قولٌ على قول…!

دهام حسن
الثورات قاطرات التاريخ بتعبير ماركس، وهي بالتالي القوة المحركة للتاريخ، وتصنف الثورات عادة تحت عناوين شتى ربما أبرزها، الثورات الاجتماعية، والثورات السياسية، فالثورة التي تستهدف إسقاط السلطة الحاكمة فحسب، والاستعاضة عنها بسلطة أخرى، هي توسم عادة بالثورة السياسية، أما الثورات التي تستهدف القضاء على المجتمع القديم، وتحدث تغييرا في علاقات الإنتاج هي ثورات اجتماعية، حيث تفسح الطريق أمام قوى اجتماعية جديدة تحلُّ محلّها، والثورات الاجتماعية محلّ ولادتها في كلّ مكان كما يرى ماركس أيضا، فالتغيير في بنية المجتمعات، وعلاقات الإنتاج هي سنة الكون.. 
فما جرى ويجري في العالم العربي، أو ما سمي بالربيع العربي هي ثورات اجتماعية، لكن علينا أن ننوّه أن هذه الثورات قد لا تأتي أكلها مباشرة، وفي الحال، فهناك من يتسبب في الثورات، وهناك من يتكسب منها كما يقول نابليون، لكن ما حدث ويحدث في العالم العربي هي ثورات اجتماعية، وليست انقلابات (السّراي) وإن استثمرها واستغلها بعض القوى الأخرى كـ(الإخوان المسلمون) في مصر لما تمتعوا من حرية في التنظيم، وغاية النظام المصري حينها لجم القوى الثورية الأخرى، لكن يبقى الشعب والقوى الاجتماعية هي الحكم والفصل في الأخر، ففي الثورات الاجتماعية لن يقف الشعب في محطة إزاحة النظام فحسب دون إحداث تغييرات جوهرية في بنية النظام، فالنظافة قد لا تتم بنقل القمامة التي تحمّل في العربة الأولى، فهنا لابد من عربة أخرى لإتمام نقل القمامة حتى تتم النظافة..!
إن الثورات الاجتماعية هي ليست انقلابات في أطر النظام، بمعنى هي ليست  استبدال طغمة حاكمة بطغمة أخرى، هي تهدف إلى تغيير أشكال البنية الاجتماعية للنظام، وبالتالي إرساء علاقات اجتماعية سياسية جديدة، حتى الماركسية التي شهدت جمودا أدركت نقاط ضعفها، ولم تعد تتمسك بما تحجر من مبادئها، فراحت تشهد طاقاتها النقدية تفجرا، ولم تعد تقتصر استراتيجيتها العالمية على الصراع بين البروليتاريا والبرجوازية كما اعتدنا.. حتى على صعيد البلد الواحد لابد من إرساء علاقات جديدة، وضمان حقوق كافة المكونات بضمان الدستور فضلا عن الحريات العامة، حرية الصحافة والتعليم، وإيلاد جيل حضاري،  جديد في علاقاته، جديد في بنائه، متفهم لحقوق الآخرين المشروعة و تطلعاتهم، ينبذ العنصرية والفوقية، إن وحدة وإخاء الشعوب ليست سوى جملة- دعوة فارغة، لابد للواحد منا أن يتفهم حقوق الآخرين، كما هو حريص ومتمسك بحقوقه، وهذا يقتضي من الداعين إلى الأخوّة نبذ المجتمع القديم، ولجم العدو الداخلي، لا رفض للحقوق المشروعة لسائر الشعوب والقوميات والمكونات الاجتماعية، ترى فماذا أنت صانع غدا إذا ما استلمت السلطة، وآل إليك زمام الأمور..

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…