السبيل الى توفير شروط الانقاذ الوطني

صلاح بدرالدين
  الساعون الى تحقيق السلام عبر التفاوض مع النظام من بوابة جنيف وقبل غيرهم توصلوا الى انطباعات متشائمة بل يواجهون الطريق المسدود هذا ان لم يكونوا قد خدعوا بالوعود أو آمال عقدت علىيها باجتهادات لاتستند الى أساس أو قدموا التنازل تلو الآخر كماأراده الآخرون ومنهم النظام وحلفاءه الدولييون من روس وايرانيين لاطالة الوقت الذي يمر عمليا لصالح تحسين الظروف العسكرية لقوى الأعداء وتمددهم على الأرض في العديد من المناطق لتكون المحصلة تغيير في ميزان قوى الصراع وانعكاسه سلبا على مفاوضي – الهيئة العليا – المنبثقة عن مؤتمر الرياض التي وعدت السوريين بنصرة ثورتهم والحاق الهزيمة بنظام الاستبداد . 
  الفصائل المسلحة التي أعلنت قبولها لمقررات ونتائج مؤتمر الرياض من بعض تشكيلات الجيش الحر أو ذات التوجه الاسلامي مثل ( جيش الاسلام والى درجة ما أحرار الشام ) تعرضت منذ ذاك الى التراجع في جبهات القتال وخصوصا في حلب وريفها والغوطة وريف دمشق وتلقت الضربات الموجعة من طيران النظام وحليفه الروسي بل أن بعضها تعرض الى الانشقاقات والمواجهات الداخلية ولم تكن أجهزة النظام وروسيا ببعيدة عن حصول اختراقات وتأليب بعض الجماعات على البعض الآخر خصوصا في الغوطة خاصرة العاصمة ونقطة ضعف حكم الأسد ولم يكن مستبعدا أن تقوم – النصرة – وبعض أجنحة – داعش – بتقديم الدعم لقوى النظام وذلك تنفيذا لالتزامات سابقة وكرها بالثورة السورية .
 كثيرا ما نسمع من أعضاء – هيئة التفاوض – تعداد الأسباب والظروف السلبية الداخلية والخارجية ومن بينها القاء اللوم على ( أصدقاء الشعب السوري ) بتخليهم عن التزاماتهم ومعاتبة الادارة الأمريكية على سلبيتها بل – خيانتها – أو تواطئها مع القيادة الروسية ومداراتها لايران أو ضعف الدعم العربي الرسمي وانشغال نظم الخليج بقضاياها الداخلية والحرب باليمن أو مخططات الروس في شق صفوف المعارضة وتفريخ مجموعات جديدة من الموالية للنظام أو تراجع تركيا في التزاماتها السابقة بسبب مشاكلها الداخلية وتراكض الأوروبيين نحو طهران لاعادة الحياة الى الاقتصاد الايراني الذي يضخ النظام السوري والميليشيات الموالية بالمال والسلاح اضافة طبعا الى المقاتلين .
 قد يكون كل أو معظم هذه الأسباب في غاية الصحة ولكنها ليست بجديدة فقد كانت قائمة بغالبيها قبل الموافقة على المشاركة بمفاوضات جنيف 3 ولذلك تعتبر من باب الذرائع ولن تقنع السوريين فمن بين كل تلك الأسباب لانجد سببا واحدا يتصل بالوضع الداخلي من جهة هل أن مؤتمر الرياض مثل الشرعية الثورية ؟ أو هل أن قراراته انطلقت من مبادىء الثورة ؟ أو هل كان هناك اجماع وطني على نهج مؤتمر الرياض وقبل ذلك على شرعية وسياسة الائتلاف ؟ كان بالامكان قبول ماحصل لو سبق ذلك عقد مؤتمر وطني شامل وتمخض عنه برنامج سياسي وخارطة طريق وقيادة أو مجلس سياسي عسكري منتخب مخول لمواجهة تحديات السلم والحرب  .
  أمام اخفاقات وتراجعات – الهيئة التفاوضية العليا – وهي امتداد لكل من المجلس الوطني والائتلاف شكلا ومضمونا باضافة تيار جاء من صلب النظام الحاكم وحزبه وادارته لم نسمع من القيمين عليها أي مقترح مقنع على طريق المعالجة ولم يصدر أية اشارة توحي بنوع من النقد الذاتي أو البحث عن خيار آخر وكأنها مقطوعة الجذور من شعب يشكل المرجعية بشرعيتيه الوطنية والثورية ويعاني القتل والدمار والهجرة والنزوح وأحوج مايكون الى الحماية واعادة الأمل بالمستقبل ففي مثل هذه الحالة الماثلة لابد من العودة الى الشعب لتصحيح المسار واعادة البناء وتعزيز الصفوف .
  الأمر الوحيد الذي نسمعه من أفواه أعضاء – الهيئة العليا – بين الحين والآخر وضمن سياقات ومناقشات عامة هو اعتماد جيش وطني موحد وقد يكون ذلك أحد المهام الواجبة انجازه في يوم ما ولكنه يجب أن يسبقه الاجماع الوطني من خلال المؤتمر السوري العام وأن يعاد تشكيل قيادة سياسية عسكرية شرعية ممثلة عن كل المكونات الوطنية ويصاغ البرنامج السياسي ومن ثم يمكن البدء بمسألة اعادة هيكلة الجيش الحر واعادة بنائه على أسس سليمة ديموقراطية بعيدة عن الآيديولوجيات الاسلامية والقومية والفئوية ومنسجمة مع حقيقة التنوع في المجتمع السوري فلا بد قبل كل شيء من توفر العامل السياسي الذاتي والموضوعي قبل الشروع في بناء أي جسم عسكري من أجل سلامته وضمان بقائه ضمن أهداف الثورة الوطنية الديموقراطية .
  من أجل أن تكون المساعي والمحاولات انقاذية ناجحة ضامنة لابد من تعاون الجميع وأقصد هنا من يتصدرون الآن المشهد السياسي والعسكري أو بعبارة أدق وأصح  البعض منهم بالاضافة الى المجموعات الشبابية والكتل الناشطة والشخصيات الوطنية والتيارات الثورية وأعداد من ضباط وأفراد الجيش الحر والشرطة الذين استبعدوا أو أبعدوا انفسهم وكل عمل جبار يبدأ بخطوة مسبقة وهي لجنة تحضيرية توافقية معبرة عن الأطياف الوطنية السورية وبذلك يمكن الانتقال من ثقافة عتاب الآخر وتعداد الذرائع ووضع اللوم على الخارج الى الواقع الملموس وتشخيص أسباب الأزمة ومعالجتها اعتمادا على شعبنا العظيم وقدراته الخلاقة .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لم يكن، في لحظة وطنية بلغت ذروة الانسداد، وتحت وطأة أفق سياسي وأخلاقي مغلق، أمام الشيخ حكمت الهجري، شيخ عقل الطائفة الدرزية في السويداء، كما يبدو الأمر، سوى أن يطلق مكرهاً صرخة تهديد أو يدق طبول حرب، حين ألمح- بمسؤوليته التاريخية والدينية- إلى احتمال طلب الحماية الدولية. بل كان يعبّر عن واحدة من أكثر المعضلات إلحاحاً في واقعنا…

