ابراهيم محمود
” حول صيغة: الندوة السياسية ” الكُردية ” المقرَّر عقْدها في مدينة ” آخن ” الألمانية، بتاريخ 12-6-2016 “
======
أعترف أن العنوان لا يخفي حدّته، سوى أنني لم أجد بُدَّاً من ذلك، بما أنه يتعلق بموضوع يعنينا ككرد، وإذا كنا ننطلق من هذا الوعي المشترك، لذلك كان هذا التشديد، عندما أبصرت عيناي عنواناً عريضاً في موقع ” ولاتي مه ” الاثنين، في 6 حزيران 2016، وهو : ندوة سياسية في مدينة آخن الألمانية تحت عنوان: (الكورد وفرصتهم التاريخية في ممارسة حقهم المشروع في تقرير المصير وحماية أمنهم القومي ).
أرعبتني الصيغة حقاً، وتضاعف الرعب ” رعبي ” وأنا أجدني متصفحاً ما يلي العنوان، وأنا أتساءل مباشرة: كيف يمكن لكتابة كهذه أن تنال ثقة المعني الفعلي بالثقافة، وفي بلد أوربي يحترم الثقافة والصيغة الدقيقة للقول والكتابة؟ ومن هؤلاء الذين سيتولون أمر كل هذا الجاري تحديده وبمثل هذه الطريقة المنفّرة لكل صيغة تحترم اسمها، ومن يكونون موضوعاً لها؟
اضطررت للرد/ للتعليق العابر، لأن المصاغ يمثّل نموذجاً متهافتاً وأي تهافت، لموضوعات باتت تعايَن وتُسمَع مباشرة كما هي العدوى هنا وهناك، وفي الواجهة ثمة ما يدغدغ المشاعر ” صورة العلم الكردي ” تأكيداً على أن المثبَت لا يفوَّت.
لا أستميح أياً من المكلفين بصياغة العنوان ولا الذين سطّروا ديباجته تالياً عذراً، إزاء مساع تصدم المتابع.
لنتوقف قليلاً عند أهم النقاط الواردة في النص الخبري وبدءاً من العنوان: الكورد وفرصتهم التاريخية في ممارسة حقهم المشروع في تقرير المصير وحماية أمنهم القومي ؟ أما كان من الأجدى وضع عنوان كهذا:
العنوان مهلهل إلى أبعد الحدود، إذ ماذا تعني صيغة كهذه ” ماذا ينتظر الكرد بعد مئوية سايكس- بيكو “؟ وقد أصبحنا في عهدة المئوية الثانية! يبقى العنوان دون رابط دلالي معبّر البتة، كما لو أن الكرد بالصيغة المقرَّرة ينتظرون فرصاً تاريخية ليمارسوا حقهم المشروع في تقرير مصيرهم، واللافت: وحماية أمنهم القومي. من أين جيء بالعبارة الأخيرة في دولة اللادولة، أو شعب اللاشعب، أو أمّة اللاأمة؟ تلك عبارة مقحمة، استعراضية.
لنبدأ بمحتوى الخبر: ” إستمراراً لما أُخذ على العاتق في إقامة الندوات الجماهيرية بهدف تعميق ثقافة الحوار وتبادل الآراء وقبول الآخر , بعيداً عن الجمود والقولَبة , ولأجل رسم الخارطة المستقبلية للكينونة الكوردية بحضاريتها المُتَأمّلة والتي ستُميّزها عن ما يحيطها من ثقافات الرفض للآخر والتناحر اللامنتهي والصراع المستدام .
وبمناسبة الذكرى المئوية لإتفاقية سايكس بيكو المشؤومة كوردياً ( حيث تجزئة المجتمع والجغرافيا الكوردستانية ) .
تقوم مجموعة من المثقفين والنشطاء السياسيين الكورد بدعوتكم لحضور ندوة عامة حول تلك الإتفاقية ومايتعلق بها تاريخياً , وما يمكننا حاضراً من إستخلاص العبر منها ومن غيرها خدمة للحاضر والمستقبل الكوردي .
وما نمر به من أحداث وتغيرات وظروف إستثنائية إنعطافية , توجب علينا جميعاً البحث عن السبل الداعمة والمساندة لحق الشعب الكوردي في تقرير مصيره بنفسه وحماية أمنه القومي الذي أستبيح عبر التاريخ , وذلك بما يتلائم والظروف المتاحة والممكن خَلقها .
بحضوركم وتفاعل آرائنا بفكر منفتح ودون تعصبات أو مواقف مسبقة , يكتمل هدفنا الأسمى في تعميق ثقافة الحوار والتقارب والتلاحم الكوردي في هذه الفرصة الإنعطافية الإستحقاقية التاريخية .
: ملاحظة
دعوتنا لبناتنا وخواتنا وإمهاتنا للمشاركة في هكذا لقاءات , كما كُنّ ماضياً وهُنّ الآن بمشاركاتهنّ في ساحات المعارك المُشرّفة .”
