محمد قاسم ” ابن الجزيرة “
ديرك L 23/7/2016
يغريني البحث عن السلفية والتصوف، ما يجمعهما أو يختلفان فيه، وكل ما يتصل بذلك، لكنني الآن أود لفت الانتباه إلى ذلك فحسب. ولعل الله يوفقني يوما إلى الطموح الذي يخالجني.
السبت-23 /7/ 2016-انتهت حلقة نقاش في برنامج اسمه “في فلك الممنوع” -قناة فرنسا 24 -القسم العربي. حول السنة والشيعة، أحد المتداخلين على الفيسبوك أشار إلى قدم الخلاف منذ بداية الإسلام ولا يزال، والضحايا هم أبناء الشعب الذين يعيشون في دوامة صراع حاد لا مبرر له إنسانيا، لذا اقترح فصل الدين عن الدولة (علمانية سياسية).
وعلى الرغم من إغراء متابعة الموضوع إلا إنني هنا أود الإشارة إلى موضوع آخر، يكاد يقارب الموضوع، وهو الصوفية والسلفية (في المنطقة بشكل خاص).
المرحوم الدكتور محمد سعيد ملا رمضان البوطي، له كاتب صادر عن دار الفكر-طبعة أولى 1988 عنوانه: (“السلفية” مرحلة زمنية مباركة، لا مذهبٌ إسلامي). يقول فيه-ص9:
” والمعنى الاصطلاحي المستقر لهذه الكلمة، هو القرون الثلاثة الأولى من عمر هذه الأمة الإسلامية…مصدره قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما رواه الشيخان من رواية عبد الله بن مسعود: ” خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته”.
ننقل من كتاب “حقائق عن التصوف”-عبد القادر عيسى –مكتبة العرفان-حلب-1993
-ص 25 ما يلي: ” من هذه النصوص السابقة يتبين لنا أن التصوف ليس أمرا مستحدثا جديدا ولكنه مأخوذ من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وحياة أصحابه الكرام، كما انه ليس مستقى من أصول لا تمت إلى الإسلام بصلة كما زعم أعداء الإسلام من المستشرقين وتلامذتهم الذين ابتدعوا أسماء مبتكرة، فأطلقوا اسم التصوف على الرهبنة البوذية، والكهانة النصرانية، والشعوذة الهندية، فقالوا: هناك تصوف بوذي وهندي ونصراني وفارسي…يريدون بذلك تشويه اسم التصوف بانه يرجع في نشأته إلى هذه الأصول القديمة والفلسفات الضالة من جهة أخرى…”.
ويعرف أبو الوفا الغنيمي التفتازاني، التصوف في كتابه (المدخل إلى التصوف) –ص 3 كالتالي:
” … إن التصوف بوجه عام، فلسفة حياة وطريقة معينة في السلوك يتخذهما الإنسان لتحقيق كماله الأخلاقي، وعرفانه بالحقيقة، وسعادته الروحية”. والكتب التي تتناول التصوف كثيرة يمكن العودة اليها لمن يرغب في الاستزادة والتعمق.
مذ بدأت أعي لاحظت-صراعا بين اتجاهين في المنطقة:
– التصوف يمثله شيوخ الطريقة.
– السلفية (أو الوهابية) يمثله ملالي “علماء” أبرزهم ملا إسماعيلي كلهي [i](أو ملا سمو) كما كان يدعوه بعض اتباع التصوف، وقد صحح المشايخ هذه التسمية متأخرا باعتبار أن التنابز بالألقاب لا يجوز في الإسلام. كما خفت حدة الصراع المباشر بين الاتجاهين بتنامي الوعي الاجتماعي.
ترك ملا إسماعيلي كلهي أثرا في المنطقة التي تواجد فيها (مناطق الكوجرات) إذ استمال بعض مخاتيرها، مما ساعده على التأثير على الفلاحين أيضا. وممن أيد الاتجاه السلفي، المرحومون ملا احمدي كورتبان وكان في (قرية كركا ميرو) -ملا عمر آزاد(قامشلي) -ملا حسيني حوريكي (سيكركا) وكان الأخير يعمل كاتبا في مشروع رصف الطريق بين قامشلي وديرك بحسب المرحوم حاج محمد عمر. وقد مالت إلى هذا الاتجاه –أو تساهلت معه -شخصيات مثل حاج دهام ميرو (سكرتير القيادة المرحلية، ومن ثم البارتي في الفترة بين 1970و1973 ثم سجن مع عدد من رفاقه في الحزب وأعضاء اللجنة الاستشارية (خالد مشايخ-محمد ملا فخري-عبد الله ملا علي).
