الثنائيات المتضادة كرديا : الخيانة / البطولة ، المهاجر / المواطن ، المستقل / الحزبي ..

حواس محمود
 
قبل الثورة السورية كانت هناك ملامح ثقافة كردية تبحث عن طريق لها للتنفس والانتشار والتأثير عبر مجموعة كبيرة ونشطة من المثقفين والباحثين والنشطاء وحتى من قسم من الوسط الحزبي القاعدي وليس القيادي ، كانت هناك ملامح بازغة لتبلور وعي كردي جديد وحداثي ومتنور ، وكان هذا يتبدى من خلال مواقع الكترونية ومواقع خاصة ومجلات كانت تطبع هنا او هناك ، وكانت هذه الحركة تقاوم بمجموعة من الأحزاب الكردية هي نتاج انشقاقات من احزاب اصلية لعب بها تيار السلطة الشمولية البعثية في سوريا الأسدية وكان بعضها لا يخلو من علاقات مشبوهة  وغامضة مع مسؤولي الاقبية الامنية والمخابراتية السورية  ، مع وجود استثناءات قليلة جدا. 
ولكن بعد الثورة  السورية وتحولها الى أزمة مستعصية على الحل ومع تحولات في المنطقة الكردية وهروب القيادات الكردية من العمل النضالي وترك الساحة لحزب الب ي د ، انتشرت الانتهازية الكردية اكثر مما كانت من قبل ، وانخرط الكثيرون في هياكل ومؤسسات الادارة الذاتية انتفاعا ، وتنشط الكثيرون اعلاميا كأبواق إعلامية مأجورة للإدارة الذاتية ، وانتشرت الحملات الاعلامية بين المجلس الوطني الكردي ومجلس غربي كردستان ، وتكونت اتحادات للكتاب الكرد وانشقت عن نفسها بدوافع حزبية بحتة بحيث ان الكتاب والمثقفين أيضا تحولوا الى جهة التحشيد الاعلامي المتضاد حزبيا ،  وهنا ومع الاستخدام الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي كالفيسبوك والتويتر واليوتوب . انتشرت المهاترات الكثيرة بين  العديد من النشطاء والمثقفين والسياسيين الكرد .  
هنا في هذا المقال سأحاول التطرق الى مفاهيم سائدة متضادة تحتاج للشرح والتحليل والتفنيد وسأختار منها التالي: الخيانة / البطولة ، المهاجر / المواطن ، المستقل / الحزبي 
 الخيانة / البطولة: وهي من فئة  المفاهيم الايدولوجية البحتة وان كان لها اساس فكري مستقل ،  لكن استخدامها ايديولوجيا هو الاكثر شيوعا وانتشارا،  فما هي الخيانة او العمالة للعدو ، يحلو للكثيرين ان يطلقوا هذه التسمية على الذين يدافعون عن حزب ما واتهامه بارتباطه بنظام يحتل كردستان ويأتي الطرف الثاني ليتهم  الطرف الاول بنفس الاتهام لارتباطه بنظام اخر يحتل جزء آخر من كردستان ، مثال ” الاردوغانية ”  التي باتت شائعة بين الكثيرين وهي حملة مشابهة لاتهامات نظام البعث الأسدي ضد المعارضين ،  بما فيهم الكرد سابقا ولاحقا ، واذا افترضنا جدلا ان هناك من يقيم علاقة او حتى هو يدافع عن محور ” أربيل ”  الكردي الذي يتهم بان له علاقات مع النظام التركي الذي يحتل جزءا من كردستان ويتهم بالخيانة فأيضا هناك محور ” قنديل ” يقيم علاقة مع  ايران النظام المحتل للجزء الكردستاني بإيران ويتهم ايضا بالخيانة اذن من يصدق المراقب والمتابع وأين يصطف الشعب الكردي المسكين والمغلوب على أمره في الاجزاء الاربعة من كردستان ؟ 
لا اعتقد ان صفة الخيانة مقبولة لدى الطرفين لأن الطرفان نتيجة غياب الارادة الدولية – وهذا ليس تبريرا لهم وإنما شرح لواقع الحال – يلجأان الى هذه التحالفات وهي استراتيجيا خاطئة ومضرة بالكرد لا بل خطيرة وتجربة اتفاقية اذار عام 1975 في الجزائر ضد كردستان العراق بين الشاه والنظام العراقي ومباركة هواري بومدين الرئيس الجزائري الاسبق اقول وهذه التجربة خير مثال على خطأ الاعتماد على دول تغتصب كردستان 
هذه الثنائية المتضادة والتي شقها الثاني كلمة البطولة اذ ان هناك من يدعي البطولة في صراعه الاعلامي مع الطرف الكردي الاخر ، والطرف الاخر يستخدم نفس الكلمة مدعيا احقيته بها ، والطرفان يدعيان وهما انهما قد قدما الشهداء قربانا لكردستان ، ومع التقدير الكبير والانحناء والاجلال لأرواح الشهداء في كل جزء كردستاني إلا انه يلحظ ان هناك استثمار مبالغ به في الدم الكردي، وهذه المعادلة استخدمتها الانظمة الشمولية العربية كثيرا وهي وحدها لا تعطيها الاحقية في ممارسة القمع والتنكيل او التجويع بحق الشعوب الواقعة تحت سيطرتها . 