ماذا يُلاحَظ سالفاً؟
” استمراراً على العاتق ” : عاتق من يا ترى؟ لاحقاً: أما كان يُكتفى بعبارة واحدة تفي الغرض” تعميق ثقافة الحوار “؟ أليس لأن الحوار حضور لطرفين مختلفين أو أكثر، وتأكيد على التنوع المطلوب؟ أم أن العبارات التالية وردت شاهدة عيان على مدى ليس قلق كاتب الديباجة أو النص، إنما أمّيته تجاه موضوعه، ومن ثم استهانته بقارئه ومتابعه؟ أما كان يُكتفى بمفردة ” الجمود ” وتنحية ” التأطير ” جانباً، فهي من وزنها دلالياً ؟ والمريع هو الشريط الخبري المتهافت: ..لأجل رسم الخارطة المستقبلية للكينونة الكوردية بحضاريتها المُتَأمّلة والتي ستُميّزها عن ما يحيطها من ثقافات الرفض للآخر والتناحر اللامنتهي والصراع المستدام؟!
أي: سوف يتولى المعنيون بالندوة ” الجماهيرية ؟ ” مهمة رسم الخارطة المطلوبة، وبثقة مطلقة لها صلة- أساساً- ببنية المقرَّر. و” الكينونة الكردية “. تُرى أما كان من المجدي كتابة” الشخصية الكردية ” لتكون أكثر قابلية للتعاطي معها، وفي ندوة معتبَرة ” جماهيرية ” وليست فلسفية بالتأكيد؟ أم لأن اعتماد صيغة تعبيرية كهذه ضرب من التثاقف والإيحاء إلى أن ثمة باعاً طويلاً في الثقافة لمن اعتمدها؟ والأوخم ” بحضاريتها المتأملة “؟ وهي تبز سواها في فذلكتها وفي المتوخى منها تركيب قول ومقصداً” المتأمّلة “، ومن ثم في الغد لتكون متميزة عن ما ” عمَّا، طبعاً ” يحيطها في “سلسلة صادمة، طالما أن ثقافة ” الرفض للآخر ” تقوم بمثل هذه المهمة.
ثم يأتي الموعود بصدد اتفاقية ” سايكس- بيكو “، والذين سيقومون أو سيديرون النشاط الدائر حولها ” مثقفين ونشطاء سياسيين “. ألا لكَم رخَّصوا كلاً من الثقافة والسياسة..وعلينا ألا نستغرب، فالخط الأعوج من الثور الكبير غالباً!
ومن ثم: ركاكة ترتد إلى ما تقدم، حيث يجري ” تتبيل ” كل كلمة بأكثر من كلمة بزعم أن ذلك يفعّل المراد أكثر: الأحداث مرتبطة بالتغيرات، والظروف الاستثنائية هي انعطافية، والسبل الداعمة هي مساندة…الخ.
ومن ثم العودة إلى الداء الوبيل ذاته: بحضوركم وتفاعل آرائنا ” وهذه كافية “، لكن، كأنما تلك لا تشفي الغليل دون إلحاق مفردات أخرى تأكيداً آخر على توافر ذخيرة لغوية هائلة: بفكر منفتح ودون تعصبات أو مواقف مسبقة , يكتمل هدفنا الأسمى في تعميق ثقافة الحوار والتقارب والتلاحم الكوردي في هذه الفرصة الإنعطافية الإستحقاقية التاريخي؟!
تُرى: أليس الفكر المنفتح نفسه محرّراً من التعصبات، من المواقف المسبقة؟ والعودة المكررة إلى : تعميق ثقافة الحوار، ومكرر المكرر: والتقارب والتلاحم الكردي…الخ؟!
ثم السطر الأخير تعزيزاً لتحرر مزعوم بتوجيه الدعوة إلى ” الجنس الآخر”: بناتنا، وخواتنا ” أخواتنا ” وأمهاتنا…الخ، وما في ذلك من تعريف بذات منفتحة على الجميع، كما لو أن عدم التذكير بذلك إفقار للنص الخبري.
نعم، سيكون هناك حضور، وسيكون هناك متحدثون، و” محاورون “، ومستمعون، ومتابعون، وربما قبل هذا وذاك، ربما يكون هناك أكثر من تعليق على هذه الكلمة، واستخفاف بها، وكل ذلك متوقع، طالما أن داء ثقافياً وسياسياً fعلامة كردية فارقة، متفش حتى بين كردنا في بلدان المدققين في كل كلمة قبل التفوه بها، وهو داء لا أظنه بقابل للمعالجة في ضوء استفحاله ومن يبني عليه آماله، ومن يتلمس ” كينونته ” من خلاله، ومن ينصُب على ” بسطاء ” الكرد باسمه، و” كُلُّو ” باسم كرد وكردستان و” ما حدا أحسن من حدا ” في ثقافة الكرد ” الخبرية “.
دهوك
في 6 حزيران 2016