أصبح الكون قرية صغيرة، جملة تناولتها الإنسانية بكل ألونها في سبيل تعريف الثورة الإلكترونية التي باتت تغزو العالم من جميع أقطابه، وتناولت البشرية هذا الاختراع الفريد للتواصل مع بعضها البعض محطمين كل جدران الممنوع، ومخترقي كافة الحدود التي فرضها الإنسان على هذه البسيطة فتحول العالم إلى بيت صغير يمكن لأي شخص التجوال في كل مناحيه دون أن يتحرك من مكانه.
بيد أنه ظلت البشرية أسيرة حكومات بلدانها، وحجبت عنه كل التواصل، أو بعضه لما في ذلك من مصلحة أنظمة تلك البلدان، مغتصبين بذلك حريات البشر، وحاجبي العلم، والمعرفة عن شعوبها، وذلك بغية وأد أفكارهم، وأحلامهم في باطن مصالحها الشخصية، وحاولت وتحاول على الدوام منع البشر من ممارسة حقهم وممارسة حرياتهم في التواصل، ونقل المعلومة، ومتابعتها فخلقت أنظمة مراقبة تأسر تلك الحريات، وتغتال الحقوق المشروعة لهم.
رقابة فرضتها أنظمة تخشى من مواطنيها معرفة الحقيقة الكاملة، أو على الأقل الصورة المعاكسة لما يصدرها إعلامها الرسمي فلجأت إلى قتل المعلومة عن طريق حجبها عن بقية شرائح المجتمع، وخلقت أنظمة مراقبة دقيقة، وفعالة في مواجهة هذا المد الهائل من المعلومات، وسيول المعرفة التي ستعمل على الإطاحة بتلك الرقابة، ودفنها في مقابر الفساد التي تملئ تلك البلدان.
سوريا من الدول التي دخلت العالم الإلكتروني، والشبكة العنكبوتية الإلكترونية، وتأسست فيها مؤسسة رسمية باسم الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية، وقدمت خدمة الإنترنيت إلى مواطنيها، وما تزال بأسعار هي أغلى ما في دول الجوار إن لم يكن في الكون بأسره، وبخدمة هي أردئ من كل الرداءة، وحجبت العديد من الميزات الإلكترونية المجانية، والتي تقدمها مؤسسات، وشركات عالمية مثل الاتصال بالصوت، والصورة، وذلك بحجب ميزة ريال آي بي، وبيعها بمبالغ كبيرة رغم أنها مقدمة مجاناً، ناهيك عن حجب خدمات البريد الإلكتروني المقدمة بشكل مجاني كالهوتميل والياهو، ولكنها أفرجت عنهما مؤخراً إلا أنها زادت رقابتها في السنوات الأخيرة عن طريق حجب الملايين من المدونات الشخصية، والمئات من المواقع الإلكترونية، والخاصة بالمعارضة السورية، والعشرات من المواقع الكردية السياسية منها، والثقافية ولم تحجب المواقع الجنسية، ولجأت إلى كافة الأساليب للحد من ظاهرة كسر البروكسي التي ابتكرها العشرات من المبرمجين السوريين، وغيرهم لإمكانية فتح تلك المواقع، أو الخدمات عن طريق تحطيم حواجز المنع المفروضة من قبل الرقابة الإلكترونية السورية.
إن منظمة Article19 صنفت سوريا ضمن الأنظمة العشرة الأكثر عداءاً للإنترنيت، وتقيداً لاستخدامها.
كما أن تونس، وسوريا صنفتا من ضمن الدول العربية الأكثر رقابة للإنترنت حيث خلصت دراسة حديثة إلى أن /25/ دولة على الأٌقل، عبر مختلف أنحاء العالم، تقوم بفرض رقابة على محتويات الانترنت لأسباب سياسية، واقتصادية، واجتماعية.
وقالت أسوشيتد برس إنه تم القيام بهذه الدراسة من قبل منظمة تطلق على نفسها اسم بادرة Open Net التي تضم أخصائيين كنديين، وأمريكيين، وبريطانيين.
كما وضعت المجموعة هدفا لها تحديد وتوثيق تطبيقات المراقبة على الانترنت، وإعلام الرأي العام الدولي بها.
ووفقاً للمنظمة فإنه من الممكن أن يكون عدد الدول التي تمارس هذه الأساليب أكثر من ال/25/ التي أشار إليها التقرير.
