لا اعتراف بحق الكورد إلا بوحدتهم – الجزء الثاني

جان كورد
التجزئة والتخلف هما مرضا كوردستان. وبالوحدة أو الاتحاد والعمل من أجل تطوير أسلوب العمل السياسي والكفاحي في كوردستان يمكن القضاء على التخلف لدى القوى الوطنية، التي لا يمكن لها أن تحرر كوردستان من تخلفها دون أن تتجاوز بنفسها نقاط ضعف وتخلف عملها الذي تعمله. والتجزئة لها صور وأشكال، وهي:
التجزئة الثقافية
يعاني الكورد من تمزق ثقافي معاناة قاسية، ففي حين يجبر قسم من الشعب الكردي على التعلم باللغة التركية وتلقي الثقافة التركية حصرا، فإن اللغة العربية تفرض على قسم ثان والفارسية على قسم ثالث، والأرمنية على رابع والآذرية على آخر…
وهكذا يجد أبناء شعب واحد صعوبة في التفاهم الكامل فيما بينهم وفي حماية وتطوير لغتهم وثقافتهم القومية. ثم يخرج علينا فلاسفة العروبة والطورانية التركية والإيرانيزم ليسخروا من “الانحطاط الثقافي” لدى الكورد بعد أن استخدموا ولايزال يستخدمون كل وسائل القهر لانتزاع الطفل الكردي من تراثه وثقافته القومية ونفيه عن محيطه الثقافي الى أن يلقى ربه وهو محروم من التعلم والتربية الكردية، متناسين أن اللغة الكردية آية من آيات الله الخالق رب العالمين، اقترن ذكرها بخلق السماوات والأرض. فالله تعالى يقول في محكم كتابه العزيز: (…ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم…) 
ومن البديهي ان تؤثر هذه التمزقات، خاصة وإن الثقافات التي تفرض على الكورد ليست من صلب العقيدة وإنما قومية، عنصرية، ضيقة الأفق، على مجمل نضال الشعب الكردي وتطوره الاجتماعي والحضاري وعلى تفاعلاته الثقافية ومقوماته القومية وتربيته الوطنية. ويجدر بالذكر أن اللغات العربية والفارسية والتركية والروسية مختلفة عن بعضها تاريخيا وثقافيا واجتماعيا. ويقينا فإن الدين الصحيح لن يمنع تطور لغة كردية وثقافة كردية في ظله، وكل الادعاءات الأخرى التي تتنافى مع جوهر الآية القرآنية المذكورة آنفا ما هي إلا لون من ألوان العنصرية التي لا يقبلها العقل والدين… إن تعلم العربية من قبل الكورد المسلمين لفهم القرآن الكريم والسنة المطهرة شيء وفرض العربية بالعنف والقوة مقابل العمل لإزالة اللغة الكردية شيء آخر.
ورغم هذا العسف المتعدد الوجوه والألوان، فإن مقاومة الكورد لمظاهر هذه التجزئة الثقافية ومحاولات تدمير لغتهم القومية من قبل عدة جهات أقوى منهم بكثير كانت مقاومة مستمرة، وفي حين زالت لغات شعوب قديمة مثلهم كلغة الليديين، فإن الكورد لا يزالون يحافظون إلى حد ما على لغتهم وثقافتهم وفنونهم عبر العصور، وعدد الكورد الذين أبدعوا في مختلف المجالات الفكرية والأدبية والفنية بلغات الأقوام السائدة على وطنهم المجزأ ليس بقليل، في تركيا وايران والعراق وسوريا ومصر ودول الاتحاد السوفييتي المنحل وأوروبا، فمنهم كبار الشعراء مثل (أحمد شوقي) الذي يعتبر أمير الشعراء بالعربية والأدباء مثل (ياشار كمال) الحائز على جائزة نوبل للآداب ورواياته بالتركية، والنحويين مثل (ابن الحاجب) الشهير في تاريخ النحو العربي، الذي ولد في صعيد مصر من أبويين كورديين، والسياسيين مثل (إبراهيم هنانو) أحد أهم زعماء الثورة السورية ضد الفرنسيين، والفنانين مثل (شاهرام ناظري) الذي يغني بالفارسية غناء رائعا وشهيرا،… ولا مجال لدينا للتفصيل هنا. 
