في ظل غياب الشريك الحقيقي – ربما – وحدة الصف هو الخيار الوحيد أمام الكورد

شاهين أحمد
عند استعراض اللوحة السياسية السورية وتحديد الأطر والتحالفات السياسية الرسمية القائمة ، سواء الحاكمة منها أو المعارضة وموقف هذه التكتلات من قضية شعبنا الكوردي في ” كوردستان الغربية ” نلاحظ وجود ثلاث تحالفات رئيسية مؤثرة متباينة نسبيا في توجهاتها وانتماءاتها الطائفية والدينية ولكنها متفقة في القضايا الجوهرية التي تتعلق بمستقبل المنطقة وقضايا شعوبها وشكل الحكم وطبيعة الهوية في الدولة السورية وهي كالتالي :
أولا : الجبهة الوطنية التقدمية الحاكمة :
هي تحالف يضم مجموعة من الأحزاب السورية، تأسس في السابع من مارس عام 1972 بعد الانقلاب الذي قاده حافظ الأسد داخل منظومة البعث. ليس للجبهة أي ثقل سياسي فعلي في الدولة، فكرة إنشاءها أتت رغبة من ” الأسد ” في الحد والتخلص نهائيا من نشاط كافة الأحزاب العربية في سورية، وبشكل خاص الأحزاب المعارضة، فكان إنشاء الجبهة ترسيخا نهائيا لسيطرة حزب البعث المطلقة والشاملة على الحياة الحزبية والسياسية في سورية. وتضم الجبهة مجموعة من الأحزاب هي : 
حزب البعث العربي الاشتراكي و الاتحاد العربي الديمقراطي و الاتحاد الاشتراكي العربي و حزب الاشتراكيين العرب و الحزب الشيوعي بكداش و الحزب الشيوعي يوسف فيصل و الحزب السوري القومي الاجتماعي و حزب الوحدويين الاشتراكيين و الحزب الوحدوي الاشتراكي الديمقراطي وكذلك الاتحاد العام لنقابات العمال والفلاحين التابع لحزب البعث ومن جملة ماورد في ميثاقها ” أنّ حزب البعث العربي الاشتراكي…من واقع تحمله قيادة الدولة والمجتمع منذ ثورة آذار حتى اليوم، وما حققه من إنجازات في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، هو المؤهل لأخذ موقع القيادة في هذه الجبهة، ولأن يكون الدعامة الأساسية في بنائها”… “و تتجسد قيادة حزب البعث بأن يكون منهاج الحزب ومقررات مؤتمراته موجهاً أساسياً لها في رسم سياستها العامة وتنفيذ خططها  ” .
وكما نعلم ويعلم الجميع أن منهاج ” البعث ” ومنطلقاته ومقررات مؤتمراته القومية والقطرية جميعها كانت تتلخص في معاداة المكونات السورية من غير العرب وخاصة شعبنا ” الكوردي ” وكانت نتيجتها صدور عشرات المشاريع العنصرية والقرارات والمراسيم التي استهدفت وجود شعبنا وتوفير كافة مستلزمات تهجيره وتفريغ ” كوردستان الغربية ” من سكانها الكورد الأصليين وفرض واقع ديموغرافي جديد ومغاير تماما للوقائع التاريخية والحقائق الجغرافية . وبالتالي نلاحظ أن ” الجبهة الوطنية التقدمية ” تحولت إلى أداة بيد البعث وغطاء لشرعنة مخططاته القذرة ضد شعبنا الكوردي ولا تعترف بحقيقة وجوده على أرض آباءه وأجداده بنتيجة ترتيبات المنتصرين في الحرب العالمية الأولى وخاصة فرنسا وبريطانيا وبموجب اتفاقية سايكس – بيكو التي أعلنت رسميا في 16 / 5 / 1916.
