نحو تعزيز التواصل مع الوسط الوطني الديمقـراطي السـوري

افتتاحية صوت الأكراد *

منذ أن تأسست الحركة الوطنية الكردية في سوريا  في الرابع عشر من حزيران عام 1957 ، انتهجت سياسة موضوعية ، تجلت في طرح شعارات وطنية تهدف إلى تعزيز الوحدة الوطنية، والى تمتين أواصر الاخوة العربية الكردية ، واعتبرت الشعب الكردي في سوريا جزءً أساسياً من النسيج الوطني السوري

 

وبالتالي فان حركته الوطنية الكردية هي جزء من الحركة الوطنية العامة في البلاد ، وبينت بوضوح في برامجها السياسية حقيقة مطالب الشعب الكردي في سوريا وحقوقه القومية والديمقراطية ، وطالبت برؤية واقعية ، إيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية في سوريا ، في ظل نظام ديمقراطي ينتفي فيه الظلم والاستبداد وكافة أشكال التمييز العنصري.
وكان لا بد من السير بخطى ثابتة نحو التواصل والتفاعل مع الوسط الوطني الديمقراطي السوري ، الذي لا غنى عنه ، بغية التوصل إلى إيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية، وقد بدأ هذا التواصل في البداية مع النخب الوطنية السياسية والفعاليات المجتمعية ، لوضعها في الصورة الحقيقية لمعاناة الشعب الكردي وقضيته القومية.

غير أن جهود التواصل لم تثمر بالشكل المطلوب في المراحل الأولى وذلك بسبب ضعف المرتكزات الديمقراطية في الشارع السوري ، وكذلك المواقف السلبية للحكومات التي تعاقبت على سدة الحكم التي تجاهلت وجود الشعب الكردي في سوريا ومشروعية حركته الوطنية ، وحقوقه القومية ، ولعبت دوراً تضليلياً في تشويه الصورة الحقيقية للشعب الكردي وحركته السياسية في محاولة يائسة منها لعزلهما عن الوسط الوطني الديمقراطي السوري .
و بعد تأسيس التحالف الديمقراطي الكردي في سوريا عام 1992 تابع مسيرة التواصل مع القوى والفعاليات الوطنية الديمقراطية من خلال اللقاءات و الحوارات معها ، إلى أن وصلت هذه العلاقة إلى تفهم مع هذه القوى لمعاناة الشعب الكردي ، التي اعتبرت إلغاء الإحصاء ونتائجه مسألة وطنية تهم جميع أبناء الشعب السوري وليس الكرد وحدهم .
وفي مطلع الألفية الثالثة ازدادت وتيرة التواصل بعد تأسيس الهيئة العامة للتحالف والجبهة الكرديتين وحضور ممثليها في المنتديات والندوات واللقاءات والاجتماعات المشتركة مع النخب الوطنية السورية، وفي عقد الطاولات المستديرة حول القضية الكردية في سوريا ، والبحث عن سبل وآليات حلها ، الأمر الذي اخرج القضية الكردية عن عزلتها لتأخذ مكانها في جدول أعمال القوى السياسية الديمقراطية السورية .
و تمكنت الغالبية العظمى من فصائل الحركة الوطنية الكردية في سوريا من تنظيم علاقة التنسيق والتعاون بينها وبين القوى والفعاليات الوطنية خارج إطار السلطة ، وبعد اشتراك تلك القوى مع فصائل الحركة الكردية في عدة تجمعات واعتصامات في دمشق بمناسبات قومية ووطنية عامة ، توصل الجانبان ( الكردي – الوطني السوري ) إلى توقيع وثيقة مشتركة تتضمن تأسيس ( لجنة التنسيق الوطني للدفاع عن الحريات السياسية وحقوق الإنسان ) ، وكانت الدعوة إلى إيجاد الحل الديمقراطي للقضية الكردية في سوريا من بين التوافقات التي أجمعت عليها قوى التنسيق بشكل موثق ولأول مرة في تاريخ الحركة الوطنية الكردية ، فضلاً عن أن حزب البعث العربي الاشتراكي الذي كان يعتبر الحركة الوطنية الكردية في سوريا ( حركة معادية ) ، عدل موقفه منها واعتبرها حركة وطنية ، وبذلك تحسن صورة الشعب الكردي لدى الوسط الوطني السوري الذي لم يسمع عنه عبر قنوات الدولة الرسمية على مدى العقود الماضية إلا بكونه ( انفصالياً وخطراً على أمن الدولة ….

