فدوى كيلاني
السؤال جدير بالطرح، كما أنه يعتبر من أهم الأسئلة الإشكالية التي يجب ألا نقفز من فوقها، بل أن نوليها الاهتمام المناسب. فالسياسي الكوردي له جبهته. والعامة الكورد انقسموا. وكان لهؤلاء الحق على المثقف أن يريهم من خلال منظوره تصورات عن الواقع والمستقبل من دون أية مساومة لكن للأسف الشديد فإن غالبية المثقفين الكورد لم يؤدوا الدور المطلوب منهم على ما يرام.
المجتمع الكوردي الذي وجد نفسه أمام مرحلة جديدة وهو يعيش فوق تراب وطنه غريباً كان عليه أن يبدي رأيه في كل ما يجري حوله، فالنظام دكتاتوري دموي وله تجربته معه قبل انتفاضة 12 آذار2004 و خلال فترة الانتفاضة العصيبة علينا جميعا وهكذا بعد الانتفاضة أيضا ً.
لقد تم تأثير واقع الفرقة على هذا المجتمع وصار ممزقاً بحكم تناقض المشاريع السياسية المفروضة عليه، ليس من جهة النظام الذي حكمه عقودا بالحديد وبالنار بل ومن قبل من يفترض أنهم يمثلونه، بعد فقدان البوصلة واعتبار المصلحة الحزبية أو المصلحة الما قبل حزبية هي الأعلى على حساب مصالحه القومية وعلى حساب مصلحة وجوده.
عندما نقرأ تجارب شعوب الغرب في فترات الحروب والمحن التي تتعرض طريقه نرى أن للمثقفين من أبناء تلك الشعوب أدوارهم الكبيرة في خدمة ذويهم وهناك أسماء فلاسفة ومفكرين وباحثين وصحفيين وفنانين وروائيين وشعراء وأكاديميين استطاعوا أن يشخصوا الداء ويوجدوا الدواء وكانت كلمة هؤلاء مسموعة من قبل شعوبهم . إلا أننا نرى عندنا العكس فإن هؤلاء النخب الثقافية تحولوا إلى أطراف بعيدة عن وظيفتهم الثقافية وذلك نظراً لانطلاق الكثير منهم من عامل المصلحة الذاتية التي يفضلونها على المصلحة العامة. هذا بالضبط ما جعل المثقف يفقد تأثيره واحترامه على الغالب.
هؤلاء الذين لم يؤدوا الدور الملقى على عاتقهم أو الذين تجردوا من هذا الدور وقبلوا بأن يكونوا إلى جانب السياسي يبررون أخطاءه حتى وإن كانت جريمة أو مجزرة فقدوا هيبتهم الشخصية وحولهم البعض من المشتغلين في الحقل الحزبي إلى أداة بيده في وجه المثقفين الذين يعملون بوعي في خدمة شعبنا ومنهم من نزل إلى مستوى متدن من خلال استخدام لغة السياسي المبتذلة للإساءة إلى مثيله، وهذا ما يفعله المختلف معه بالمقابل. وصار السياسي يتصرف بملء حريته متخلصاَ من وجود الرقيب الذي يشير إلى أخطائه وإخفاقاته.
أعتقد أن رابطة الكتاب والصحفيين الكورد التي تصرفت بشكل مبدئي وسليم مع بداية الثورة السورية التي أفرغها اللصوص والتجار المرتزقة من محتواها وغدت الآن مهمشة لأن الذين قادوها في المجلس الوطني السوري ومن ثم الائتلاف لم يكونوا مؤمنين إلا بمصالحهم ودون أي استثناء وأقصد الذين استمروا حتى الآن وهم ينهشون من جسد البلد والشعب وصاروا تجار حرب.
المهم أن الرابطة منذ ما قبل بداية الثورة بأشهر ومنذ بدايتها وضعت برامجها العامة ودعت إلى وحدة الصف الكوردي ووقفت مع الثورة عندما كانت ثورة ونقدتها عندما صارت تسرق كما نقدت كل من يخطأ في الحركة الكوردية وكانت قد دعت لعقد مؤتمر كوردي ومؤتمر للكتاب لكن وجدنا أن سكرتير الحزب الفلاني وقف بقوة ضد المؤتمر العام الذي دعت إليه. وأن آخرين عملوا على تمزيق الرابطة ودفع البعض لتشكيل هيئات الغرض منها تمزيق صف الكتاب ليكون ذلك متماشياً مع التمزيق المجتمعي الذي يجري وليفقد الكاتب قوة تأثيره على الشارع الكوردي وهكذا فإننا خسرنا الدور الرقابي التنويري للكاتب.
إن أي باحث يريد أن يعرف دور المثقف الكوري خلال السنوات الماضية فإن عليه ليكون منصفا أن يتابع مواقف كتاب الرابطة وبياناتهم التي انطلقت من صميم مصلحة شعبنا حتى وإن استاء منها هذا الطرف أو الآخر. والاستياء يكون بقدر ارتكابهما للأخطاء. ويجب ألا نرى ببراءة إلى تشكيل كيانات متنافرة لحملة الأقلام لا يوجد أي خلاف جوهري بينهم إلا من أجل تمثيلهم.
بعد خمس سنوات مما سميناها بالثورة السورية وصارت الآن وسيلة ثروة للصوص في مفاصل المعارضة نرى بأن واقع كتابنا الكورد أصبح غير مرضي عنه فأسباب الشقاق تعمقت ولا نجد أية استجابة لأية نداءات لوحدة صفهم وهذا دليل على أن الشرخ تعمق وسنفهم الأمر كما هو بالضبط عندما نعلم أن السياسي أفرغ الثقافي من جدواه ودوره وصار مجرد متابع سلبي لما يجري وقد يتحدث شفهيا عن امتعاضه من الواقع دون أن يتجرأ على رفع صوته إلا ضمن الحد المسموح له به.
عندما أكرر السؤال المطروح بالأصل: المثقف الكوردي إلى أين، فليس غايتي إلا تشخيص ما وصل إليه من حال مزرية محاولة أن أجعل من هذا الطرح الجديد دافعا لكسراية موانع بين المثقفين للتواصل و التحاور والعمل ضمن حالة اتحادية تحفظ للجميع حقوقهم وتؤمن لصوتهم احترامه وتقديره وسط هذه المعمعة وإلا فإن التاريخ لن يرحمنا.
** الكلمة الافتتاحية لجريدة بينوسانو العدد55″