التجزئة الاجتماعية
إن المؤثرات التاريخية الناجمة عن الظروف الجغرافية والبنى الاقتصادية واختلاف الأنظمة التي أخضع لها الكورد بالقوة ثقافيا وسياسيا، وكذلك التفاوت الطبقي البغيض للمجتمع الكردي ذي الأنماط الإنتاجية المتخلفة، هذا التفاوت الذي مرده الى الظلم والاستعباد ويتعارض مع العقل والدين كليا، إضافة الى سيادة شيوخ الطرق الصوفية ورؤساء العشائر والمؤثرات المذهبية، كل ذلك أدى الى تجزئة كوردستان اجتماعيا، تجزئة ساهمت الى حد كبير في بقاء الكورد متخلفين وغير قادرين على تحقيق تقدمهم الاجتماعي والسياسي الذي لابد منه من أجل تحقيق الاستقلال والحرية.
التجزئة الاقتصادية
ليس في كوردستان، اليوم، اقتصاد مشترك، إلا أن هذا لا يمنع قيام اقتصاد موحد لعموم كوردستان. هناك عوامل اقتصادية هامة تقرب من قيام الاقتصاد المشترك والمتكافئ، أهمها وحدة الأرض الكردية (فالحدود المصطنعة لن تبقى الى الأبد بعد مرور مائة عام على اتفاقية سايكس – بيكو  الاستعمارية) ومنها إرادة الشعب الكردي في العيش المشترك ورغبته في بناء مجتمع كردي موحد وقوي، ومنها وفرة الإمكانات المادية ومصادر الطاقة في كوردستان، إضافة الى الطبيعة والخصوبة التي تتميز بها أرض كوردستان وكذلك قوة شعبها من حيث النمو والتكاثر، مع تمتع كوردستان بموقع جغرافي ممتاز… مع بروز اسم الشعب الكوردي في المجتمع الدولي كأهم مكون مقاتل ضد الإرهاب في المنطقة، إلا أن ما يهمنا هنا هو تأثير التباين الاقتصادي الحالي في بقاء الكورد على تخلفهم وتجزئتهم.
يتعلق اقتصاد كوردستان في كل اقليم بطبيعة البنى التحتية لهذا الإقليم وعوامل التمدن والتطور الاقتصادي وبالأخص النوعية الصناعية وطرق الاستثمار الزراعي وتركيب السلطة الاجتماعي ومدى العلاقة بين هذه السلطة والقوى الدولية، كما يحدد نوعية الاقتصاد في كل اقليم مستوى السيطرة والقوة للعلاقات الإقطاعية والعشائرية على الشعب ودرجة نمو الوعي الاجتماعي والوطني، إضافة الى مؤثرات متداخلة ومتعددة…
ولذلك نجد اختلافا في اقتصاديات “أقاليم” كوردستان، لاختلاف البلدان التي تقتسم كوردستان واختلاف اقتصادها، وهذا ما عرقل نمو الحركة الوطنية التحررية للشعب الكردي، وساهم في القضاء على الثورات الكردية باستمرار، وجعل الكورد يتخذون مواقف متناقضة، في مجمل التناقضات الكبيرة التي تتحكم بمصيرهم وحياتهم السياسية. فهل هناك مهزلة أضعف شأنا من وجود قوتين كورديتين متقابلتين على نقطة حدود بين جنوب وغرب كوردستان، ورغم ذلك فإن تصرفهما لا يدعم فكرة وحدة الكورد وإنما على العكس من ذلك؟
إن أعداء كوردستان يسارعون بمجرد اندلاع ثورة كردية الى فرض حصارات اقتصادية حولها، معتمدين على تعاون الدول المجاورة التي تتقاسم معها كوردستان، والحصارات الاقتصادية التي تتطول أحيانا سنين قاسية من الحرمان والجوع لا يستطيع القضاء على الشعب الكردي، ذلك لأن الكورد يسارعون بدورهم الى التعامل الاقتصادي غير الرسمي مع الأقاليم الكردية الأخرى، رغم كل العراقيل ورغم الحدود السياسية المفروضة عليهم والحراسة المشددة لهذه الحدود. ويساهم الشتاء في تسهيل هذا التعامل، حيث تبدو كوردستان في مناطقها الجبلية أثناء الشتاء وأوائل الربيع بلادا شبه موحدة ليس بين أجزائها حدود. فالمخافر في عزلة قاتلة وطرقات تنقل الدوريات الرسمية لا تصلح للسير. وهذا ما دفع الدولة العدوانية التركية الى تجهيز الحدود التي تفصل كوردستان الشمالي عن أجزاء كوردستان الأخرى بشتى أنواع القنابل المتفجرة والألغام وأسلاك الكهرباء والكاشفات التي تجعل الليل نهارا، إضافة الى تعزيز المخافر وأبراج المراقبة بالكثير من الجنود وحرس الحدود والكلاب.
