الانقلابات العسكرية تعيق تطور المجتمعات

صبري رسول
لم تجلب الانقلابات العسكرية في يوم من الأيام الحرية والديمقراطية لمجتمعاتها، بل قضت على بذور الديمقراطية وشكلت الذهنية الشمولية بالحديد والنار، ومازالت الشعوب تدفع ثمنها في التنمية والتطور على كل الصعد.
فكرة الانقلاب تتولّد من شهوة الاستيلاء على السلطة بالقوة متجاوزة على الانتخابات ورأي الشعب، ونماذج الانقلابات كثيرة ومدمرة، وهناك بلاد كثيرة شهدت انقلابات عسكرية أطاحت بحكومات عسكرية قبلها أو بالحكومات المنتخبة، كسوريا والعراق والسودان  وموريتانيا وأوغندا وباكستان وتركيا وغانا.
فالنموذج السوري من الانقلابات جلب الويلات للبلاد، وقضت على الحياة السياسية فيها، فالانقلاب العسكري الأول في سوريا حصل في آذار 1949 ففي تمام الساعة الثانية والنصف ليلا، أعطى الزعيم أوامر لوحدات من الجيش السوري بتطويق القصر الرئاسي ومبنى البرلمان والوزارات الرئيسية، كان هذا الحدث ابداية لفاتحة الانقلابات العسكرية وهيمنة الجيش على الحياة السياسية والاجتماعية.
الانقلاب العسكري الرابع في سوريا 1951، منذ الاستقلال، والثاني بقيادة أديب الشيشكلي، الانقلاب العسكري في سوريا 1954، هو الخامس في البلاد منذ الاستقلال. أطاح بنظام أديب الشيشكلي والحزب الواحد الذي تزعمه. ويعتبر ثاني انقلاب سلم قادته العسكريون السلطة لمدنيين (بعد انقلاب سامي الحناوي في 1949)، أما كان الانقلاب السوري 1961 من قبل ضباط الجيش السوري عن تفكك الجمهورية العربية المتحدة (سوريا ومصر) والانقلاب العسكري في سوريا 1966 هو الانقلاب الثامن في تاريخ سوريا بعد الاستقلال، وأول انقلاب عسكري بين أجنحة حزب البعث نفسها في أعقاب انقلاب الثامن من آذار.
أما الانقلابات التركية فلم تكن أفضل حالا من السورية من حيث القضاء على الحياة المدنية فكان انقلاب 27 أيار هو أول انقلاب عسكري في تركيا، قام به مجموعة من ضباط الجيش التركي خارجين عن قيادة رؤساء الأركان، ضد الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا لحزب الديمقراطية يوم 27 مايو 1960م.
وفي 12 سبتمبر 1980 حدث انقلاب عسكري في تركيا، تزعمه الجنرال كنعان ايفرين مع مجموعة من الضباط، وكان المبدأ الرئيس فيها الفكر الكمالي واعتقادهم بأن سبب تدهور الامبراطورية العثمانية كان لارتباطها بالأقطار العربية والإسلامية. هذه الانقلابات قضت على الحياة المدنية وأحكمت قبضتها على الحياة السياسية، وأغرقت الشعوب في تركيا (كرداً وتركاً) في صراعات دموية لعقود طويلة. وعززت تسلط العسكر على الحياة المدنية بحجة حماية قيم ومبادئ أتاتورك.
والانقلاب الأخير ضد حكومة أردوغان هلل له بعض الدول والأنظمة والتيارات ربما ليس حبا بالانقلاب بل كرها لأردوغان. من المؤكد أن أردوغان زعيم حزب العدالة والتنمية أخطأ كثيراً في سياسته ومواقفه، وهيأ ذهنية التفكير الشمولي استحضاراً لقيم السلطنة العثمانية، وأحكم الخناق على منافسيه وخصومه السياسيين، ولم يتعامل بحكمة مع الشعب الكردي وقضيته القومية، بل تصرف بسلوك العسكر وفضى على العملية السياسية برمته، وزج بالجيش في حرب قذرة ضد الكرد، ناهيك عن دعمه للتيارات المتشددة الإسلامية وتسهيل تدفقها إلى سوريا، كل هذه الأخطاء لا تبرر أن ندعم الانقلاب العسكري الذي لو نجح لفتح باب الجحيم على الشعب الكردي والتركي، وأدخل المنطقة كلها في حروب لا أحد يستيطع التكهن بنتائجها.
فالانقلاب العسكري يرفع دائماً شعارات تمسّ الشعب، بينما دباباته تسحق الشعب، كما حصل في سوريا والعراق تحت مقولة «الثورة» وفي تركيا «الحفاظ على قيم العلمانية» وباكستان «محاربة الفساد وحماية الدولة» وفي أي دولة يقضي على الحياة المدنية ويفتح بوابات لجحيم الحروب، ويعيق التطور الاجتماعي والاقتصادي، ويلغي الحلول السياسية.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…