يحتاج الشعب الكردي إلى ازالة الغمامة والضباب عن هذه المفاهيم وان تظهر هذه المقولات للشعب كنوع من المتاجرة الحزبية الرخيصة خدمة لأجندات خارجية ولصالح أنظمة تعادي الشعب الكردي في وجوده وفي حقوقه المشروعه ورسالته الحضارية الى العالم . 
المهاجر / المواطن : كثيرا ما يتم توجيه اللوم والعتب احيانا ، والتهجم والاتهام بالخيانة والتهرب من ارض الوطن في اغلب الاحيان  للمواطنين الذين هاجروا  الى دول الجوار او دول اوربا وامريكا وكندا هروبا من جحيم الحرب وحالة اللاأمن الشامل ، وهؤلاء اي اصحاب هذه الاتهامات معظمهم من خلفيات حزبية تقليدية كلاسيكية تتهم الناس الذي هاجروا بعدم صمودهم بينما هم صامدون مقاتلون اشداء ضد الاعداء ، علما ان بعضهم يمارس اعمالا غير شرعية كالتهريب والسمسرة والتجارة التي تكون مربحة بالاستفادة من ظروف الحرب من خلال الجشع واستغلال معاناة الجماهير لصالح ارباحهم الاقتصادية الكبيرة . 
اعتقد ان المعادلة هنا غير منطقية فليس كل مهاجر بالضرورة خائن او انتهازي او جبان !
وليس كل من بقي بالوطن بطل ومخلص وشجاع ، الناس هاجرت بحسب ظروفها ومنهم من يناضل من اجل قضيته عبر العمل الاعلامي او السياسي حتى وان كان خارج الوطن ، لأن الوطن ليس جغرافيا فقط، ولأن هؤلاء وان كانوا قد هاجروا إلا انهم مرتبطون شعوريا ووجدانيا وعقليا بالوطن عبر عدة اشياء تخصهم وتخص ذكرياتهم ومعارفهم وأهلهم واقاربهم وهم يساندون الاهل بالداخل ممن يعانون صعوبة المعيشة بالدعم المالي المتاح لهم والمقتطع من عملهم او من مساعدة السوسيال ، ليس هذا دفاعا عن المهاجرين وانما مناقشة لثنائية مخلة بالفكر الكردي الذي يحتاج الى جهود كبيرة لدحض المفاهيم المغلوطة والتي ترسبت الى عقول الرأي العام الكردي عبر الأقنية الحزبية  التقليدية من خلال الاعلام والميديا والصحافة وغيرها من الوسائل  
كما أن من يكون بالداخل ممكن ان يكون مناضلا ولكن لا يصح اتهام من بالخارج بالجبن والنتهازية او الخيانة ، وانما على نقيض ذلك ممكن ان يتم الاتصال والتنسيق مع من هاجر لامكان تشكيل لوبي كردي ضاغط على اصحاب القرار في الدول التي لجأوا اليها واصبحوا أو سيصبون مواطنين فيها .  
المستقل / الحزبي: يمكن القول ان هذه الثنائيات مرتبطة بعضها ببعض ، والثنائيتين السابقتين لا تبتعدان كثيرا عن الثنائية الاصلية – الحالية – وهي المستقل / الحزبي
اذ ان مصدر الاتهام يكون منبعه حزبيا ، عندما يقوم الحزبي باتهام المستقل بالانتهازية او التهرب من العمل النضالي من اجل القضية القومية  الكردية ، اذ درجت الاحزاب الكردية على استخدام هذا الاتهام بحق الذين يتركون صفوف الحزب او الذين لا ينضوون ضمن صفوف الحزب ، وهي ثنائية غير منطقية ومضرة بالفكر الكردي اذ ليس بالضرورة ان يكون الحزبي مناضلا او ان يكون المستقل انتهازيا ، فهل يمكن للحزبي الخامل ان يعمل كما يعمل المستقل او الوطني المخلص او الكاتب او المثقف الذي يقوم بدور توعوي ويساهم في تشكيل الرأي العام الكردي . 
لا يمكن التعميم في الثنائية الحالية ولا بالثنائيتين السابقتين 
ومن المفيد الاشارة إلى أن الغاية من هذا المقال هو اعادة النظر بمفاهيم مغلوطة سادت وتسود الساحة الكردية ، وتحتاج من المثقفين جهدا فكرا كبيرا،  لتحليلها ودحضها وتفنيدها ورفد الساحة الفكرية الكردية بمفاهيم جديدة ومعادلات منطقية ، تساهم في تنشيط الجو الفكري الراهن ، لما فيه خير الشعب الكردي وقضيته المشروعة والعادلة ، بعيدا عن المهاترات المنبثقة من الثنائيات السابقة والمنبثقة اساسا من حقبة الستينيات والسبعينيات وحتى الثمانينيات التي ازداد فيها اوار العمل الحزبي واشتدت المشاحنات الحزبية وحدثت الانشقاقات المتتالية 
الساحة السياسية مملؤة بالمغالطات الكثيرة وهي حقل كبير يحتاج لإعمال الفكر فيه للإتيان بالجديد المثمر والبازغ المؤثر والمفيد المعبر . 
………………………………………………..

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…