محمد قاسم ” ابن الجزيرة “
دعونا نتحرر قليلا من الأفكار المسبقة التي تقود تفكيرنا الى تحديدات مختلفة لمفاهيم متداولة سواء تلك التي تقنعنا او تلك التي لا تقنعنا…او ربما نرى فيها سخفا.
لنقلّد قليلا عملاقين في التفكير والمعرفة والعلم والفلسفة. وليس القصد هنا، الاقتناع بالنتائج التي توصل اليها كل منهما. فقضية الاقتناع تبقى ذات طبيعة خاصة تعتمد على عوامل عديدة-ذاتية وموضوعية-قد يتوفر بعضها ولا يتوفر بعضها عند الشخص-أي شخص.
أحد العملاقين هو:(أبو حامد الغزالي) المشهور بـ “حجة الإسلام”. ينقل تجربته في كتابه المعروف “المنقذ من الضلال”. والعملاق الثاني، الفيلسوف الفرنسي “ديكارت”.
كلاهما اتبع منهجا للبحث سمي “منهج الشك” وفي حين اعتُبر شكّ الغزالي حقيقيا انتابه في لحظة فهرب من نفسه ومدرسته النظامية في بغداد، إلى حيث لا يعرفه أحد لينفرد بذاته منعزلا يتفكر لعله يجد ملاذا له في نتائج تفكير يهديه –او يعيده-الى الحقيقة التي شك فيها.
وأما شك (ديكارت) فقد عرف بأنه منهجي اصطنعه الفيلسوف لكي يتوصل عبره الى معرفة الحقيقة. فافترض أنه لا يوجد شيء: لا الكون ولا الحياة ولا العناصر فيها ولا هو نفسه… في تجربة إبداعية غريبة وان كان بعضهم يرى أنه قد علم بتجربة الغزالي الذي كان قبله.
ثم انطلق من ادراكه حقيقة كونه، يفكر، ويشعر بانه يفكر، كدليل على انه موجود. عرفت نظريته هذه بصيغة ” انا أفكر إذا أنا موجود”. او “انا أفكر واشعر بأنني أفكر إذا أنا موجود”:
وانطلق من هذه (القاعدة) الشعور او إدراك بالوجود ليرتب أفكاره في إدراك الكون والحياة فيه، ومختلف الأشياء والعلاقات والأفكار …الخ. عرفت نظريته هذه “بالكوجيتو”.
لسنا هنا بصدد البحث في الفلسفة لدى كل منهما، فقط اوردنا هذه المقدمة للتذكير بان بعضهم اتبع هذا المنهج للتحرر من أفكاره المسبقة التي تصادر حرية منهجه في الادراك والفهم والتفكير…وإطلاق الأحكام وقد تكون خاطئة…الخ.
اليوم هو الأربعاء الواقع في الثاني عشر من شهر ربيع الأول 1437 ﮪ. وهو ذكرى ميلاد شخصية قبل أربعة عشر قرنا سماه جده عبد المطلب “محمد” الذي بشر به “المسيح عيسى بن مريم” كما يرد في القرآن.
كان يتيم الأب عندما ولد، وأصبح يتيم الأم في السادسة. وفي الثامنة فقد جده الذي كان يتولى تربيته فكفله عمه أبو طالب (والد علي بن أبي طالب). القصة بتفاصيل حياته معروفة في كتب كثيرة. وتتناولها وسائل الاعلام المختلفة.
المؤمنون يحيون الذكرى عبرة وتعبدا وتجديدا لإيمانهم – والمنكرون يتناولونها، كل وفق موقفه وطبيعة أخلاقه في النقد او الشتيمة او الاستهتار بالمؤمنين به وعقولهم…الخ.
ولكل صنف حججه التي يعتمدها في مذهبه…لولا ان بعضهم من الطرفين يتبع سوء الخلق في التعبير عن رؤاه ومواقفه نحو شخصية شغلت البشرية أربعة عشر قرنا، واتبع نهجها مليارات من البشر ولا يزال أكثر من مليار ونصف من البشر يعتنقون الايمان به “مبعوثا” من الإله ليعلم البشر، او يوصل إليهم رسالته. وهو من خلال ما رُوي عنه من أحاديث وما ورد في القرآن عنه يكرر دوما “انما انا بشير ونذير”.
