الجولاني يكشف عورته

صبيحة خليل
و أخيراً قرر الجولاني أن يميط اللثام عن سحنته التي ظلت لسنوات عصية على الجمهور. في خطوة اعتبرها المعارضون المتعلقون بآمال الاعتدال ممتازة و تقوي ظهرهم في المفاوضات المعلقة و القائمة بآن واحد. هذا الاعتدال الظاهر اسمياً و الغائب فعلياً بفعل التطرف الإسلامي الذي لا يفتأ يطالب بإقامة الدولة الإسلامية على كامل التراب السوري.
منذ سنوات و تحاول المعارضة إقناع عزيزهم الجولاني بفك ارتباط جبهته (النصرة) عن القاعدة و ظلوا يحمون ظهر الجبهة في كل لقاءاتهم مع مسؤولي الغرب و كل أصحاب الشأن في الملف السوري. و لا ننسى الاحتجاج الشهير للائتلاف الوطني المعارض حين وضعتهم أمريكا على قائمة الإرهاب. هذا الاحتجاج الذي كان وراء تدهور علاقات الائتلاف مع معظم أصدقاء الشعب السوري. الأصدقاء الذين تقلصت دائرتهم التي كانت تتجاوز المئة لتنحصر ببضع دول مترددة في دعمها للمعارضة.
و الآن و قد حصلت المعجزة و خرج الجولاني للإعلام مكشوف الوجه و بجانبه أنكر و مناكير أقل ما يمكن أن يقال عنهما أن سحنتهما أشد غرابة و لؤماً من الظواهري ذاته، و الذي يبدو أقل عدوانية بكثير بالمقارنة ممن ظهروا في فيديو الانفكاك للجولاني.
بدا الجولاني كمن يظهر الارتباط أكثر من الفكاك،  شكر الظواهري و عد بقيام الدولة الإسلامية و أكد على مبدأ (الشورى). فهل الشورى هي مطلب مبرري النصرة أقصد المعارضة السورية، إذن أين يصرف مصطلح الديمقراطية ؟! و الدولة المدنية !؟ 
لم يفت الجولاني أن يشيد بأسامة بن لادن و حكمته و أقواله في إدارة مصلحة الأمة و الدولة و الجماعة و الأشخاص. فالفتى مازال قاعدياً سيامياً أكثر من أي وقت مضى مع تنظيمه الأم التي أرضعته التطرف و التشدد من كهوف تورابورا و قندهار و فياً بالقدر نفسه لصدر المرضع بن لادن.
و يبدو الأمر أشد وضوحاً حين يسوق أهدافه و أهداف فتحه الجديد على إقامة دين الله عز و جل و تحكيم شرعه، رص صفوف المجاهدين و حماية الجهاد الشامي، و السعي لخدمة المسلمين و الوقوف على شؤونهم و أحوالهم. فالرجل واضح جداً في طرح نفسه في اللوك الجديد. ذات الأهداف التي سعي إليها تحت مسمى النصرة. ليس ثمة إشارة و لو ضمنية إلى المعارضة التي انتظرت طويلاً ولادة طفلها المعاق المشوه الجديد.
و لطالما سعت المعارضة أن يكون هذا التغيير بإشرافها و أن يسمح الجولاني لهم ترك بصمتهم الخفيفة على هذه العملية التي تستدعي الكثير من الطلاء لإخفاء رتوش القاعدة و محوها من ذاكرة الجسم الوليد. لكن الفتى أبى إلا أن يستخدم طلاء الظواهري بتعتيق لادني صرف غير عابئ بالمعارضة التي تستصرخه منذ سنوات.
ما إن بان وجه القمر (الجولاني) على شاشات التلفزة يعلن التغيير. التغيير الذي امتاز فقط بوجهه الغير منقب، أما خطاب التغيير نفسه الذي من المفترض أن يشير و لو قليلاً لحماته في المحافل الدولية (المعارضة) المتمثلة بالائتلاف فلم يظهر قط. و لكن و رغم أن الرجل لم يتغير فكرياً و سلوكياً، سارعت المعارضة على لسان الهيئة العليا للمفاوضات بمباركة الخطوة و دق طبول الفرح المازوخية لفتى القاعدة العتيد.
رغم يقيننا أن معظم أعضائها سيكونون في عداد القتلى لو أنهم وطئوا مملكة الجولاني المحررة. و بالطبع لن يشفع لهم كل دفاعاتهم في تبييض صفحته أمام المحافل الدولية. فالمقاييس الجولانية القاعدية معروفة و ما زالت غير قابلة للتفاوض. فالديمقراطية شرك و المشركون محلل دمهم و ما على عتاة المعارضين سوى التبدل. أولم يتبدل الفاتح الجولاني نفسه و كشف عن عورة وجهه!؟  لو أرادوا متابعة التسريج على خيل الجولاني لا أعتقد أن المطلب الديمقراطي سيناسب الوليد المتغير المتحول في قوارير القاعدة. و لكن من أجل التسويق المحلي.
إذن الكرة في مرمى المعارضة التي لا تريد أن تدرك بأن “العطار لا يصلح ما أفسده الدهر”  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…