غير أن الأخصائيين الذين ينتمون لجامعتي أوكسفورد، وكامبريدج البريطانيتين، وهارفارد الأمريكية، وتورنتو الكندية، شددوا على أنه لم يكن لديهم لا الوقت، ولا الموارد الضرورية لدراسة أكثر من /40/ دولة.
كما أن كلاً من إيران، وسلطنة عمان، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، والسودان، وتونس، واليمن، تفرض حدوداً صارمة على المواقع ذات البعد الاجتماعي لاسيما من خلال منع المواقع الإباحية، والألعاب، ومواقع المثليين، والسحاقيات، وفي كوريا الجنوبية يتم فرض رقابة على المعلومات المتعلقة بكوريا الشمالية، وقال الأخصائيون إنهم لم يلاحظوا قيوداً في روسيا، وإسرائيل، والأراضي الفلسطينية، وذلك في دراستهم التي لم تشمل أوروبا الغربية، وأمريكا الشمالية، وكوريا الشمالية، وكوبا.
كما أن تقريراً صدر عن المركز السوري للإعلام وحرية التعبير الذي يترأسه الصحفي مازن درويش، يقول إن إعلام سوريا الإلكتروني تراجع بسبب الحكومة حيث أن حملة شنتها الحكومة على الإعلام الإلكتروني حدت من استقلالية مواقع الانترنت، وتطور قطاع جذب الكثير من الصحفيين السوريين الشباب كبديل عن الصحافة التي تسيطر عليها الدولة.
وجاء في التقرير إن العام /2006/ لم يغادرنا قبل أن يقرع ناقوس الخطر لجهة المجزرة التي ارتكبت بحق الانترنت حيث يمكن الجزم بأنه كان العام الأسوأ منذ دخول الانترنت إلى سوريا، وأوضح أن الحكومة زادت من اهتمامها من مواقع الالكترونية للصحف، والأجهزة الرسمية، وإن السلطات حجبت العام الماضي /31/ موقعاً على الأقل بالإضافة إلى عشرات الآلاف من المدونات الالكترونية السورية، وأشار إلى أن عدداً من الناشرين على الانترنت قد زجوا في السجن منهم محمد غانم مدير موقع سوريين المستقل الذي سجن لعدة أشهر.
كما دعا إلى إعادة النظر في هيكلية الإعلام في سوريا ورفع القيود التي حدت من نمو الإعلام الالكتروني، وأكد أن الحكومة تحاول إغلاق هذا المجال تماماً، وإقصاء هذه الشريحة المهمة من الكتاب، والمفكرين السوريين الذي يستخدمون الانترنت، وإن المشكلة هي في بنية العمل الصحفي كلها من قوانين، وتشريعات، وسيطرة الحكومة على وسائل الإعلام.
إن استمرار فرض القيود الصارمة على حرية التعبير والصحافة، واعتقال العشرات من الكتاب، والصحفيين على خلفية كتاباتهم، أو استخدامهم للإنترنت كوسيلة للتواصل، والمعرفة أدت إلى توجيه التهم، ومحاكمة نشطاء، وسياسيين سوريين، واتهامهم بامتلاك مواقع إلكترونية، وهي بعيدة كل البعد عن ذلك، ويبين مدى سذاجة المراقبين على تلك المواقع حيث اتهم المحامي، والناشط الكردي صبري ميرزا بامتلاك موقع أخبار الشرق رغم أنه كردي إيزيدي، والموقع يعود إلى جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في البلاد.
كما تم فك الحجب عن المواقع المحظورة لعدة ساعات بسبب خطأ تقني لأحد المراقبين على أجهزة الرقابة الأمر الذي أدى إلى فتح تلك المواقع من دون أية مشاكل، ولكن سرعان ما عادت الأمور إلى سابق عهدها.
وأجرمت محكمة أمن الدولة العليا في سوريا مواطناً لأنه قرأ نشرة أخبار الشرق، ووزع بعض أخبارها عبر البريد الإلكتروني، وحكمت عليه بالسجن ثلاث سنوات، وهو عبد الرحمن الشاغوري بجنحة نشر أخبار كاذبة، وللأسباب المخففة التقديرية خفضت العقوبة إلى سنتين ونصف السنة.
حيث تعتبر أخبار الشرق أول صحيفة إلكترونية يومية سورية غير حكومية على الإنترنت، تجتذب اليوم أكثر من 100 ألف قارئ شهرياً، وتعرضت الصحيفة للتقييد في سوريا، بحظر موقعها أولاً في مطلع عام /2003/ ثم بمنع وصول أخبارها عبر البريد الإلكتروني إلى القراء في سوريا في أيار /2004/ ولكن آلاف القراء في سوريا يتجاوزون الحظر يومياً لقراءة الأخبار.
