إبراهيم اليوسف
ما الذي يعني أن يكون الكردي دون كردستانه، قرناً كاملاً من الزمن؟، أهو حقاً نتاج مؤامرة الأمم الغربية عليه؟-لاسيما وأن اتفاقية سايكس بيكو1916 تتوغل في حبر مئويتها الآن، ممثلة عن إدارة الغربي ظهر المجن له، بينما لم تكن مفردات وجوده لتشكل خطراً على هذا الغرب الذي يقر بوجود شعب مختلف في الشرق الأوسط وهو الأقرب إليه، أنى انطلق من الأرومة التي تربطه بالمكان، لاسيما وأن من بينه: المسيحي الذي ابتعد عنه-تدريجياً- ضمن محاولات محو كليهما،وكانت وشائج كردستانيته أقوى، وهكذا بالنسبة لابن جلدته الإيزيدي، وحتى اليهودي، إلى جانب المسلم، المتسيد، انطلاقاً من كثرته الكاثرة، نتيجة عوامل تاريخية معروفة، ليشكل هذا الكردي حالة استثنائية، في المنطقة برمتها، من خلال فسيفسائيته.
هذا ما يمكن قوله، ليس انطلاقاً من تقويمنا للرابط التاريخي-داخلاً وخارجاً- من خلال مقوم الدين، وإنما من خلال لغة هاتيك المرحلة، مادام أن الغربي راح يتبنى من جيران الكرد هؤلاء الذين حملوا رسالة الإسلام الذي كان يشكل دواعي أحد أقوى توجساته، وقلقه، استناداً على منظومة منطلقاته التقويمية..!.
خلال القرن الماضي الذي يجر أذياله، هذه الأيام، عانى الكردي الكثير من الويلات على أيدي من تقاسموا خريطته، من المحتلين أو الجيران أو شركاء المكان، على حد سواء، وقد كان في مقدمة من صنعوا تاريخ المنطقة، مسهماً في إبعاد أشكال الاحتلال، غير أن هؤلاء سرعان ما تنكروا له، وراحوا يستبقون أحلامه، محاولين حرقها، وهي في صدره، وما إن راح يعبر عنها، حتى واجهوه بأقوى ما لدنهم من أدوات التذويب- كمعادل للإبادة- التي أباها الكردي، من خلال طليعته السياسية-التقليدية- التي يسجل لها دورها التاريخي، بالرغم من أية مآخذ قد نجمت أثناء حراكها، في تلك الأجواء الملوثة، دكتاتوريات، وقمعاً، دون استثناء، سواء أكان ذلك في تركيا، أم إيران، أم العراق، أم سوريا…..!.
انتبهت الأنتلجنسيا الكردية، إلى ماجرى لشعبها، من خلال نوياتها الطليعية الأولى في تنظيم خويبون* ، أو في الأحزاب الكردستانية التي ظهرت تترى، وكانت الانتفاضات، والثورات قد سبقت بعضها، في أكثر من جزء كردستاني، غير أنها نتيجة أمرين، أحدهما هيمنة النزعة الدينية وثانيهما إذكاء الصراع القبلي، العشائري، في لحظتهما ما قبل القومية أومافوقها في كردستان – ما خلا استثناءات طفيفة هنا وهناك- لم تنجح كثيراً في التقدم بالسؤال القومي على مايرام، إلا متأخراً، حتى وإن كانت المؤسسة السياسية الكردية تلقى احترامها التدريجي ضمن أوساط باتت تتوسع، رغم ذلك الاستبداد الذي وظف كل أدواته البطشوية، الفاتكة، لمحو هذه النويات السياسية، ومحاولة تشويه صورتها، واختراقها من خلال الروح الأنانية لدى أبعاضهم، تحت هذه الذريعة، أو تلك، كي تبدو هزيلة، ضعيفة، غير مجدية، لاسيما أن الغربي الذي وضع مخطط سايكس بيكو راح يدعم الأنظمة الحاكمة في الدول المغتصبة لكردستان، قاطعاً بذلك أي بريق أمل في استعادة ذلك الحلم الكردستاني الكبير.
ثمة ثقافة تضليلية، قوامها نفي الوجود الكردي، تم التأسيس لها عبر الاعتماد على ثلاث ذاكرات: ذاكرة الدين الجديد- الذاكرة القوموية المتسيدة المغايرة التي لا تتصالح إلا مع أوهامها- ذاكرة الغربي الذي راح يهادن أكذوبته التي أطلقها، ولم يؤسس لأي تعامل مع الكردي إلا من خلال النوافذ المعتمدة التي رسمها لجغرافياه، دون أي تأنيب ضمير من لدنه، باستثناء تفهمات طفيفة، غير مكتملة، لهذا الكردي/ القربان، كانت تظهر على إيقاع مجزرة ما، أو انتكاسة له على يدي هذا الدكتاتور الذي رسم هو نفسه مساراته، أو الآخر، إن بشكل مباشر، أو عبر أجهزة الريمونت كونترول، وفق الوسائل التلقينية، في ما قبل، أو التقنية، في ما بعد.
ثمة تقصير في الغالب من لدن المثقف الكردي، في استقراء الحدث السايكسبيكوي، ضمن حدود نصه التنظيري، مبنياً على دعامتين من: زور، وتزوير، إذ إنه لما يسأل بعد:”لم هذه الأخطوطة الغربية التي تمت بحق وجود شعب مذرذر، بات نصفه خارج إطار لغته- ولنا في كرد بعض المدن السورية خارج المناطق الثلاث:كوباني- عفرين -الجزيرة أمثلة حية، لاسيما وأنهم مملينون، خارج الإحصاءات الرسمية، ناهيك عن هجرة اليهودي و المسيحي، بل أضف إلى كل ذلك هاتيك المحاولات المنظمة في إبعاد-الإيزيدي- أس الكردية، الأول، بل أنموذج الكردية الساطع، عن خصوصيته، وهو ما جرى و يجري ضمن مخطط مبني على التفاهم بين دكتاتوريات المنطقة وبعض مؤسسات الغرب، ما جعلنا، وفي وقت مبكر، أمام حالة تفريغ لمكان الكردي من ساكنه الأصيل، كصورة أولى لما سيجري- تالياً- بحق أبناء جلدته الآخرين، تحت سطوة مؤثرات ظهرت على حين غرة، بعيد حرب النظام وبيادقه على السوريين، كي تظهر هناك دراسات مشبوهة، ممولة، من جهات مغرضة، راحت تشكك في نسبة وجود الكرد في مناطقهم، ليظهر دعي المعارضة، على حقيقته، كوجه آخر للنظام نفسه، وهو ما لا يمكن تعميمه إلا في حدود مروجي فكرة مضايفة الكردي في بيته طريداً غريباً..!!؟؟.
*بحسب كتاب مذكرات” كفاح من أجل كردستان- تأليف المناضل الراحل ملا أحمد شوزي أحد أعضاء المؤتمر الأول يؤكد أن مؤتمر خويبون عقد في منزل الأرمني فاهان بابازيان في بيروت 12-8-1928
** تأسس أول حزب كردي منظم “البارتي” في سوريا في العام 1957 بعد محاولات سابقة عليه
*** تأسس حزب آزادي-سكرتيره الشاعرجكرخوين- في العام 1957 “تأسس بعد البارتي بأشهر” وتم حله وانضمامه للبارتي.
يتبع….!..