وإذا كان قد قاد أتباعه خلال حياته في معارك –يرى المؤمنون انه اضطر اليها لأن أعداء ه كانوا يمنعونه من أداء رسالته، لذا فهو لم يكن يهاجم وانما يدافع عن حقه –وهذا ما يفعله الآن وعلى مر التاريخ كل من يرى انه صاحب حق منع عليه حقه. بل يغلب الهجوم في منهج المحدثين او المعاصرين بحسب نظريات عنف يشرعونها لأنفسهم.
وإن قراءة سيرته تشير الى روح عبقرية تسكن فيه وقد وصفه كثيرون بهذه الصفة ومنهم المفكر والأديب المعروف “عباس محمود العقاد” الذي يقال إنه كوردي. ووصفه بعض الغربيين بذلك ووضعه على رأس مائة عبقري في التاريخ. لكن المؤمنين به يرفضون هذا التوصيف ويفسرون ذلك بانه يجرده من قوة الهية فيه منذ الولادة تهيئه ليكون رسولا إضافة الى ما فيه من خصوصية إنسانية مثالية تؤهله لاستقبال الوحي ونقله بأمانة الى البشر…
هو نفسه ذكر في حديث له “أنتم أعلم بشؤون دنياكم مني” ويقصد تلك الأعمال التي لا صلة لها بمعنى الايمان. كالزراعة والتجارة…
هنا تظهر قضية الايمان بالغيب فالمليارات من بني البشر يؤمنون بالغيب ليس من اتباع محمد فقط، بل واتباع عيسى وموسى وغيرهم من الأنبياء والرسل عليهم السلام. ومنهم فلاسفة ومفكرون وعلماء أفذاذ…الخ.
وبالمناسبة فانه من بني “عدنان” لا بني “قحطان” فهو من نسل إسماعيل ابن إبراهيم غير القحطاني. ولمعرفة أكثر حول العرب العاربة والمستعربة يمكن مراجعة كناب “انساب العرب ” للكاتب (سمير القطب) او غيره. فالعدنانيون “عرب مستعربون” والقحطانيون “عرب عاربة”. ولا أعني بذلك قطع نسبه عن العرب او اضافته الى غيرهم –هذا واقعه.
وتشهد كتب التاريخ جميعا بقدرته على تغيير المجتمعات المسلمة: العربية منها وغير العربية –بغض النظر عن الرضا بهذا التغيير او عدم الرضا عنه. فلكل مذهبه في ذلك بحسب عوامل ربما تنبع من مصلحة دينية او دنيوية…
وقد دخل الكورد الإسلام منذ العام الثامن عشر للهجرة ومن المشهورين منهم الصحابي “كابان” وابنه “ميمون أبو بصير:” الذي روى أحاديث عن الرسول (ص). بحسب المؤرخ محمد امين زكي بك في كتابه ” خلاصة تاريخ الكرد وكردستان:” والذي يؤكد ان اسلام الكورد كان طواعية ايمانا بمبادئه وقيمه وتعاليمه…
ولا يستبعد احتمال تجاوزات حدثت هنا او هناك كأي حدث مشابه.
فمعظم الكورد منذ أربعة عشر قرنا مسلمون. سواء أأعجبنا ذلك او لم يعجبنا، فهذا واقع.
ومن يريد ان يغيّرهم، فليكن كما كان محمد “عبقريا” وليغيّر في قناعات بني قومه وفق شعار ردده في الطائف والناس ترميه بالحجارة وادمت قدمه إذ قال:
“اللهم اهد قومي فانهم لا يعلمون”
اما الذين يمارسون تسخيف معتقدات الآخرين بسهولة ولهجة مستهترة فيخسرون قومهم وأنفسهم معا. فلم يحدث ان نجح المستهترون في تغيير أقوام في قناعاتهم ومعتقداتهم. وإذا حصل ذلك في شكل ما لا تلبث الأمورأن تعود الى ما كانت عليه او شكل جديد بجذور قديمة…
ان تجربة الأيديولوجيا السوفيتية ومصير الدول التي عرفت بدول الربيع العربي لا تزال ماثلة.
فالاتعاظ بالتاريخ واحداثه من الأمور المهمة للسير على الطريق الصحيح وبروح المسؤولية.