الكورد.. والانعطافات الكبرى

د. ولات .ح. محمد
أراد أردوغان أن يُجيّر ما حصل في المنطقة العربية منذ ست سنوات لمصلحته (الحزبية والشخصية خصوصا)، وهذا في السياسة أمر مفهوم. وفي سبيل ذلك قطع علاقاته مع مصر بعد انقلاب السيسي ولم يعترف بحكومته. وأسقط الطائرة الروسية ورفض الاعتذار بعد ذلك، وكانت علاقاته متأزمة مع إسرائيل بسبب حادثة سفينة مرمرة الشهيرة. إضافة إلى مواقف أخرى بدت في ظاهرها مبدئية لا حياد عنها مهما حصل، كخطوطه الحمراء المعروفة مثلاً.
   اليوم وبعد سنوات وشهور قام باستدارة قد لا تكون تامة ولكنها بلتأكيد انعطافة كبرى ستغير اتجاه السياسة التركية في المرحلة القادمة بدرجة كبيرة.
– قام بالاعتذار لروسيا وسيدفع لها التعويضات، واتصل بأسرة الطيار الروسي المقتول. 
– فتح قنوات اتصال مع القاهرة لإعادة العلاقات بين الدولتين إلى طبيعتها.
– عقد اتفاق تسوية مع إسرائيل بشأن السفينة التركية وتعويضات ضحاياها ومساعدات إلى غزة..
– وهناك حديث عن قنوات اتصال مع دمشق. إضافة إلى سعيه لإيجاد نقاط مشتركة مع طهران للتنسيق معها وفي مقدمتها الملف الكوردي.
   طبعا ستكون هناك ضحايا لهذه الاتفاقات والتفاهمات، فكل طرف سيتنازل عن دعمه لبعض من حلفائه المزعجين للطرف الآخر.
   أردوغان فعل هذا عندما رأى أن الطريق الذي يسير فيه بات مسدوداً، وأنه لا جدوى من الإصرار على السير فيه، وعندما رأى أن أمنه القومي في خطر حقيقي بسبب القضية الكوردية تحديداً. ووجد أنه من الأفضل أن يتنازل لكل خصومه الخارجيين من أجل الحفاظ على داخله التركي. 
   ثمة أسئلة بلون كوردي تفرض نفسها في هذا السياق، منها مثلاً:
– هل سيقوم السياسي الكوردي بانعطافة كبرى أيضاً انسجاماً مع التحولات الحاصلة الآن؟، (انعطافة باتجاه داخله) أم سيبقى مصراً على صراطه المستقيم الذي لا يحيد عنه منذ ست سنوات على الرغم من التحولات التي تحدث بين الفينة والأخرى؟؟.
– هل سيقتنع الكوردي أن أمنه (القومي) ووحدة صفه أهم من كل التحالفات الحزبية الخاصة والمؤقتة التي قد تتغير في أي بازار سياسي؟؟؟.
– هل سيدرك الكوردي أن المصلحة الوطنية (القومية) يجب أن تكون في المقدمة، وأن المصلحة الحزبية يجب أن تُنحى جانباً إذا تعارضت معها؟. 
أم أن السياسي الكوردي يعرف كل هذا، وأنه يفعل ما يفعله عن وعي ودراية تامة بنتائج أعماله؟؟!!
إذا كان الجواب على السؤال الأخير بالإيجاب فتلك هي الطامة الكبرى التي لا منجاة منها.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

نبذة عن الكتاب: يسعدني أن أقدم لكم العمل البارز لصديقي العزيز، ريبرهبون، مؤلف كتاب ” نقد السياسة الكوردية (غربي كوردستان أولاً)”. هذا الكتاب هو استكشاف عميق للمشهد السياسي الكردي، يقدم نقداً ورؤية للمستقبل. إنه رحلة فكرية تمزج بين التحليل التاريخي والواقع الحالي، وتبحث في الحلول للتحديات التي يواجهها الشعب الكردي، خاصة في غربي كوردستان (روجافا). يقدم المؤلف تأملات صادقة في…

د. محمود عباس الزيارة المفاجئة التي قام بها أحمد الشرع، رئيس الحكومة السورية الانتقالية، إلى إسطنبول، لم تكن مجرد جولة مجاملة أو لقاء بروتوكولي، بل بدت أقرب إلى استدعاءٍ عاجل لتسلُّم التعليمات. ففي مدينة لم تعد تمثّل مجرد ثقلٍ إقليمي، بل باتت ممرًا جيوسياسيًا للرسائل الأميركية، ومحورًا لتشكيل الخارطة السورية الجديدة، كان الحضور أشبه بجلوس على طاولة مغلقة،…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا الإسلامي، لا شيء يُوحِّدنا كما تفعل الخلافات، فبينما تفشل جهود الوحدة السياسية والاقتصادية، نثبت مرارا وتكرارا أننا نستطيع الاختلاف حتى على المسائل التي يُفترض أن تكون بديهية، وآخر حلقات هذا المسلسل الممتد منذ قرون كان “لغز” عيد الفطر المبارك لهذا العام، أو كما يحلو للبعض تسميته: “حرب الأهلة الكبرى”. فبعد أن أعلن ديوان الوقف…

قدم الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، السبت، تشكيلة الحكومة الجديدة، والتي تكونت من 22 وزيراً. وقال الشرع في كلمته خلال مراسم الإعلان عن الحكومة في قصر الشعب: “نشهد ميلاد مرحلة جديدة في مسيرتنا الوطنية، وتشكيل حكومة جديدة اليوم هو إعلان لإرادتنا المشتركة في بناء دولة جديدة.” وجاءت التشكيلة الوزارية على الشكل التالي: وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني وزير…