد، الذين كانوا سابقا لمرات عديدة في سجون البعث ، مثل الأستاذين (حسن صالح) و (محمد إسماعيل) وسواهما، واعتراض مواكب تشييع جنازات الشهداء والموتى بشكل سافر، حتى جنازة الأمين العام السابق لحزب يكيتي الكوردي الأستاذ الراحل (إسماعيل حمى).
– الزعم بأن الحزب ثوري، يساري، معادٍ للإمبريالية، بدليل الرايات الشيوعية التي يرفعها هؤلاء أينما حلوا وكيفما ركبوا، والتعاون والتنسيق في الوقت ذاته مع القوات الأمريكية على الأرض، وها هي الطائرات الأمريكية تحلق فوق الحسكة لمنع الطيران السوري من قصف مقرات هذا “الحزب الأممي!” من جديد… فإما هؤلاء في ادعائهم بأنهم لا يزالون على نهج حزب العمال الأوجلاني غير صادقين أو أنهم يسمحون للإمبريالية الأمريكية أن تستخدمهم كما تريد، 
– محاولة الاتصال سرا وعلانية مع حكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا، ومع مخابرات (الميت) في أنقره، والتصريح مرات عديدة بأن الحزب لا يعادي تركيا الجارة، وفي نفس الوقت إرغام الشباب الكوردي على الالتحاق بقوات (الكريلا) التي تحارب الجيش التركي. 
– دعوة المنظمات الدولية لإعادة إعمار كوباني وما تهدم في القامشلي بسبب العملية الارهابية التفجيرية فيها، ومحاولة فرض “جباية” في هذه الظروف الصعبة للمواطنين، دعما لمدينة (نصيبين) المنكوبة في شمال كوردستان.
– الحرب على المتدينين الكورد بكل أشكال الحرب النفسية واتهام الجميع بأنهم “أردوغانيون” أو “داعمون للإرهاب” وفي نفس الوقت السكوت التام عن كل وحشية “حزب الله” المصنف كحزب “إرهابي” في العالم الحر الديموقراطي، بل التنسيق معه في معارك حلب ونبل والزهراء ومنخ وسواها…
– تملق العشائر العربية ونظام الأسد قبل ما جرى في الحسكة، وفي نفس الوقت رفض عودة (لشكرى روز) للقتال إلى جانب (كريلا) و حدات حماية الشعب (و.ح. ش.) ، ولشكرى روز (جيش الشمس) هو تشكيلات قتالية  تشكلت بمساعدة بيشمركة جنوب كوردستان من الشباب الكورد السوريين وهم بالآلاف ومدربين بشكل جيد وأفضل من مقاتلي العشائر العربية أو قوات سوتورو المسيحية.  فأصحاب الخط الثالث المنهار يحتاجون – كما يبدو –  إلى مساعدة الترك والإيرانيين واللبنانيين والأمريكان والعرب وكل الأقوام، ما عدا مساعدة الكورد السوريين الذين يقاتلون الآن ببسالة مشهودة لهم في أطراف الموصل ضد إرهاب داعش. 
مثل هذه السياسة التي فيها قفزات ثعلبية وتقلبات لا تنفع شعبنا الكوردي، بل نريدها سياسة ثابتة وواضحة يراها القاصي والداني، الصديق والعدو، لأنه ليس من أخلاق شعبنا أن يمارس سياسات مليئة بالتناقضات التي ستؤثر سلبا على كافة حراكنا القومي، السياسي والثقافي، وستفقدنا الأصدقاء، ولربما تؤدي بنا إلى الفشل الذريع. فماذا سيفعل حزب الاتحاد الديموقراطي في حال اتفاق وتنسيق القوات السورية مع القوات التركية بعد أن ضمنت مساعدة الإيرانيين ومرتزقتهم وحزب الله اللبناني لها؟ هل سيعود الحزب ليرضي الأسد من جديد، أم أن المسألة ليست إلا لعبة مدبرة ذات أهداف محددة؟ 
‏20‏ آب‏، 2016

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…