ثانيا : الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية : 
هو تحالف بين مجموعات سورية معارضة لنظام  ” حزب البعث ” القاتل ، تشكلت غالبيتها بعيد انطلاقة الثورة السورية في 15 / 3 / 2011 . أعلن عن تأسيسه في العاصمة القطرية الدوحة في نوفمبر 2012. انتخب “معاذ الخطيب ” رئيسا له وهو داعية إسلامي معتدل الفكر والتوجه كان يشغل إماما للمسجد ” الأموي ” في دمشق قبل اندلاع الثورة . تكون الائتلاف بداية إعلانه من ” 63 ”  مقعدا، ويمثل أعضاؤه غالبية قوى الثورة والمعارضة، وضم الائتلاف كلا من : المجلس الوطني السوري والهيئة العامة للثورة السورية و المجلس الوطني الكردي ولجان التنسيق المحلية والمجلس الثوري لعشائر سوريا، ورابطة العلماء السوريين، واتحادات الكتاب، والمنتدى السوري للأعمال، وتيار مواطنة، وهيئة أمناء الثورة، وتحالف معا، والكتلة الوطنية الديمقراطية السورية، والمكون التركماني، والمكون السرياني الآشوري ، ، والمنبر الديمقراطي، والمجالس المحلية الثورية لجميع المحافظات السورية ، إضافة إلى بعض الشخصيات الوطنية وممثل عن المنشقين السياسيين . اعترفت به جميع دول جامعة الدول العربية باستثناء الجزائر والعراق ولبنان كممثل شرعي للشعب السوري. وكذلك تلقى الائتلاف دعما واعترافا من قبل الكثير من دول العالم مثل الولايات المتحدة المريكية وفرنسا والمملكة المتحدة وتركيا وغيرها . 
وانضم المجلس الوطني الكردي إلى الائتلاف الوطني من خلال اتفاقية وقع عليها الطرفان وتكونت من ” 16 ” بنداً. وتضمن الاتفاق المذكور ” الاعتراف بالحقوق الدستورية للشعب الكردي في سوريا ” وإطلاق اسم “الجمهورية السورية” بدلاً من “الجمهورية العربية السورية”، إضافة إلى ضم 11 عضواً من “المجلس الوطني” إلى الهيئة العامة لـ “الائتلاف “المكونة  من 114 عضوا، وثلاثة أعضاء إلى الهيئة السياسية التي تضم 19 عضواً. وشملت الاتفاقية تأكيد الائتلاف التزامه بالاعتراف الدستوري بهوية الشعب الكردي القومية، واعتبار القضية الكردية جزءاً أساسياً من القضية الوطنية العامة في البلاد، والاعتراف بالحقوق القومية للشعب الكردي ضمن إطار وحدة سورية أرضاً وشعباً، والعمل على إلغاء كل السياسات والمراسيم والإجراءات التمييزية المطبقة بحق المواطنين الكرد ومعالجة آثارها وتداعياتها وتعويض المتضررين، وإعادة الحقوق لأصحابها. ونصّ الاتفاق على أن الائتلاف يرى سورية الجديدة “ديموقراطية مدنية تعددية، نظامها جمهوري برلماني يقوم على مبدأ المواطنة المتساوية وفصل السلطات وتداول السلطة وسيادة القانون، واعتماد نظام ” اللامركزية الإدارية ” بما يعزز صلاحيات السلطات المحلية “.
تعتبر هذه الاتفاقية أفضل صيغة تم التوصل إليها والتوقيع عليها من قبل ممثلي المكون ” العربي ” حتى الان فيما يتعلق بالقضية الكوردية في سوريا . ولكنها لم تلبي – الاتفاقية – طموحات الشعب الكوردي لجهة شكل الحكم في سوريا مابعد حقبة البعث . حيث لم يفلح جهود المجلس الوطني الكوردي في تبني خيار ” الفيدرالية ” من قبل الائتلاف وبقيت نقطة خلافية بين الطرفين دون أن تشكل عائقا أمام توقيع الاتفاق وانضمام المجلس .  وتم تدوين ملاحظة تتضمن تحفظ المجلس الوطني الكردي على البند الثالث المتعلق بشكل الحكم واقترح المجلس بأن أفضل صيغة للحكم في الدولة السورية هي الصيغة ” الإتحادية ” أي الفدرالية ، وسيعمل المجلس الوطني الكردي على تحقيق هذا الهدف.   
بالرغم من المقبولية النسبية لنص الاتفاق من الناحية ” النظرية ” إلا أن كافة رموز المعارضة والمحسوبة على الثورة بمن فيهم الذين شاركوا في صياغة الاتفاق والتوقيع عليه ، نراهم ينزلقون إلى نفس الحقول والمستنقعات ” المشبوهة ” ويبثون نفس السموم على المنابر الإعلامية وبنفس المنطق العنصري الشوفيني لمنظومة البعث .ولم يقتصر هذا السلوك على الوافدين من النظام فقط بل شملت الأغلبية الساحقة من رموز المعارضة من أمثال ” هيثم مالح وميشيل كيلو ومنذر ماخوس وأسعد الزعبي وكمال اللبواني وجورج صبرا …إلى آخر القائمة . 