بالإضافة إلى حجب معظم مواقع الويب التابعة لجمعيات، ولجان حقوق الإنسان في سوريا إضافة إلى معظم المواقع الكردية، وخاصة بعد أحداث قامشلو الدامية.
كما تمنع الحكومة السورية الترخيص لأية مطبوعات صحفية، أو جرائد، ومجلات، وتقتصر الصحافة الرسمية السورية على ثلاثة جرائد حكومية هي تشرين، والثورة، والبعث.
بالإضافة إلى مواقع رسمية على شبكة الإنترنيت.
وأشارت منظمة العفو الدولية في تقريرها عن سوريا لعام /2007/ أن الكاتب محمد غانم قد أُوقف عن العمل في مديرية التربية في محافظة الرقة، وذلك عقب الإفراج عنه، في سبتمبر/أيلول، بعد أن أمضى مدة الحكم الصادر ضده من المحكمة العسكرية بالسجن ستة أشهر بتهمة ذم رئيس الجمهورية، والنيل من هيبة الدولة وإثارة النعرات المذهبية.
كما أشار التقرير إلى حجب عشرات المواقع الإخبارية السورية على شبكة الإنترنت خلال عام /2006/ ومن بينها:www.syriaview.net, www.thisissyria.net, www.kurdroj.com, www.shril.info www.arraee.com.
في حين أشار بيان “من أجل صحافة حرة وصحفيين أحرار” الصادر عن لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سوريا إلى أنه تقوم “الجمعية السورية للمعلوماتية” و”المؤسسة العامة للاتصالات” في سوريا بالتحكم بشبكة الإنترنت، وتضم قائمتها السوداء عشرات الآلاف من المواقع الإلكترونية الإخبارية، والإنسانية وسواها، وخصوصاً تلك التي تكون سوريا في دائرة اهتمامها, وقد تم حجب العديد من المواقع الالكترونية على شبكة النيت مثل موقع أخبار الشرق، وموقع إيلاف، وموقع الرأي، والحوار المتمدن، و في تشرين الأول /2006/ تم حجب خدمة المدونات المجانية التي يمنحها موقع غوغل العالمي BlogSpot, والموقع الإعلامي المستقل المشهد السوري، إضافة إلى العديد من المواقع الكردية السورية.
واعتبر بيان اللجان أن سياسة الحجب للمواقع الالكترونية تتم فقط لأسباب سياسية, وتواكبت مع اعتقالات لبعض المواطنين يمارسون حقهم في الإدلاء بآرائهم بالقضايا العامة عبر شبكة الإنترنيت نظراً لعدم تمكنهم من التعبير عنها بشكل مباشر, فقد تم اعتقال العديد من المواطنين على خلفية ما يسمى ثرثرة الانترنيت, والذين لا ينتمون إلى تيارات سياسية، وعادة لا يحال هؤلاء إلى محاكمات, أو إلى محاكم استثنائية, ويعتقلون لفترة تتراوح بين ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات, يقضونها في مراكز التوقيف المختلفة مع تعرضهم الدائم للمعاملة اللا إنسانية، والمهينة، واحتجازهم في ظروف سيئة جداً.
وفي هذا المجال تعتبر منظمات دولية مدافعة عن حرية الصحافة، أن السلطات السورية تعرقل، وتكبح حرية الإنترنت، لا بل أن منظمة Article19 ذهبت إلى حد تصنيف سوريا ضمن الأنظمة العشرة الأكثر عداءاً للإنترنيت وتقيداً لاستخدامها.
بل تلجأ إلى حجبها، وبيعها لمشتركي الإنترنيت بأثمان باهظة مما ينذر بنذير شؤم على مستقبل هذه التقنية العالمية التي بموجبها أصبح العالم قرية صغيرة، والتي باتت إحدى أهم الموارد الاقتصادية التي ترفد خزينة الدولة، وواحدة من أهم المؤسسات التي تخلق فرص عمل للكثير من الصحفيين المحظورين من العمل في مؤسسات الدولة، وقلة وجود المؤسسات الخاصة، في ظل عدم وجود قانون عصري للصحافة، وهي إحدى وسائل المعيشة التي يقتات عليها الآلاف من الأشخاص ناهيك عن دورها في تنمية الوعي الثقافي، والفكري لشريحة كبيرة من المواطنين، وخاصة المهتمين بهذا الجانب من الإعلام.