شكرا : سميرة المسالمة

صلاح بدرالدين
  في مقالتها الأخيرة ” في المسألة الكردية … ليس ردا على رد ” وضعت شريكتنا في المصير الوطني الكاتبة العربية المعارضة السيدة – سميرة المسالمة – نقاطا عديدة على الحروف بشجاعة نادرة وصراحة كاملة من دون رتوش حول موضوع كان ومازال محاطا بخطوط حمر أرادت له ذلك الأنظمة والحكومات المستبدة المتعاقبة على سدة الحكم في بلادنا واعتبرته مسألة غريبة – لاوطنية – والتي اعتبرها الصديق الراحل د جمال أتاسي ” قضية ليست وطنية فحسب بل عربية بامتياز ” بمعنى مسؤولية العرب في سوريا وخارجها ومن موقع الصداقة والعيش المشترك في ايجاد الحل السلمي الديموقراطي لها  .
 فبالاضافة الى نجاح الكاتبة فيما ذهبت اليه ” أن أثير النقاش بشأن المسألة الكردية المطموسة في سورية، سواء في خطابات النظام أو في خطابات المعارضة، وكتبت أنني سأحاول أن أتحدث من خارج الرؤى النمطية أو الصناديق المغلقة التي تعوّدنا عليها ..” فانها فعلا توسعت في تشخيص وتقييم الحالة الكردية السورية بصورة موضوعية وانفردت في وضع الاصبع على الجرح على الأقل في مرحلتنا الراهنة وما تحمل من مخاطر على مستقبل الوحدة الوطنية بين المكونات السورية وعلى النسيج الزاهي المتنوع في حقيقتنا السورية وعلاقة ذلك بمخططات نظام الاستبداد ومشروع ثورة التغيير وصولا الى سوريا جديدة متعددة تشاركية بل أن الكاتبة أثارت مسائل جوهرية كانت ومازالت محط خلاف واختلاف ليس في الساحة الوطنية فحسب بل بين صفوف الحركة القومية الكردية أيضا ومنها :
 أولا – اقرار السيدة المسالمة والاعتراف بوجود خلل في التعاطي مع القضية الكردية وكذلك التقصير في طرحها وخلافا لكل المفاهيم الخاطئة الرائجة منذ عقود بين أوساط النظام والمعارضة والتيار اليميني القومي الكردي الموالي تاريخيا للنظم السائدة فانها مع : ” حق الكرد المشروع، ليس في المواطنة وحسب، وإنما في تقرير المصير كجماعة قومية أيضاً، وأن ما أطلبه لي أو لشعبي أطلبه للكرد أيضاً، وللشعب الكردي ” أي الاعتراف الصريح بوجود شعب من السكان الأصليين يعيش على أرض الآباء والأجداد ضمن الوطن السوري وليس لاجئا أو متسللا ولم تشأ الخلط بين الحق القومي وحق المواطنة حيث يدأب البعض التهرب من استحقاقات الكرد القومية باللجوء الى مقولة الحل ( المواطني ) المثير للريبة والجدل .
 ثانيا – المسالة المهمة الثانية التي أثارتها الكاتبة والتي كما أشرنا سابقا بأنها مطروحة للنقاش الفكري – السياسي منذ أمد بعيد وحتى الآن داخل الوسط الكردي الثقافي وهي العلاقة بين الوطني والقومي في الحركة الكردية السورية ومدى حقيقة التوازن بين الانتمائين ( الكردي والسوري ) وتأثير ذلك على وحدة البلاد والمصير الكردي راهنا وفي المستقبلين القريب والبعيد وكل من يتابع الأدبيات السياسية الكردية سيلحظ القدر الكبير من الاهتمام بهذه القضية المفصلية في الحياة السياسية الكردية منذ ظهور حركة – خويبون – في ثلاثينات القرن الماضي مرورا بانبثاق الحزب الكردي المنظم الأول في أواسط الخمسينات وانتهاء بالكونفرانس الخامس كمحطة أساسية للتحولات الفكرية ووضوح الرؤا أواسط الستينات حيث تضمنت وثائقه اجابة مباشرة ومفصلة حول هذه المسألة بالذات . 
  هاتان المسألتان المفصليتان في فهم القضية الكردية السورية واللتان تصدت لهما السيدة المسالمة بموضوعية ومبدئية كانتا من ضمن قضايا الخلاف بين الجناحين : القومي الديموقراطي اليساري من جهة واليميني القومي من الجهة الأخرى منذ نشوء الحركة الكردية وتحديدا منذ حوالي نصف قرن وحتى الآن فالجناح اليساري كان يطرح مسلمة وجود شعب يتمتع بعلائمه القومية في اطار مبدأ حق تقرير المصير وحل قضيته سلميا في اطار سوريا الديموقراطية الواحدة حسب صيغة متوافق عليها وعبر التعاون والتفاهم مع القوى الوطنية السورية وليس عبر الأنظمة المستبدة ( وكنت كأحد قياديي اليسار قد نشرت حينها بحثا بعنوان : أقلية أم شعب ؟ ) وكان طرحه هذا يحظى برضا قلة من شركائنا أما الجناح اليميني فكان ينطلق من وجود أقلية كردية مهاجرة ليس لها أي حق قومي ويدعو الى التعاون مع السلطات الحاكمة وكان يحظى بدعم الأنظمة وتيارات قومية شوفينية مازالت بعض بقاياها متعشش في المعارضة .
 أما الثانية أو مسألة القومي والوطني فقد وقف عليها الجناح اليساري بكل مسؤولية ووضع لها الأسس النظرية على قاعدة ازدواجية الانتماء فمن جهة كرد سوريا جزء من أمة كردية تمتد الى العراق وتركيا وايران ومن جهة اخرى يشكلون واقعيا مكونا وطنيا سوريا وتصدى اليسار القومي الى مسألة ضرورة التوازن بين الجانبين وعدم الاخلال بقواعدهما وفي العصر الراهن وكما أرى فان السمة العامة لحل القضية الكردية تميل الى الحل الوطني الديموقراطي في كل جزء وليس الحل القومي الكردستاني دفعة واحدة وكنموذج أقرب فان فدرالية كردستان العراق جاءت كحل وطني عراقي بتوافق كردي عربي والكردي السوري يشعر في الوقت الراهن بأن مصيره مرتبط أكثر بشركائه العرب في الوطن وبالثورة وبالتغيير الديموقراطي أكثر من ارتباطه بحزب قومي مغامر خارجي مثل – ب ك ك – . 
 وأريد ان اختم تعقيبي هذا بالتأكيد على ماذهبت اليه السيدة سميرة المسالمة : ” “الأجدى أن نبحث عن تعميق المشترك فهذا هو الأفضل والأصوب ” .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

