حيّوا معي هذه السيدة العظيمة

جودت هوشيار
هذه السيدة إحدى أقوى المرشحات لنيل جائزة نوبل للسلام لعام 2016 ، وهي ليست ، لا سياسية بارزة ، ولا شخصية شهيرة ، ولا تشغل أي منصب حكومي ، بل إمرأة عجوز عمرها 85 عاما ، ولكنها عظيمة بكل المقاييس ، لأنها قررت أن تكرس حياتها لأنقاذ المهددين بالهلاك ، الذين لم تلتق بهم قط في حياتها ، ولكنها تحس أنهم أخوة لها في الأنسانية المعذبة ، أولئك الذين اجبروا على ترك أوطانهم والبحث عن بقعة آمنة في هذه الدنيا المضطربة .
اسم هذه السيدة (اميليا كامويزي) من جزيرة ( ليسبوس ) اليونانية ، وقد غادرت منزلها وتقيم منذ سنة تقريباً في خيمة على ساحل البحر . تستقبل اللاجئين القادمين من تركيا ، الذين استطاعوا الأفلات بشق الأنفس من بحر ايجة والوصول الى الجزيرة في حالة يرثى لها . تحتضنهم وتقدم لمن يحتاج منهم ، بطانية وشطيرة من الجبن ، وتحرص على اعطاء الأطفال الرضع الحليب الدافيء .
تحدثت ايميليا الى مندوب صحيفة (لا ريبوبليكا) الأيطالية عن ذلك اليوم الذي وصلت فيه سيدة منهكة القوى مع طفلها الرضيع الى ساحل الجزيرة ، وهي مبتلّة مع طفلها من قمة رأسيهما الى أخمص القدمين. أخذت اميليا الطفل و اسرعت لجلب الملابس الناشفة. أخذ الطفل يبكي ، وعندها ركضت صديقتها (ماريتسا) لأحضار الحليب ، ولكن الطفل رفض شربه ، لأن الحليب كان ساخنا جداً. قامت اميليا بتبريد قنينة الحليب في مياه البحر، وعندئذ شربه الطفل في لحظة واحدة.
 هل فكرت هاتان السيدتان يوما انهما ستكونان مرشحتين لنيل جائزة نوبل للسلام . تقول اميليا لقد تصرفت كأنسان . عندما يصل أي قارب الى الشاطي – وهي تأتي بالمئات يوميا – ، أنت لا تسأل نفسك، ان كان اللاجئون وأطفالهم لديهم وثائق صحيحة ، ولا من أين قدموا ، ولماذا ؟ . انك تفكر في أحفادك، الذين هم في العمر نفسه . وحتى لو بلغت الخامسة والثمانين من العمر، وتتكيء على عصاة عند المشي ، فإنك تعمل ما في وسعك ، لكي تقدم المساعدة الى من هم بأمس الحاجة اليها .
وعن الأتفاقية الأخيرة بين الأتحاد الأوروبي وتركيا ، التي تهدف الى وضع حد لتدفق اللاجئين الى أوروبا ،  قالت اميليا : ” انهم فقط نقلوا المشكلة من مكان الى آخر  . ينبغي وضع حد للحرب في سوريا . وعلى أوروبا أن تفتح الأبواب وليس غلقها بوجه اللاجئين . أمي وأم ( ماريتسا ) سلكتا الطريق نفسه قبل مائة سنة تقريبا ، هاربتين ، من جحيم الإبادة الجماعية في مدينة أزمير الساحلية التركية ، ووصلتا الى هذه الجزيرة على قارب صيد خشبي محمل بالبشر فوق طاقته .
 ذات مرة،  قبل عدة أسابيع ، عندما غرق قارب محمل باللاجئين قرب الساحل ، قدر لأمرأة النجاة بأعجوبة ، وفور بلوغها الشاطيء وقعت في حضني . فكرت في أمي ، التي وصلت الى هذا الساحل قبل سنوات طوال . في تلك اللحظة خيل اليّ أنني أعانق أمي .”

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…