د. محمود عباس
الإخوة القائمون على المؤتمر.
كلنا يعلم بغزو الغرب لبلداننا، وما قام به من تجزئة لأراضينا، رغما عن إرادتنا، فألحق جزء من أراضي بعضنا إلى جغرافية البعض الآخر، وألغى وجود بعضنا شعبا وأرضا كما هو حال الكرد. ولم يرضَ أحد منا، وحتى اللحظة، بهذا التقسيم المشؤوم، وكلنا نمقت هؤلاء بما أجرموه بحقنا في تجزئة كلنا الموحد. وهذه التجزئة لم تأتِ وليدة اللحظة، وليست لمصلحة المستعمر الآنية فحسب، بل جاءت لتجعلنا، علاوة على مصالحها، نتقاتل ونتصارع فيما بيننا وعبر الأجيال، وهذا ما يحصل الآن وسيستمر مستقبلا، إن لم يتفاداه العقلاء منا راهنا أو في القادم من الزمن، هذا التقسيم لم يتم محبة بالعرب ولا كرهاً بالكرد؛ وإنما لأهداف وغايات تتجاوز القرون.
لقد أحدث هذا ابتعاد أجدادنا وآبائنا عن التلاحم والوحدة والتآخي الذي أوجده محمد بن عبد الله العربي بيننا رغم تبايننا لونا، وعرقا، ولغة، إلى أن ألغى القوميون العنصريون هذا التآخي والتلاحم ابتداء من الطورانية وانتهاء بالعروبية. لكن ما نراه اليوم بعد فشل تجربة العروبية، وعلى رأسها ضياع القدس الشريف، وتقهقر العرب أمام أقل من ستة ملايين وفي ستة أيام مسقطا كل هيبة للعروبة التي كانت في أوجها آنذاك، ويعلم الجميع أن ما يحدث في سوريا حاليا مبعثها العروبية المجزئة للمجزأ. ما كنا نتوقعه منكم أن تكون التجربة المريرة قد أبانت العلة، كي نتجنبها جميعا ولا نعيد تكرارها؛ إلا أن الأمور تجري كأن ما حصل وما يحصل سببها غير هذا. ومن المعلوم للقاصي والداني أن ما بني من جغرافيات ودول تحت أسماء عربية، لم تكن غايتها دعم القومية العربية، ولا خلق ركيزة وطنية حضارية، فالعربية موجودة بالقرآن، وهي أقوى من أية دولة تدرج تحت الاسم العربي. ومن المؤسف أن معظم الصراعات القومية في المنطقة، استمرار لتلك المؤامرة الكبرى على شعوبنا، والأولى بنا جميعا الانتباه إليها، لردم هوة الخلافات بيننا، فحقوق الشعوب مهما طال عليها الزمن لا بد أن تسترد إلى أصحابها، وإسبانيا خير مثال، والنتيجة كانت مجازر بحق المحتلين، وكراهية دامت قروناً.
فما تقومون به من الحوارات، نثمنها، ونرى أن تبنى على المنطق والحق دون تحيز قومي، وأنتم كنخبة ثقافية خير من يتبنى هذا بصدق. فالأخوة بين الكرد والعرب، لن تستمر إلا بناءً على الاعتراف بالكرد في حقه المشروع بأرضه التي جزأها الاستعمار وألحقها بسوريا الحالية. وشكل من كردستان جغرافيات متضاربة حسب أجنداته، فلغة طروحاتكم، ونتائجكم، بالطريقة الواردة ضمن المسودة لن تقوي أواصر هذه الأخوة، ولن تفيد القضية العربية، بل ستكون عوامل على ديمومة الإضرار بالعرب وبالعروبة وبالمنطقة على حد سواء، ولا يستبعد أن الاستمرار على هذا النهج سيؤدي إلى نتائج غير محمودة بالنسبة للعرب جميعا، وللقومية العربية في المقام الأول، فالتعصب المستفحل، وانتهاك حقوق الشعوب الأخرى ستخلق الضرر الأكبر بالعروبة، وبماهيتها وبشموليتها. والأولى أن تكونوا الشريحة الأوعى في خلق ركائز الإخوة بين الشعبين الكردي والعربي.
وهذا الحوار كان مقرراً إقامته في غازي عنتاب-تركيا، بتاريخ 22-23-تموز 2016م، وبعد أن تم عرض عدة أسئلة حول مركز التمويل، والجهة التي تقوم بها، خارج إطار مركز حرمون، وفرعه صالون هنانو، من خلال تبادل رسائل قصيرة مع الأخ محمد شمدين، الذي أرسل لي دعوة، مشكورة عليها، مع عناوين المواضيع التي ستطرح على الطاولة الحوار والنقاش، ومعها أسماء الشخصيات العربية التي ستشارك أو بالأحرى المرسلة من قبل الجهة الممولة والمنظمة لها، وهم السادة الدكتور خضر زكريا، الدكتور يوسف بريك، والدكتور مروان قبلان، والدكتور حازم نهار، والسيد سمير سعيفان، والسيد حبيب عيسى، والسيد عبد الحكيم قطيفان، والسيد غسان الجياعي، والتي هي في حيزه العام مشروع وطني، وثقافي قيم، ولا بد منه، لهدم المفاهيم المشوهة التي زرعتها السلطات البعثية الأسدية بين الشعوب المتعايشة ضمن سوريا، وبشكل خاص بين الكرد والعرب.