) ، كما ساهمت بعض الفضائيات والقنوات الإعلامية العربية والكردية في عرض العلاقة التاريخية بين الشعبين العربي والكردي ، وشرحها بشكل إيجابي ، إلى جانب تطور الظروف والأحداث في المرحلة السياسية الراهنة وخاصة أحداث الثاني عشر من آذار الدامية عام 2004 ، ساهمت في إخراج القضية الكردية من طي الكتمان ، وأخذت طريقها إلى ساحات العالم ، ودعمت التوجه الذي يعزز من طرح القضية الكردية في إطارها الوطني والبحث عن الحلول المناسبة لها في إطار وحدة البلاد .
وبسبب المخاطر المحدقة ببلادنا وهشاشة الوضع الداخلي الناتج عن الممارسات السلبية للسلطة ، والتي لم تبادر إلى حل القضايا الوطنية العالقة ، وعدم لجوئها إلى الانفتاح على القوى السياسية الديمقراطية ، لإخراج البلاد من المأزق الحاد الذي تمر به ، فقد وجدت الحركة السياسية الوطنية خارج السلطة أن من واجبها أن تنادي إلى الحوار الوطني الديمقراطي الجاد لتأمين برنامج سياسي يوحد طاقات الشعب السوري ، في مواجهة الوضع المتأزم ، فكان ( إعلان دمشق ) الذي جاء بعد سلسلة من اللقاءات والحوارات ، وتمكنت هذه القوى من التوصل إلى وثيقة في هذه المرحلة الهامة والحساسة من تاريخ سوريا من أجل التغيير الديمقراطي السلمي ، وتتميز هذه الوثيقة ، بعدم استبعاد أي طرف وطني سواء أكان داخل السلطة أو خارجها، والدعوة إلى عقد مؤتمر وطني شامل، بهدف التوصل إلى إقامة نظام ديمقراطي، مبنياً على التوافقات، وقائما على الحوار والاعتراف بالآخر ، بغية إيجاد الحلول الديمقراطية العادلة لكافة القضايا والمشاكل العالقة في البلاد ، ومنها الحل الديمقراطي للقضية الكردية في إطار وحدة البلاد .
وفي الختام ، نقول أن بقدر تفعيل التواصل وبناء جسور الثقة والتفاهم مع الوسط الوطني الديمقراطي السوري ، والمساهمة الفعالة في التغيير الوطني الديمقراطي السلمي ، وبقدر توحيد الصف الكردي وتجميع طاقات الحركة الوطنية الكردية وتوحيد خطابها السياسي الواقعي ، وتحديد أهدافها من خلال المؤتمر الوطني الكردي المزمع عقده ، والممارسات السلمية الديمقراطية ، ستتمكن الحركة الوطنية الكردية من بلوغ أمانيها وطموحاتها وأهدافها ، وستتوصل إلى إيجاد أفضل حل ديمقراطي عادل لقضية الشعب الكردي في سوريا ، وتأمين حقوقه القومية والديمقراطية في إطار وحدة البلاد .

* لسان حال اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا ( البارتي ) / العدد (391) أيار 2007م

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين   في السنوات الأخيرة، يتصاعد خطاب في أوساط بعض المثقفين والنشطاء الكرد في سوريا يدعو إلى تجاوز الأحزاب الكردية التقليدية، بل والمطالبة بإنهاء دورها نهائياً، وفسح المجال لمنظمات المجتمع المدني لإدارة المجتمع وتمثيله. قد تبدو هذه الدعوات جذابة في ظاهرها، خاصة في ظل التراجع الواضح في أداء معظم الأحزاب، والانقسامات التي أنهكت الحركة الكردية، لكنها في عمقها…

عدنان بدرالدين   بينما تتجه الأنظار اليوم نحو أنطاليا لمتابعة مجريات المنتدى الدبلوماسي السنوي الذي تنظمه تركيا، حيث يجتمع قادة دول ووزراء خارجية وخبراء وأكاديميون تحت شعار ” التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم”، يتبادر إلى الذهن تساؤل أساسي: ما الذي تسعى إليه أنقرة من تنظيم هذا اللقاء، وهي ذاتها طرف فاعل في العديد من التوترات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية، خصوصًا…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا المليء بالتحديات الجيوسياسية والأزمات التي تتسارع كالأمواج، هناك قضية كبرى قد تكون أكثر إلهاما من مسرحية هزلية، وهي “ضياع السيادة”، حيث يمكن تلخيص الأخبار اليومية لهذا العالم بجملة واحدة “حدث ما لم نتوقعه، ولكنه تكرّر”، ليقف مفهوم السيادة كضحية مدهوشة في مسرح جريمة لا أحد يريد التحقيق فيه، فهل نحن أمام قضية سياسية؟ أم…

أمجد عثمان   التقيت بالعديد من أبناء الطائفة العلوية خلال عملي السياسي، فعرفتهم عن قرب، اتفقت معهم كما اختلفت، وكان ما يجمع بينهم قناعة راسخة بوحدة سوريا، وحدة لا تقبل الفدرلة، في خيالهم السياسي، فكانت الفدرالية تبدو لبعضهم فكرة دخيلة، واللامركزية خيانة خفية، كان إيمانهم العميق بمركزية الدولة وتماهيها مع السيادة، وفاءً لما نتصوره وطنًا متماسكًا، مكتمل السيادة، لا يقبل…