د. محمود عباس صرخة في وجه التكفير والخراب والإرهاب. من يهاجم المكون الدرزي في السويداء؟ من يحاصر مدنها، ويهدد شيوخها، ويحرّض على أبنائها بذريعة كلمة قيلت أو لم تُقَل؟ من نصب نفسه حاميًا للرسول الكريم وكأن الإسلام ملكيته الخاصة، وكأن نبي الرحمة جاء لقوم دون قوم، ولدين دون آخر، متناسين أن محمدًا عليه السلام نبي الإنسانية كلها، لا نبي التنظيمات…

بوتان زيباري في رياح السياسة العاتية التي تعصف بأطلال الدولة السورية، يبدو أن الاتفاق الموقّع بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وهيئة تحرير الشام (هتش) لم يكن سوى وميض برقٍ في سماءٍ ما لبثت أن اكتظت بالغيوم. فها هو مؤتمر قَامشلو الأخير، بلغة ملامحه المضمرة وتصريحاته الصامتة أكثر من الصاخبة، يكشف عن مكامن توتّرٍ خفيٍّ يوشك أن يطفو على سطح…

إبراهيم اليوسف لقد كان حلم السوريين أن يتوقف نهر الدم الذي فاض وارتفع عداده ومستواه، تدريجياً، طيلة العقود الأخيرة، أن يُفتح باب السجون لا ليُستبدل معتقل بآخر، بل ليُبيّض كل مظلوم مكانه، أن يتحول الوطن من ساحة للبطش إلى حضن للكرامة. لقد كان الأمل كبيراً في أن تؤول الأمور إلى دولة ديمقراطية، تُبنى على قواعد العدالة والحرية والكرامة، لكن هذا…