ثالثا : هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي  : 
تسمى بمعارضة ” الداخل ” وهي مقبولة من النظام واتخذت من ” دمشق ” مقرا لها وهي تحالف مكون من شخصيات وأحزاب المعارضة السياسية غير المسلحة الموجودة داخل الأراضي السورية. تأسست في يونيو 2011 . دعا بيانها التأسيسي إلى تنظيم احتجاجات سلمية لضمان المطالب الأساسية قبل أن تنخرط المعارضة في حوار مع الحكومة ، ومن أهم النقاط الني وردت في بيان التأسيس : إطلاق سراح الموقوفين السياسيين، والسماح بالتظاهر السلمي، وسحب الجيش من المدن، وإلغاء المادة الثامنة من الدستور (إنهاء احتكار حزب البعث السلطة والسماح للأحزاب الأخرى بالتنافس بحرية على المناصب العامة)، ورفع حالة الطوارئ ، وإحالة المسؤولين عن العنف الى القضاء قبل البدء بالحوار. كما تضمن البيان برنامجًا سياسيًا يدعو إلى قيام حكومة إنتقالية، وإجراء إصلاحات أساسية، أبرزها وضع مشروع دستور جديد وقوانين ديمقراطية للأحزاب السياسية،  والنظر في المسألة الكردية “. واتفق الموقعون على ثلاثة مبادئ أساسية عرفت ” باللاءات الثلاث ” وهي : لا للتدخل العسكري الأجنبي، لا للتجييش الطائفي والمذهبي، ولا للعنف وعسكرة الثورة. وتكونت الهيئة عند تأسيسها من : الحزب اليساري الكردي في سوريا و حزب الاتحاد الديمقراطي PYD والحزب الديمقراطي الكردي في سوريا والحزب الديمقراطي الكردي السوري وحزب الإتحاد السرياني و حزب الإتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي و حزب العمل الشيوعي السوري و حزب البعث الديمقراطي العربي الاشتراكي وتجمع اليسار الماركسي و حركة معاً من أجل سوريا حرة ديمقراطية و وحركة الاشتراكيين العربي . 
ويشير البيان التأسيسي للهيئة بشكل واضح على إجراء إصلاحات في البنية التنظيمية القائمة للنظام ومؤسساته وليس التغيير الشامل للمنظومة الشمولية ” للبعث ” ، وإسقاط النظام القاتل .ومايتعلق بموقف الهيئة من الشعب الكوردي وقضيته القومية العادلة ، وشكل الحكم في الدولة السورية بعد طي حقبة البعث فلانلاحظ أية إشارة واضحة أو موقف جدي من جانب الهيئة تجاه هذه القضايا الوطنية والجوهرية الهامة . 
عندما نستعرض التحالفات السالفة الذكر نلاحظ أن هناك تشابها كبيرا في نمط تفكير شخوصها وذهنية رموزها المريضة وافتقار جميعها ولو بصورة متباينة نسبيا إلى الرؤية الوطنية الواضحة المتعلقة بمستقبل ” الدولة السورية ” لجهة المسائل والقضايا الوطنية الأساسية مثل ” شكل وطبيعة الحكم ، وهوية الدولة ، والموقف من جميع مكونات الشعب السوري القومية والدينية والمذهبية وخاصة قضية شعبنا الكوردي وحقه في تقرير مصيره وفق العهود والمواثيق الدولية .إن قراءة هذا الواقع المأساوي قراءة صحيحة تضع ممثلي شعبنا الكوردي أمام مسؤوليات أخلاقية وسياسية وقومية غاية في الدقة والخطورة والأهمية ، بضرورة البحث عن صيغة توافقية جديدة شاملة على أرضية اتفاقيات “هولير الأولى والثانية ” و ” اتفاقية دهوك ” وبرعاية كريمة من المرجع القومي الكوردستاني الأوحد فخامة الرئيس ” مسعود البارزاني ” . للحفاظ على من تبقى من أبناء شعبنا على أرض ” كوردستان سوريا ” وعدم تفويت هذه الفرصة التاريخية على شعبنا . على أن يسبق ذلك القيام بخطوات جدية لبناء الثقة من أهمها فك كافة الارتباطات والتحالفات مع نظام البعث القاتل ، وإطلاق سراح جميع المعتقلين المناضلين من نشطاء شعبنا ومنتسبي أحزابنا وأعضاء التنسيقيات والثوارمن سجون منظومة ” TEV-DEM ” وإلغاء كافة الفرمانات العسكرية والقرارات الأحادية الجانب التي أدت وماتزال إلى تفريغ ” كوردستان الغربية ” من شعبها الأصيل .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…