فرحان مرعي هل القضية الكردية قضية إنسانية عاطفية أم قضية سياسية؟ بعد أن (تنورز) العالم في نوروز هذا َالعام ٢٠٢٥م والذي كان بحقّ عاماً كردياً بامتياز. جميل أن نورد هنا أن نوروز قد أضيف إلى قائمة التراث الإنساني من قبل منظمة اليونسكو عام ٢٠١٠- مما يوحي تسويقه سياحياً – عالمياً فأصبح العالم يتكلم كوردي، كما أصبح الكرد ظاهرة عالمية وموضوع…

شيركوه كنعان عكيد تتميز سوريا كما يعرف الجميع بتنوعها القومي والديني وكذلك الطائفي، هذا التنوع الذي استطاعت السلطة البائدة أن تبقيه تحت السيطرة والتحكم لعقود طويلة في ظل سياسة طائفية غير معلنة، ورغم أن علاقة الدين بالدولة بقيت متشابكة، إلا أنها لم تصل إلى حد هيمنة العقلية الدينية أو الطائفية على مؤسسات الدولة بصورة صريحة. أدى ذلك الوضع تدريجيًا إلى…

علي جزيري نشرت جريدة قاسيون، في الخميس المصادف في 17 نيسان 2025 مقالاً تحت عنوان: “لماذا نحن ضد الفيدرالية؟” انتهج القائمون عليها سياسة الكيل بمكيالين البائسة بغية تسويق حجتهم تلك، فراحوا يبرّرون تارة الفيدرالية في بلدان تحت زعم اتساع مساحتها، ويستثنون سوريا لصغر مساحتها…! وتارة أخرى يدّعون أن سويسرا ذات (أنموذج تركيبي)، يليق بها ثوب الفيدرالية، أما سوريا فلا تناسبها…

صلاح عمر منذ أن خُطّت أولى مبادئ القانون الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، ترسخ في الوعي الإنساني أن الشعوب لا تُقاس بعددها ولا بحدودها، بل بكرامتها وحقها في تقرير مصيرها. ومنذ ذلك الحين، أُقرّ أن لكل شعب الحق في أن يختار شكله السياسي، وأن ينظّم حياته وفق هويته وتاريخه وثقافته. هذا المبدأ لم يُولد من رحم القوة، بل من عمق…