إن التعامل الاقتصادي وحركة العشائر الرعوية عبر الحدود الإيرانية – التركية – العراقية – السورية لم يتوقفا في وقت من الأوقات، رغم كل العوائق التي تعترض الكورد في نضالهم من أجل وحدتهم الاقتصادية.
إن التفكير بإيجاد سوق وطنية كردية لا يقل أهمية عن التفكير في توحيد الفصائل الكردية المسلحة، ومن أجل ذلك يجب بذل جهود مشتركة بغية التقليل من تأثير الحدود السياسية للدول التي تقتسم أرض كوردستان ظلما وعدوانا. 
وقبل كل شيء، يجب الاستفادة من الظروف الدولية والإقليمية السائدة اليوم وإلغاء النقاط الحدودية بين جنوب وغرب كوردستان، مثلما ألغاها تنظيم (داعش) بين العراق وسوريا، فهل يبدو هذا التنظيم الإرهابي الذي نجده متخلفا أجرأ من الكورد في إلغاء (سايكس – بيكو)؟ وهل على الكورد الحفاظ على هذه الحدود  الاستعمارية على الرغم من فقدانها صلاحية استعمالها؟
التجزئة السياسية
تعرضت كوردستان بموجب اتفاقية سايكس – بيكو  الاستعمارية بعد الحرب العالمية الأولى (1914-1918) الى تقسيم جديد، بعد التقسيم العثماني – الفارسي القديم، وذلك حفاظا على مصالح انجلترا وفرنسا  الاستعمارية في المنطقة، وخاصة المصالح البترولية. وهكذا فإن كوردستان أصبحت مجزأة بين كل من تركيا، إيران، العراق، سوريا. ويجدر بالذكر أن الاتفاقية الروسية – التركية قبل سقوط القيصرية الروسية قد أدى الى إلحاق جزء من كوردستان بروسيا التي تحولت فيما بعد الى اتحاد سوفييتي ، ومن ثم الى كومنولث لجمهوريات مستقلة، وبالتالي فإن ذلك الجزء من كوردستان قد تم الحاقهما من قبل أرمينيا وآذربايجان. وليس بخاف على أحد أن هذا التقسيم الرهيب لكوردستان هو انتقام لما بذله الكورد من تضحيات في سبيل طرد الصليبيين من الديار المقدسة تحت قيادة السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي، ولا يغرب عن البال أن الجنرال الفرنسي غورو الذي دخل دمشق لاحتلال سوريا قد زار مرقد السلطان صلاح الدين رحمة الله عليه ليقول كلمته المشهورة: ها نحن قد عدنا يا صلاح الدين.
إن تجزئة كوردستان سياسيا قد ولدت ظروفا قاسية للشعب الكردي، فهو يجابه شوفينيات مختلفة ويخضع لثقافات مختلفة أيضا وتفرض عليه لغات لا تمت الى بعضها بصلة (فارسية آرية، عربية سامية وتركية من العائلة المنغولية) ويرتبط اقتصاديا بنظم متباينة. 