والمرجح أن المرحوم ملا حمدي عبد المجيد السلفي له دور في التأثير على حاج دهام ميرو والمحيطين به. وكان يشغل رئيس مكتب المرحوم أسعد خوشوي.
(التقيت به عام 1972 أثناء انعقاد المؤتمر الحزبي الأول-وكنت أزوره مع أصدقاء عندما يحل ضيفا على قريبه أبو حسين في ديرك. وأهداني كتبا كما امّن الجزء الثاني من “الدولة الدوستكية” بطلب من علي جعفر لطباعته ولا أدرى هل تمت طباعته من قبله أم لا فهو قد هاجر إلى ألمانيا ولم يعد بيننا تواصل).
هؤلاء السلفيون-أو الوهابيون (الاسم الأكثر تداولا حينها حتى أصبح تهمة لكل ملا لا ينضبط بإطار المشايخ) تعرضوا لمضايقات من اتباع المشايخ –بإيحاء منهم-في البدايات. أدى تطور الوعي للتخفيف من الحساسية على مستوى الاحتكاك. وظلت المواقف والقناعات كما هي، وكان المخاض تأليف كتب عن التصوف مثل “ردود على شبهات السلفية” للشيخ محمد نوري … وكتاب ” الصوفية والتصوف” للشيخ عدنان حقي. رحمهما الله. وهذه خطوة إيجابية-برأيي-أن يرتقي الاختلاف إلى مستوى حوار عبر تأليف كتب.
لم أعلم إذا ما حاول السلفيون في المنطقة تأليف كتب، لكنهم كانوا ينشرون كتبا موجودة. وقد أهداني المرحوم ملا إسماعيل نسخة من “دلائل الخيرات” لا تزال لدي. وكان المرحوم ملا حمدي ينشر مقالات في مجلة “التمدن الإسلامي” التي كانت تصدر في دمشق. وله كتب أيضا فيما أعلم. في الستينات من القرن الماضي كانت تروى حكاية عن مجلس مناظرة ضم مشايخ ومنسجمون معهم (ملا احمدي بافيي مثالا) وسلفية (ملا إسماعيل…).
ومن الجدير بالذكر أن “الشيخ إبراهيم حقي الزيباري العلواني … استخلفه والده جدنا الشيخ حسين … وفوّض اختيار الخليفة من بعده إلى إخوانه وأنجاله وخلفائه ولم يعين أحدا من بعده …”-الصوفية والتصوف -عدنان حقي ص179.
ومن خلفائه (أو والده) الشيخ إبراهيم تل شعيري (وهو أستاذ معظم الشخصيات المشهورة: جكرخوين-ملا احمدي نامي وغيرهما من جيلهما). والشيخ رشيد بن الشيخ محمد نوري وآخرون. وبالمناسبة، الشيخ محمد نوري، هو الذي تم الصلح على يديه بين المسيحيين في أزخ (هزخ) وعشائر كانت بينها وبينهم عداوة، نتيجة ظروف الفرمان المعروف (والفرمان يعني القرار الذي يصدره السلطان) وتشير مصادر مختلفة عن دور ألماني في تشجيع نظام الطورانية التركية على يد مصطفى كمال وطاقم حكمه.
وفي قرية (تل معروف) اشتهر الشيخ (احمد خزنوي) ومن أحفاده المرحوم الشيخ معشوق خزنوي الذي ((…اعتقل في 10/5/2005 من قبل السلطات السورية “وبطريقة عصاباتية” من قبل السلطات السورية حتى استشهد” في 1/6/2005″ نتيجة ما مورس بحقه من تعذيب حيث أصدرت منظمة العفو الدولية في تقريرها أن العلامة خزنوي هو الكردي السادس الذي يموت تحت التعذيب في السجون السورية)) بحسب، نشرة (الشيخ الشهيد) -إعداد لجنة أصدقاء الشيخ الشهيد-منشورات يكيتي-ص5 وص40.
استغل خصوم وأعداء الإسلام، الثغرات التي ظهرت في أفكار وسلوك متصوفة (شيوخ طريقة ومريديهم)، وأضافوا إليها ما يزيدها تأثيرا سلبيا وصورة مشوشة، لتأليب الناس (الجيل الشاب). خاصة ضد الإسلام جملة وتفصيلا. ومنهم من يتخذ موقفا عدائيا مبالغا فيه من الإسلام، متجاهلا ارث بني قومه التاريخي معه، ومتجاهلا مشاعر آبائه وأجداده وجيرانه وأقربائه المسلمين.
