لا بديل عن الفيدرالية

افتتاحية العدد ٢٤٨ من جريدة الوحدة أيار/٢٠١٦
تعالت في الآونة الأخيرة أصوات جمة من شركائنا في الوطن والمصير مستهدفة الحل الفيدرالي لسوريا، الذي وصفوه بالتقسيم و نعوت أخرى لاتمت للفيدرالية بصلة.
تأتي هذه الأصوات إما عن جهل بحقيقة الفيدرالية، التي هي بكل تأكيد عملية إتحاد و لكن بشكل إختياري حر وليس إتحاد قسري في دولة مركزية بصبغة إثنية أو دينية واحدة وذلك في دولة متعددة القوميات والأديان كبلدنا سوريا، أو من نزعة شوفينية عنصرية لا تريد الإعتراف بتنوع المجتمع السوري القومية والدينية.
فكل مُتابع للوضع السوري يَعلَم أن سورياً أصلاً شُكلت بُعَيدَ الحرب العالمية الأولى كدولة ضَمَّت تنوع إثني و ديني و مذهبي عنوةً و بدون إرادة تلك المكونات، و قد رضخت لحكم مركزي مقيت ضرب حقيقة سوريا التاريخية والجغرافية عرض الحائط. إذ عجزت السلطات المتعاقبة على سدة الحكم في سوريا منذ تأسيسها من خلق هوية وطنية سورية جامعة تحتضن جميع أبناءها على إختلاف انتماءاتهم الإثنية والدينية و الطائفية. أما نحن كشعب كردي يعيش على أرضه التاريخية (كوردستان سوريا) فقد عانينا الأمرَّين من جراء الحكم المركزي المبني على الإيديولوجية القومية وعقلية إلغاء الآخر المختلف. ناهيك عن أن هذه الحرب السورية – و التي بدأت كثورة ضد الإستبداد تبتغي الحرية قبل أن تتحول إلى حرب أهلية أججتها الطائفية الإقليمية والمصالح الدولية – قد خَلَقَت من الكراهية بين المكونات المجتمعية بشكلٍ أصبح من المستحيل معها إبقاء هذه المكونات عنوةً في سوريا يحكمها لونٌ قومي أو ديني واحد. فالضمانة الوحيدة لبقاء هذه المكونات المجتمعية معاً هو الإتحاد الإختياري الحر في دولة تؤمن للجميع على الصعيد الفردي والجماعي الحرية والمساواة.
إن تبنينا للفيدرالية سواء كمجلس وطني كردي أو كحزب نابع من حقيقة إيماننا بأن الفيدرالية تنسجم مع حقيقة سوريا التاريخية والجغرافية، تُؤمِن الحرية والمساواة للجميع دون إلغاء أحد أو إنتقاص من حقوقه، ولأننا نؤمن بأن حل الأزمة السورية يجب أن يكون نابع من الإيمان بحل يرضي السوريين جميعاً بمختلف قومياتهم وأديانهم ومذاهبهم، وعن قناعة بأن لا حل سوى الحل السياسي المبني على أساس إحترام إرادة الشعب السوري بكافة مكوناته، وبناء سوريا علمانية، ديمقراطية وفيدرالية لا يكون فيها مكان لا للإستبداد ولا للإرهاب أي كان مصدرهما؛ سوريا يتشارك في رسم مستقبلها هذا جميع مكونات الشعب السوري المجتمعية والسياسية؛ سوريا تعيد لمواطنيها عزتهم وكرامتهم وحريتهم بغض النظر عن قوميتهم أو دينهم أو مذهبهم أو رأيهم السياسي أو أصلهم الاجتماعي، و دون أية تفرقة بين الرجال والنساء.
ما نسعى له نحن في حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا هو اقليم فيدرالي محدد المعالم و الهوية ضمن دولة اتحادية تشاركية و توافقية ينهي زمن الحزب الواحد والقومية الواحدة والدين الواحد، ويعيد بناء سوريا على أساس إحترام تنوعها القومي والديني بشكل تزداد فيها الرغبة بالإتحاد والتوحد في ظل تنوع جميع المكونات بالحرية والمساواة.