إن هذه التجزئة السياسية لكوردستان كانت وراء تبني فكرة الحكم الذاتي المستوردة أصلا من الأحزاب الشيوعية ووراء كل الأخطاء الاستراتيجية التي وقعت فيها حركتنا التحررية العادلة بعد الحرب العالمية الثانية. ومن جهة أخرى جلبت التجزئة السياسية للكرد مشكلة أخرى، هي أن العالم ينظر الى القضية الكردية في كل بلد على أنها مشكلة داخلية تعني ذلك البلد دون غيره، وهذا واضح من مواقف الدول المختلفة وكذلك موقف الأمم المتحدة أيضا، فهذه المؤسسة أو المنظمة العالمية رفضت، مثلا، رفع الحصار عن كوردستان الجنوبي على الرغم من وجود حكومة كردية فيدرالية فيها وعلى الرغم من كل ما عاناه الكورد على أيدي الحكم العراقي وذلك بحجة أن كوردستان الجنوبي جزء لا يتجزأ من الدولة العراقية. والسبب هو أن قادة الكورد في هذا الجزء ينطلقون في عملهم السياسي من “واقعية سياسية عراقية”، والحفاظ على وحدة العراق بالنسبة لبضعهم أهم من الحفاظ على فكرة الاستقلال الكوردي، وينصح بعض فلاسفة (الإقليمية) الكورد بأن يتأقلموا مع الظروف المستجدة في كل بلد يعيشون فيه، وهذا يعني قبول الاستعمار والظلم والسكوت عن تقطيع أوصال شعب يعتبر من أقدم شعوب الأرض في المنطقة والرضا بتقسيم أرضه كوردستان، أي بجملة واحدة (تكريس تجزئتنا المتعددة الوجوه) وإنكار الحقائق التاريخية التي تقول بأن “كوردستان هو الوطن البدائي والنهائي للشعب الكوردي. كل ذلك لأن الإرادة الملكية الإنجليزية ومصالح الجمهورية الفرنسية قد اقتضت تقسيم كوردستان. 
إن تجزئة كوردستان سياسيا سهلت إخضاع الكورد وامتصاص بترولهم وتسخير أبنائهم في الحروب ومنعهم من ممارسة حقوقهم الإنسانية العادلة. 
لقد جلبت الإمبرياليتان الإنجليزية والفرنسية على جميع أبناء شعبنا عبودية وتأخرا وبعدا عن الحضارة. ومع ذلك نجد بين أبناء الشعب الكردي من يحلم بالحرية والتقدم في أحضان اتفاقية الإنجليز والفرنسيين التي مضى عليها قرن من الزمان.   
التجزئة الكفاحية
الكفاح الذي يخوضه شعب كوردستان من أجل مقاومة الإبادة الجماعية وفي سبيل دحر الظلم ووحدة أرضه والحياة عليها في سلام بين الشعوب المجاورة لايزال كفاحا ممزقا، وذلك بسبب ظروف وأشكال التجزئة التي تطرقنا اليها آنفا، وهو كفاح مجزأ الأهداف، متعدد الأشكال، وممزق القوى، بحيث يبدو دائما أضعف مما يطلبه الوضع الذي عليه كوردستان. فالأهداف الكردية لم تتوحد بعد في هدف واحد، فقد كانت لدى بعض القوى الكردية مجرد التمتع بحقوق قومية وثقافية عادلة (كما هو الحال في الجزء السوري من كوردستان) ولدى بعضها الآخر الحكم الذاتي (كما هو في الجزء الإيراني من كوردستان)، ولدى بعضها حكومة فيدرالية (كما هو في الجزء العراقي من كوردستان)، بينما دعت بعض القوى الكردية الى الكفاح من أجل دولة كوردستانية مستقلة (كما هو الحال في الجزء التركي من كوردستان).
هذا التباين في التكتيكات لم تقنع الأنظمة، التي تسجل في دساتيرها بنودا صريحة تعارض تماما هدف الشعب الكردي في تكوين دولة كردية مستقلة، بأن الكورد يودون العيش ضمن حدود دولها، وقد تسبب هذا التباين في الأهداف للحركة الكردية السياسية ذاتها جملة من العوائق والعراقيل وأضر بعموم الشعب الكردي، وساهم في تعميق التجزئة على مستوى النضال والعمل الكفاحي. وفي هذا الخصوص ذكر الدكتور مظفر بارتوماه (رحمه الله) بأنه لما كان مستشارا للشؤون الكوردية لبني صدر رئيس الجمهورية الإسلامية في إيران سأله آية الله رفسنجاني عما يطلب الكورد فأجاب بأن الأحزاب الكوردية تطلب حكما ذاتيا فقال بأنه لا يصدق ذلك لقناعته بأن جميع الكورد يطلبون دولة كردية مستقلة ولذلك يرفضون منح كورد إيران حكما ذاتيا. وكأنها جريمة لا تغتفر أن يطلب الكورد دولة لهم، في وقت توجد فيه للعرب دول وإمارات متعددة وللفرس والترك وكل شعوب الأرض دولهم وحكوماتهم. وفي الوقت الذي تخفي فيه الأحزاب الوطنية الكردية نواياها وممارساتها، تشهر الأنظمة التركية، العراقية، السورية والإيرانية تعاونها بصدد قمع الحركات الوطنية الكردية. وقد قال رئيس أركان سابق للجيش التركي مؤخرا بأن “تركيا وإيران في حال تعاونهما يمكن لهما منع الكورد من إقامة دولة لهم…!” ولم يقل له أحد من فطاحل السياسة الكوردية: ما تقوله عدوان سافر على حق تقرير المصير لشعبنا.
