الإعلام والاهتمام

محمد قاسم ” ابن الجزيرة “
لا يخفى على أي إنسان يملك الحد الأدنى من قوة التفكير (العقل) أن الحاجات البشرية متنوعة ومختلفة الشدة، وان العلاقات البشرية معقدة بناء على ذلك، وان إدراك ذلك بفهم كاف (وعي) يتطلب عوامل أساسية كالمعرفة والذكاء والاهتمام (والانتباه) والخبرة … لذا يتصدى الإنسان منذ فجر الوجود البشري، للقضايا الإشكالية أو الغامضة أو ما اعتبر أسرارا… أناس وصفوا بالفلاسفة والعلماء والخبراء…الخ. وهي تسميات تشير إلى تميزهم بالقدرة على تأمل الحياة وما فيها، والقدرة على كشف الخفايا فيها، خاصة ما يتعلق بالإنسان وعلاقاته الأعقد بسبب تميزه بالتفكير والحرية والإرادة… وقد أفرزت الجهود البشرية مجموعة كبيرة من الأنشطة سميت بحسب طبيعتها أو غاياتها أو مناهجها … 
وهي عموما بحوث فلسفية أنتجت مذاهب غزيرة ومختلفة، ودراسات علمية، واتجاهات في البحوث والدراسات فرضت التخصص، لأن الشخصية الواحدة لم تعد تستطيع الإحاطة بالمعارف والعلوم التي اكتُشفت، كما كان في عصر كان الإنسان فيه موسوعيا يلم بمعارف (وعلوم) عصره كما كان في المرحلة الإغريقية مثلا (سقراط-أفلاطون-أرسطو… والذين سبقوهم أو تابعوهم) والمرحلة الإسلامية وباقي مناطق التقدم الثقافي(الفلسقة). من وسائل أو مناهج تتبع لرصد أو تفعيل النشاط البشري أو ضبطه …ما عرف بالصحافة، ثم ارتقى إلى إعلام يجمع بين كل وسائل النشر والتواصل الورقية والإلكترونية والبث التلفزيوني والأفلام …الخ. في العالم المتقدم-وهو غربي أساسا (أوروبا وأمريكا) حدثت التطورات كنتيجة لجهود أبنائه وتفاعلاتهم واكتشافاتهم المتدرجة، فهم هيمنوا منذ اللحظة الأولى على إدارة هذه الأنشطة وفعالياتها والأدوات المستخدمة فيها. وهي لا تزال طوع بنانهم على العموم. ولئن ساهم تقدم العلم في أن يصبح العلم متقدما على قدرة ضبط الإنتاج والإبداع (وهي مشكلة وتمثل خطورة يظل الفلاسفة ينبهون اليها) مما يخل بالتوازن بين فعالية الإنسان وقدرته على إدارة الإنتاج بأنواعه المختلفة. أما في البلدان المتخلفة التي هي تابعة للغرب في مجمل فعاليات شعوبها، فإنها مستوردة لكل شيء، ولا يتقن أبناؤها وعي تطور التقنية، ولا يملكون قدرة على تطويرها بمعزل عن مساعدة الغرب. مما جعلهم مقلدين رديئين غالبا. 
باختصار “مستهلكين”. وكلمة المستهلك تعني حالة الانفعال وانعدام الفعالية. في هذه اللمحة من المشهد نحاول الإشارة إلى دور الإعلام في التأثير على تكوين الرأي العام في العالم ككل، وفي كل بلد على حدة. فنتساءل: هل تابع بعضنا نهج الإعلام في النشر منذ الصحافة ونوع الأخبار وطبيعتها، والمواد الأخرى المنشورة تحت أي عنوان، فنون-ثقافة-تكنولوجيا …الخ. وهل حاول أحدنا أن يقارن بين ما يركز عليه الإنترنيت والتلفزيونات من نشر أو مقابلات أو صور… وخاصة ما كان تحت عنوان الفنون والموضة وعرض الأزياء … وحقوق الإنسان والمرأة …الخ. هل استطاع أحدنا أن يفهم المسار الأهم في نشاط الإعلام عموما؟ أسئلة كثيرة يمكن أن تطرح، خاصة وإن الإعلام هو الذي يؤثر على تشكيل أفكارنا ورؤانا ورؤيتنا ومواقفنا، بل وقراراتنا وسلوكنا … هل لاحظنا الاهتمام الأقل بالقضايا الثقافية التي تسهم في توعية البشر بحرية وفقا لما يعرض من شعارات وعناوين براقة…! يمكن لكل واحد أن يخصص جزءا قليلا من اهتمامه فيتابع وسائل الإعلام المختلفة ليفهم الأسلوب السائد في منهجه، ويستنتج الغاية من ذلك. وسيرى –غالبا أن المنهج الغالب فيها يصب في اتجاه مصادرة قدرة الشعوب المتخلفة على التفكير الحر والصائب، وقدرة الإنتاج والإبداع على مختلف الأصعدة لتبقى مجرد شعوب مستعبدة في ثوب حرية شكلية. ولم نذكر أسلوب الإثارة الجنسية بأشكال مختلفة، وما يستتبع ذلك من انجرار إلى فقد الإرادة تجاه هياج الغرائز، والدعاية لأشياء وسلع خلال ذلك…!
 ولم نشر إلى القنوات التي تستجر الشباب من الجنسين إلى مكالمات هاتفية تستنفد منهم المال وتخدر التفكير الفعال لديهم…! 
ولم نشر إلى الأزياء التي، لا فقط تفرض بيع إنتاجها، بل وأذواقها(ذائقتها) واتجاهات في التفكير والشعور والتعبير عن المشاعر…!
 ولم نشر إلى التمثيل والتوسل عبره لقلب الموازين في المفاهيم والقيم الثقافية في تجلياتها الفكرية والأخلاقية …ونشر –أو فرض-أساليب معينة خاصة فيما يتعلق بالمرأة وتصديرها على أنها حاجة أو رقي أو ماشابه…والإنسان يصبح عادة عبد ما يعتاد…!
 ولم نشر إلى تسليط الضوء وتكبير الصورة بالكاميرا كل الأجزاء الحساسة والمثيرة في المرأة والرجل وخلال عناقهما تمثيلا، أو خلال نومهما في فراش الزوجية المفترضة، وفي علاقات باسم الحب تستبيح كل شيء بأسلوب تمثيلي يتجاوز الواقع، ويبنى على دراسات نفسية لخلق الإثارة…! 
ولم نشر إلى أشياء لو ذكرت لكانت قائمة طويلة جدا تركناها للمهتمين لكي يتابعها ويكتشفها بنفسه ويقد درجة الخطورة فيها على الحياة البشرية والشعوب المتخلفة…! 
 ديرك 11/7/2016 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…