نعم، الفيدرالية هي إتحاد و ليس تقسيم. فسويسرا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا وبلجيكا والنمسا والإمارات العربية المتحدة وغيرها الكثير من الدول الفيدرالية (الحكم الفدرالي واسع الانتشار عالميا، وثمانية من بين أكبر دول العالم مساحة تُحكَم بشكل فيدرالي) ليست مقسمة ولايهددها خطر التقسيم. بالمقابل كانت هناك دول متعددة القوميات تسودها حكم القومية الواحدة (بالرغم من تبنيها نظرياً أنظمة إتحادية) فتعرضت للتقسيم والإنفصال؛ كما حدث للإتحاد السوڤييتي حيث كانت السيطرة للروس، ويوغسلاڤيا حيث كان الصرب حاكمين، وچيكوسلوڤاكيا حيث كانت الهيمنة للچيك…
و حول ما يقال أن الفيدرالية هي تقسيم لسوريا، فلا بد من القول أن سورياً ونتيجة للحكم الإستبدادي المبني على نفي الآخر المختلف إثنياً ودينياً في الدولة المركزية باتت مقسمة فعلياً جراء الحرب الدائرة فيها وعليها منذ خمس سنوات الى إمارات ودول تحكمها جماعات سلفية و ارهابية كداعش و جبهة النصرة و غيرها. وبقناعتنا ليست الفيدرالية إلا إعادة الوحدة لسوريا على أسس سليمة وتوافقية تؤمن للجميع الحرية والمساواة، و تحول دون تبديل إستبدادٍ بآخر في وطن متعدد القوميات والأديان والمذاهب.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس الزيارة المفاجئة التي قام بها أحمد الشرع، رئيس الحكومة السورية الانتقالية، إلى إسطنبول، لم تكن مجرد جولة مجاملة أو لقاء بروتوكولي، بل بدت أقرب إلى استدعاءٍ عاجل لتسلُّم التعليمات. ففي مدينة لم تعد تمثّل مجرد ثقلٍ إقليمي، بل باتت ممرًا جيوسياسيًا للرسائل الأميركية، ومحورًا لتشكيل الخارطة السورية الجديدة، كان الحضور أشبه بجلوس على طاولة مغلقة،…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا الإسلامي، لا شيء يُوحِّدنا كما تفعل الخلافات، فبينما تفشل جهود الوحدة السياسية والاقتصادية، نثبت مرارا وتكرارا أننا نستطيع الاختلاف حتى على المسائل التي يُفترض أن تكون بديهية، وآخر حلقات هذا المسلسل الممتد منذ قرون كان “لغز” عيد الفطر المبارك لهذا العام، أو كما يحلو للبعض تسميته: “حرب الأهلة الكبرى”. فبعد أن أعلن ديوان الوقف…

قدم الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، السبت، تشكيلة الحكومة الجديدة، والتي تكونت من 22 وزيراً. وقال الشرع في كلمته خلال مراسم الإعلان عن الحكومة في قصر الشعب: “نشهد ميلاد مرحلة جديدة في مسيرتنا الوطنية، وتشكيل حكومة جديدة اليوم هو إعلان لإرادتنا المشتركة في بناء دولة جديدة.” وجاءت التشكيلة الوزارية على الشكل التالي: وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني وزير…

نظام مير محمدي* في الغالب، فإن النظام الإيراني يبدو في حالة لا تمکنه من أن يصر على إن أوضاعه على ما يرام وإن ما حدث خلال العامين الماضيين الى جانب ما يحدث له حاليا على الاصعدة الداخلية والاقليمية والدولية، لم يٶثر عليه سلبا، ذلك إن الامر قد تعدى وتجاوز ذلك بکثير ولاسيما بعد أن تناقلت…