فإن كان الشباب لا يملك تصورا صحيحا عن الإسلام، ويبني رؤاه على سلوكيات شخصيات وتعممها، فما هو عذر الذي يلبس لبوسا إسلاميا، ويطرح نفسه ممثلا أو منتميا حقيقيا له؟!
المأمول من حاملي لواء الإسلام تحت أي عنوان، الشعور بالمسؤولية نحو تصحيح المسار لما يزيد الإسلام وضوحا ودقة، وفهما، وسلوكا نقيا؛ وانسجام منظومته الثقافية بما ينسجم مع روحه كما انزله الله على نبيه محمد(ص).
وقد تساءل المرحوم الدكتور محمد سعيد ملا رمضان البوطي في بعض كتبه –ربما باطن الإثم: أليس الإسلام أكثر دلالة على مضمونه، فما الحاجة إلى تسميات أخرى كالتصوف أو غيره؟!
يبدو أن الأستاذ قدري النابلسي يؤيده، إذ أورد في مقدمته لكتاب (الصوفية والتصوف-عدنان حقي-ص3) ما يلي: “وان المسلم لا ينتسب إلا إلى الإسلام والإيمان والتوحيد ليس إلا”.
ويذكر الشيخ محمد كريم راجح (شيخ قراء الشام) في مقدمته للكتاب نفسه ص6:
“… ولن نكفر أحدا مهما كانت عبارته، ولعله تاب، ولكن نحكم على الكلام ولا نحكم على المتكلم، على أننا لو خيّرنا لاخترنا طريقة الوضوح، فهي طريقة القرآن، وجرينا وراء القول الظاهر البين الذي لا إبهام فيه فهي طريقة السنة …”.
ويذكر الأستاذ عدنان حقي نفسه ذلك بقوله في ص31:
“… إنما ندعو إلى هذا التصوف الذي عموده القرآن وأطنابه السنة النبوية الشريفة، وأوتاده سيرة الصحابة والتابعين، فمصطلح (الصوفية) لا يعدو هذا السبيل، إذا نظرنا إلى واقعه قبل أن يشوبه ما لم يكن فيه مما علق به من رسوم اتخذوها كسروية أو مظاهر هي أقرب إلى واقع الملوكية مما تصيدوا بها عواطف الرعاع والسذج بأساليب مبتدعة حرفوا بها هذا النهج السوي عن مسار الكتاب والسنة، وغير ذلك من مظاهر الانحراف”.
وكان للمرحوم الشيخ معشوق خزنوي مشروع تجديد شامل منه التالي –كما يرد في منشور يكيتي السالف الذكر-ص 30:
” 4-الحوار السلفي الصوفي: وهما شريحتان من أهل السنة مختلفتان تمام الاختلاف لأن كل واحد منهما لا يقرأ الآخر. ففي حين بركز السلفيون على الكتاب والسنة وتصحيح العقيدة ينسى الكثير منهم التربية والسلوك الذي يعنى به الصوفية وكذلك في حين تفرغ الصوفية للتربية والسلوك تجد أكثرهم يتعاطى الشركيات والبدع ويقف الفريقان على طرفي نقيض دون أن يحاول أحدهم أن يستفيد من الآخر، بينما الحياة اثبت أننا لسنا بحاجة إلى سلفية تلغي وتنطح، ولا إلى صوفية تشرك وتشطح ولكننا بحاجة إلى أن ننصح ولا نفضح”.
…………………..
• بدأت كتابة الموضوع كـ”ذكريات ” يبدو أنه طال فاصبح مقالة متعثرة لم تستوعب العناصر كفاية، ولم تبق ذكريات عامة قصيرة لكنها تبقى في إطار التذكير وتدوين تراث. وربما نلحقها بما يضيف عناصر تزيدها وضوحا.
________________________________________
[i] -اسمه ملا إسماعيل بن إلياس بن محمد-ولد في قرية ديركا جيايي مازي في تركيا الآن. عام 1903 –توفي في حادث سيارة عندما كان متجها إلى مدينة الرياض في المملكة السعودية وقد دفن في قرية القوية -200 كم عن الرياض/ 30 حزيران 1991.