المعارضة السورية وترمومتر القضية الكردية

 المحامي مصطفى أوسو
  عندما ثار الشعب السوري على نظام الأسد وزمرته الحاكمة، قبل خمس سنوات من الآن، كان هدفه الأساسي القضاء على الاستبداد وركائزه وبناه ( التنظيمية، السياسية، الفكرية، الأمنية والعسكرية )، والتأسيس لدولة ديمقراطية تعددية، تحقق المساواة بين مواطنيها على اختلاف انتماءاتهم القومية والدينية والطائفية، وتحترم خصوصياتهم وتضمن حقوقهم وحرياتهم.
  وإذا استثنينا فترة المظاهرات السلمية، التي الشباب الثوري المؤمن بالحرية والديمقراطية، وتميزت بالالتفاف الجماهيري الواسع حولها من كافة المكونات السورية، لأنها عبرت بهتافاتها وشعاراتها عن روح الثورة وأهدافها، وعن خصوصية المجتمع السوري وتنوعه ووحدته في وجه الظلم والاستبداد،
فإن المراحل التالية، التي تصدر مشهدها، العسكر والمعارضة السياسية التقليدية، شهدت نكوصاً جماهيراً عنها، مصحوباً بالانقسام المجتمعي والتقوقع، بسبب عجزها على التعبير عن جوهر الثورة في ممارساتها وسياساتها وبرامجها، وتمترسها خلف المفاهيم والأفكار العنصرية البالية التي ورثوها عن حزب البعث ومنظريه الشوفينيين، سواء في فترة تأسيس أول جسم سياسي للمعارضة ” المجلس الوطني السوري ” أو في فترة ولادة ” الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية “، وما رافق ذلك من اجتماعات ومؤتمرات عقدت في العديد من العواصم العربية والإقليمية والدولية ” القاهرة، موسكو، الاستانة… ” أو في الفترة الأخيرة بعد انعقاد ” الاجتماع الموسع للمعارضة السوية في الرياض “، ومخرجاته من ” هيئة عليا ووفد للتفاوض ” وبيان ختامي صاغ الخطوط الرئيسية لسوريا المستقبل، حيث فشلت في جميع محطاتها، انتاج خطاب إعلامي وتبني رؤية سياسية واضحة حول مختلف القضايا السورية، تُطمئن كل مكونات المجتمع، وخاصة بالنسبة القضية الكردية، لا بل أنها انحدرت لتصل مؤخراً حد إهانة العديد من رموز المعارضة للكرد، واعتبارهم إسرائيل الثانية، ما يستوجب بنظرهم محاربتهم، وحتى إبادتهم أيضاً، كما يحصل الآن في حي الشيخ مقصود ذي الغالبية الكردي في حلب، حيث تقوم جبهة النصرة وجيش الإسلام بمهاجمته وقصف المدنيين بشكل عشوائي بمختلف أنواع الأسلحة، بما فيها المحرمة دولياً.
  أن القضية الكردية، التي تعتبر جزء من قضية الديمقراطية في البلاد، تصلح في الحقيقة أن تكون ترمومتر لقياس مدى التزام المعارضة وتبنيها مبادىء وأهداف الثورة، وخاصة في هذه المرحلة المتميزة بالنشاط الدبلوماسي الدولي لحل الأزمة السورية وتحديد ملامح سوريا الجديدة، لكن وللأسف الشديد كما أسلفنا، فإنها – المعارضة – لا تزال تتجاهلها كقضية شعب له خصائصه القومية المميزة، وتعرض بسبب ذلك منذ نشوء الدولة السورية وحتى الآن، لسياسة الظلم والاضطهاد والصهر القومي والتهميش والحرمان من ممارسة جميع حقوقه، بما في ذلك الحقوق الإنسانية، وتصر على التعامل معها كتابو محرم،لا يجوز تناولها ألا على أساس حق المواطنة، وتتذرع بضرورة تأجيل مناقشتها إلى حين زوال نظام الاستبداد وإسقاطه، ما يثير مخاوف جدية من أن تؤدي هذه العقلية الإلغائية مستقبلاً إلى إعادة انتاج الاستبداد، من خلال صناديق الاقتراع، خاصة في ظل غياب حالة التوافق على مثل هذه القضايا المصيرية، وعدم وجود ضمانات في وثائق الحل السياسي.
  ونحن نمر بهذه اللحظات الفارقة في تاريخ سوريا، وكاستحقاق تاريخي لا بد منه، على المعارضة إجراء مراجعة نقدية شاملة لمختلف جوانب أدائها ومواقفها وسياساتها السابقة، والعمل على صياغتها من جديد، بما يتناغم مع مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها، ويتناسب مع نضالات الشعب السوري وحجم تضحياته الجسام، وينسجم مع واقع المجتمع السوري المتعدد، ويحقق استقراره وتطوره وازدهاره.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…