إذا، لا يمكن لنا أن ننخدع بموقف القبول الكاذب الذي تظهره لجزء دون غيره من كوردستان حكومة من الحكومات التي تقتسم كوردستان، وهو بالتأكيد لزرع المشاكل في دولة مجاورة عن طريق احتواء الفصائل الكردية هناك، أو لمصلحة اقتصادية أو وقتية معينة، فالخلافات بين الدول المقتسمة لا تعني أنها مختلفة على الموقف حيال القضية الكوردية. 
إن شعبنا يدرك جيدا أن تلك الحكومات التي تدعي تعاطفها مع الشعب الكردي، تمارس في نفس الوقت صهر وإذابة الشعب الكردي الموجود تحت سيطرتها. ولقد أكدت تجربة إعلان حكومة فيدرالية في جنوب كوردستان أن الدول المحيطة بها لا تتوانى عن تنفيذ كل الأعمال الإرهابية وفرض الحصارات على شعبها بهدف الإخضاع والإرهاق والإذلال، وكذلك عقد الاجتماعات المشتركة بهدف التوصل الى صيغة للتعاون ضد حكومة جنوب كوردستان الفيدرالية وعزلها وضربها…
وهكذا فإن تجزئة كفاح الشعب الكردي يدمر الحركة السياسية ويهلك القوى المسلحة ويقضي على طاقات الكورد المادية ويضعف الروح المعنوية والاستعداد الذاتي لديهم لخوض كفاح لا يجلب سوى الكوارث والدمار والإبادة الجماعية. إذا لابد من وضع حد لهذه التجزئة التي تفسح المجال لبعض الإنتهازيين لكي يبقوا على نفوذهم بين الشعب الكردي وليس لهم سوى ذريعتين: “الاستفادة من تناقضات الأعداء” و”ضعف قوى الشعب الكوردي”، وفي الحقيقة لا تناقضات جوهرية بين الذين يقتسمون وطننا، وضعف الكورد لا يزول دون تجميع وتوحيد قوى شعبنا وراء قيادة كوردستانية يأتمر بأوامرها جيد كوردستاني… وإن بعض “زعاماتنا” تستر أحيانا بشعارات ومشاريع مزيفة خياناتها ومساوماتها على حركة هذا الشعب الذي بات ألعوبة بيد الأعداء نتيجة هذه السياسات التكتيكية غير الناجحة، فسرعان ما تزول خلافات الدول التي تقتسم كوردستان وتقوم بعقد الاتفاقات التي تقضي على الإنجازات التي حققها الشعب البائس بدماء الألوف من شبابه الثائرين وبدموع وعرق جبين المستضعفين والكادحين في كوردستان.
إن الاحزاب الوطنية التي تقود نضالات جزئية محدودة وشعارات تعرقل النمو العام للعملية الكفاحية في عموم كوردستان، وهذه الأحزاب لا تزال في ذات الأخطاء التي وقعت بذاتها فيها من قبل والتي حذرت هي بنفسها منها في مؤتمراتها ومنشوراتها ومناقشاتها. ولقد آن الأوان لأن تعيد النظر فيما تقوله وفيما تقوم به لأن هدر دم الشعب المظلوم بسياسات غير صحيحة أشد مرارة وقسوة من نيل حقوق يمكن أن تهب رياح عاتية عليها فتزيلها.
نجد أن التجزئة في كوردستان عامة وشاملة ومتداخلة وليس للعاقل إلا أن يبحث عن الدواء لهذه التجزئة. والدواء ليس إلا الوحدة، فالوحدة هي ضد التجزئة والوحدة تعني أولا وحدة الهدف، ثم وحدة القوى، وأخيرا وحدة الأساليب التي يمكن بها تحقيق الهدف العام… وذلك على أساس احترام كافة الأجزاء التي تتكون منها الوحدة الوطنية، مهما كانت صغيرة وبسيطة. نعم إن بديل التجزئة هو اتحاد القوى السياسية الكردية ضمن جبهة كوردستانية شاملة أومجلس وطني كوردستاني من أجل تحقيق هدف إنقاذ الشعب الكردي من الإبادة وتحقيق وحدة أرضه وبناء دولته الكوردستانية المستقلة، وذلك باستخدام استراتيجية موحدة.