ومن المؤسف أن غاية المقيمين على إجراء الحوار ليست تنقيه الأجواء بين الكرد والعرب، والوصول إلى حل مشترك يرضي الطرفين، بل يحاولون القضاء على أخر أمل في الوطنية، وتبين ذلك من خلال قراءتنا لمسودة الحوار، المقتصرة لحقوق الكرد في المواطنة، والتي ستعالج في سوريا القادمة من خلال المحاكم، ونحن نعلم ماذا تعني محاكم البعث وما سيتراكم عليها مستقبلاً، وعمليا تتحول القضية الكردية من قضية سياسية إلى قضية اجتماعية تحل بيد القضاة، وليس اعتبارها قضية سياسية جغرافية ديمغرافية، وعمليا ستدفن القضية في مقبرة على اطراف احدى مقابر القرى الكردية النائية.
والنتيجة: مع كل اعتذاري للأخ محمد شمدين والقائمين على صالون هنانو، وللإخوة العرب أصحاب النيات الوطنية، فإن المنظمة، جل غايتها محاربة الكرد، والنخر في قضيتهم بالأساليب الحديثة، بعد أن اقتنعت القوى الإقليمية عدم جدوى الطرق الكلاسيكية، والجهة الممولة لهذا الحوار، هي نفسها التي مولت مؤتمرات أخرى كمؤتمر رابطة المستقلين الكرد السوريين المنعقد في مدينة أورفا بتاريخ 11/6/2016م، وكذلك تمول حلقات ثقافية وحوارات، لسنا بصدد البحث فيها الأن. وقد ردينا على بعضهم بحلقات بحث، دون حضور، وبعضها برسائل شفهية، وأخرى كتابية. وفي هذه المؤتمرات والحوارات من المفروض أن يكون الكرد والعرب فيها طرفين متساويين، لكن المبان أن الهيمنة العربية تطغى على المعروض، كما هو الحال في المسودة المذكورة. فرغم معارضة البعض من الإخوة الكرد على معظم البنود المدرجة ضمنها، اعتبرت نتيجة نهائية لمجريات الحوار.
وبالتدقيق في جل حوارات الإخوة العرب، المثقفين والسياسيين الذين يقدمون ذاتهم كوطنيين، يدرجون حجج، للاعتراض على مطالب الكرد، حتى وعندما يؤيدونهم، في النهاية لا بد وأن يلحقوها بكلمة “لكن” لتنم عن رؤيتهم بالرفض.
ولقد انتبهت إلى المواضيع المطروحة للحوار والبالغة عشر عناوين، والمختصرة في مؤتمر برلين إلى ستة محاور، وكتبت عن بعضهم وأنا بصدد الكتابة عن معظمهم (قدر الإمكان) وقد نشرت أول موضوع في جريدة بينوسا نو العدد (51) وسأحاول نشر بعضهم في الأعداد القادمة. وفي الواقع كل طرح يحتاج إلى كراس، فهي مواضيع مطروحة على بنية الثقافة البعثية المترسخة في أذهان معظم المثقفين العرب والكرد أيضا، ولابد من توضيحها، لبلوغ بعد وطني يرضي الطرفين، فيما إذا تقبل الإخوة العرب المحاورون، أبسط مطلب كردي، وهو: الاعتراف به كشعب يعيش على أرضه التاريخية، وأن ما يسمى شمال سوريا، أو الجزيرة، ليست سوى جزء من جغرافية كردستان، وهي جنوب غربي كردستان، وبالمقابل يتقبل الكردي سوريا كوطن، ودولة اتحادية، ويرفض تقسيمها، والتدخل في شؤونها من أي جهة كان.
وعلينا ألا ننسى أن كل مؤتمر هو بمثابة ميثاق تاريخي، وكل ما سيسبقه أو يصدر عنه من دراسات، وثائق سيستند عليها الباحثون والمنظمات السياسية والثقافية العروبية. وما يرتكز عليه معظم رؤساء المعارضة السورية العروبية، من وثائق صدرت من الأحزاب الكردية والتي كانت إذعاناً لأوامر المربعات الأمنية، ومن الملاحظ اليوم أن الإخوة العرب يعتبرون تلك الأدبيات الصادرة آنذاك بأوامر من تلك المربعات وثائق تاريخية رسمية تعكس مطالب الكرد في الماضي، وإذا كانت هذه الجدلية صحيحة فهي تنطبق على الإخوة من المعارضة العربية والتي لم تكن بأحسن حالا من الأحزاب الكردية في ظل تلك السلطة الاستبدادية.
لا شك لسنا ضد الحوار، ولا ضد المشاركة في معظم المؤتمرات، بل علينا أن نشترك كمجموعات في دراسة الحدث بكل تفاصيلها، ونحضرها ونحن جاهزون، فكرا وطرحا، فالإخوة العرب وراءهم دول ومؤسسات ومراكز استراتيجية تصرف عليهم الملايين، وبرغم من إمكانياتنا المتواضعة بوسعنا أن نكون على قدر المسؤولية.
مع ودي للإخوة الذين حضروا وكتبوا عن الحوار
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
14/8/2016م