أوقفوا الجريمة أولاً..!

افتتاحية موقع مواطنة
عقدت الأمم المتحدة – منظمة المرأة مؤتمراً نسائياً على مدى يومين في لبنان، دعت المنظمة إليه عضوات “مبادرة نساء سوريا للسلام والديمقراطية” والتي رعتها خلال السنوات الثلاث الماضية، وعضوات “المجلس الاستشاري النسوي” للسيد ديمستورا وناشطات أخريات.
جاء المؤتمر بمسمى “صانعات السلام السوريات” وجمع مائة وعشرين إمرأة غالبيتهن من مواليات النظام السوري، فهل كان المؤتمر خطوة على طريق تحقيق السلام؟
تاريخياً دلّت تجارب الشّعوب أن (لا سلام مستدام دون تحقيق العدالة) واصطلح تعبير “العدالة الانتقالية” الذي يربط العدالة بالصلح والسلم الأهلي, وذلك عبر اعتراف المجرم بجريمته ومحاسبة المسؤولين الكبار عن الجريمة, ثم تحقيق المصالحة والمسامحة مع المتورطين الكثر الأقل إجراماً، وكما دلت التجارب أنه في حال عدم إمكانية تحقيق هذه الثنائية معاً، فالأولولية هي للسلم على العدالة، وهي التي يمكن تحقيقها بعد إرساء دعائم السلم، ولنا في تجربة “كوسوفو” أو “الأرجنتين” خير مثال، حيث ينظر الآن في جرائم الارجنتين التي مضى عليها أكثر من ثلاثين عاماً، باختصار “إن الحقوق لا تموت بالتقادم” ويمكن دائماً المطالبة بها بعد تحقيق السلم.
ويبقى “تحقيق السلم” هو الشرط الأساسي، فهل كان مؤتمر صانعات السلام السوريات خطوة على هذا الطريق؟
في الواقع حاول المؤتمر أن يبني سلاماً مجتمعياً على طريقته, مستنداً على مسامحات قامت بها مجموعة من النساء المتضررات من الحرب السورية الدائرة…
فهذه سامحت بحق زوجها وابنها اللذين قضيا في الأيام الأولى للثورة في حمص وقبل التسلح والذي ظلت ظروف وفاتهما مع اقرباء لهم آخرين غامضة في حينه, ولم يكشف رسمياً عنها، بالرغم من مسارعة أبواق النظام كالعادة لاتهام الثوار حيث استغلت الرواية كثيرا في إثارة النعرة الطائفية في مدينة حمص, ليتبين لاحقاً أن الضحايا قضوا نتيجة خطأ نيران صديقة من لجان الدفاع الشعبي التي كانت مكونة حديثاً وعشوائية، خطأ ناجم عن تقدير خاطئ لشخصية الضحايا, وضعهم في المقلب الآخر ولم يتبين أنهم من أبناء الحارة نفسها إلا بعد وفاتهم، ومن ثم غيب الموضوع ولم يتم الاعتذار حتى ولم يتم اجراء أي تحقيق أو توضيح يكشف ملابسات الحادث، وكذلك السيدة المسامحة لم تكشف في المؤتمر عن طبيعة الجناة الذي قتلوا وبالتالي من سامحت ومن تسامح؟.
وسيدة أخرى قامت بالمسامحة بحق زوجها القابع قي سجون النظام والذي تضاربت الأخبار حول مصيره, بعد اختفاءه ونقله الى جهة مجهولة مما يشكل خطراً حقيقياً على حياته, وهو المحكوم بالاعدام، وهي التي خاضت الكثير من الحملات العالمية والمناشدات للكشف عن مصيره، لكنها فاجأت الجميع بمسامحتها دون الكشف عن مصير الضحية أيضاً.
اذا قبلنا أن للسلام الأولوية كما ذكرنا في متلازمة السلم والعدالة, علينا الاقرار بأن إرساء السلام يتطلب أولاً إيقاف الجريمة، ان لم يكن ايقاف المجرم نفسه، فكيف يمكن المسامحة والجريمة مازالت مستمرة؟ وهل هذه المسامحة التي جرت في أروقة المؤتمر ستحقق سلاماً أو حداً أدنى منه؟
إن المسامحة تفترض أن يقوم المجرم أولاً بالاعتراف بخطأه على أقل تقدير، إن لم يعترف بقيامه بالجريمة ومن ثم يعتذر لتتحقق المسامحه، عداك أن الذي تم بالمؤتمر هو مجرد مسامحة فردية.. وهي وإن شكلت نقاطاً مضيئة ولكن لا يبنى عليها سلام مجتمعي، ناهيك أن السلم الأهلي في سورية يتطلب مصالحة ومسامحة مجتمعية واسعة، سيما وقد فاق عدد الضحايا الأربعمائة ألف، ويستمر السؤال: كيف يمكن المسامحة بحق كل هؤلاء وما زالت الجرائم مستمرة؟ وهل ستعقد منظمة المرأة في الأمم المتحدة اجتماعاً آخر في العام القادم لتسامح بحق الضحايا الجدد الذين يسقطون؟ ببساطة إنه ذر للرماد في العيون, وهكذا مسامحة عرجاء ماهي سوى ترخيص للمجرم الطليق بمتابعة جريمته المستمرة.
وعلى الامم المتحدة أن تسمع بعمق أصوات الضحايا الذين لا يصلون إلى مؤتمراتها، وأن توقف الجريمة أولاً، إن لم تستطع إيقاف المجرم، ولتدعو بعدها إلى كل الموتمرات اللازمة للمسامحة والمصالحة.
أوقفوا الجريمة أولاً ومن ثم قولوا ما تشاؤون..!
تيار مواطنة – 30-5-2016

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…