إن القضاء على أسباب التجزئة في كوردستان سيتحقق، إذا ما أبدت قوى الشعب الكردي استعدادها للتفاهم فيما بينها، كما تبدي استعدادها للتفاهم والتجاوب مع القوى التي لا علاقة لها بكوردستان أو كما تستطيع التوصل الى الاتفاق مع الدول التي تقتسم كوردستان، بل الارتباط بها ارتباطا تبعيا.
ليست المسألة صعبة كما يتصورها بعضهم، ويكفي أن تتوحد إرادة الاتحاد وتنعقد النية على تجاوز الخلافات الجانبية ويشعر الجميع بالمسؤولية التاريخية تجاه الشعب الكوردستاني كله وليس تجاه جزء منه أو تجاه أقل من جزء، حزبا كان أو عشيرة أو مذهبا…
وكما أن التجزئة في كوردستان هي السبب في كثير من المشاكل العالقة، فإن تخلف الحركة السياسية الكردية هو انعكاس للواقع الذي عليه شعب كوردستان ومجتمع الكرد.
التجزئة والتخلف هما مرضا كوردستان.  وبالوحدة والعمل من أجل تطوير أسلوب العمل السياسي والكفاحي في كوردستان يمكن القضاء على التخلف لدى القوى الوطنية، التي لا يمكن لها أن تحرر كوردستان من تخلفها دون أن تتجاوز بنفسها نقاط ضعف وتخلف عملها الذي تعمله.
‏09‏ أيار‏، 2016

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صدرت للكاتب والباحث د. محمود عباس مؤخراً ثلاثة كتب جديدة، وبطباعة فاخرة، ضمن سلسلة مخطوطاته التي تتجاوز الأربعين كتابًا، متناولةً القضايا الكوردية من مختلف جوانبها: النضال السياسي، والمواجهة مع الإرهاب، والتمسك بالهوية الثقافية. تُعدّ هذه الإصدارات شهادة حيّة على مسيرة د. عباس، الذي يكتب منذ أكثر من ربع قرن بشكل شبه يومي، بثلاث لغات: العربية، الكردية، والإنجليزية. إصدارات الدكتور محمود…

اكرم حسين تستند الشعبوية في خطابها على المشاعر والعواطف الجماهيرية، بدلًا من العقلانية والتخطيط، حيث أصبحت ظاهرة منتشرة في الحالة الكردية السورية، وتتجلى في الخطاب السياسي الذي يفضل دغدغة المشاعر الجماهيرية واستخدام شعارات براقة، ووعود كاذبة بتحقيق طموحات غير واقعية، بدلاً من تقديم برامج عملية لحل المشكلات المستعصية التي تعاني منها المناطق الكردية. إن تفاقم الاوضاع الاقتصادية وانتشار الفقروالبطالة، يدفع…

خالد حسو عفرين وريفها، تلك البقعة التي كانت دائمًا قلب كوردستان النابض، هي اليوم جرحٌ عميق ينزف، لكنها ستبقى شاهدة على تاريخٍ لا يُنسى. لا نقول “عفرين أولاً” عبثًا اليوم، بل لأن ما حدث لها، وما يزال يحدث، يضعها في مقدمة الذاكرة الكوردية. لماذا عفرين الآن؟ لأن عفرين ليست مجرد مدينة؛ هي الرئة التي تتنفس بها كوردستان، والعروس التي تتوج…

خليل مصطفى ما تُظهرهُ حالياً جماعة المُعارضة السورية (وأعني جماعات ائتلاف المُعارضة المُتحالفين مع النظام التركي) من أقوال وأفعال مُعادية ضد أخوتهم السوريين في شمال شرق سوريا، لهي دليل على غباوتهم وجهالتهم ونتانة بعدهم عن تعاليم وتوجيهات دين الله تعالى (الإسلام).؟! فلو أنهُم كانوا يُؤمنون بالله الذي خالقهُم وخالق شعوب شمال شرق سوريا، لالتزموا بأقواله تعالى: 1 ــ (تعاونوا على…