النقطة المشتركة بين جميع الساسة والمحللين هي أن المنطقة مقبلة على تحولات جذرية كبرى وأن خارطتها ستتغير وكردستان في القلب منها ومايبشر بالخير أن كردستان تقف في مقدمة صفوف التصدي للارهاب وفي جبهة القوى العالمية الحرة وللبحث في تفاصيل هذه المسائل نتوجه الى السياسي الكردي صلاح بدرالدين في لقاء خاص:
*تمر منطقة الشرق الأوسط بأوضاع حرجة و معقدة و تحولات سريعة ، و يشكّل الكورد بين هذه المعادلة الصعبة عنصرا رئيساً، حيث توفرت له فرصة كبيرة و في الوقت ذاته يواجه مجموعة من التحديات، ماهي قراءتكم لموقع الكورد من بين هذه المعادلة المعقدة للشرق الأوسط؟
-اندلاع ثورات الربيع في بلدان الشرق الأوسط تحت شعارات الحرية والكرامة وضد أنظمة الاستبداد منذ نحو خمسة أعوام والتي اعتبرت كموجة ثورية تغييرية ثالثة في حركات التحرر الوطني لشعوب المنطقة بعد موجتي كل من الثورة على الامبراطورية العثمانية بالقرن التاسع عشر وعلى الكولونيالية الغربية بداية القرن العشرين نقول أنها أفرزت من جديد قضايا الصراع بين الشعوب وأعدائها
وكما نرى فان القوى المناوئة للتغيير الديموقراطي واعادة بناء الدول على أسس مدنية عادلة اصطفت في محور مواجه كما أن جماعات الاسلام السياسي الارهابية وبمختلف أطيافها ومذاهبها انضمت الى صف الثورة المضادة وبذلك توسعت المواجهات وتضاعف منسوب الابادة والدمار وتحولت بلدان الشرق الأوسط الى ساحة لتصفية الحسابات والحرب بالوكالة ولاشك أن الكرد كشعب مكافح من أجل الحرية ومقسم بين بلدان أربعة وفي هذا المشهد البالغ التعقيد وانعدام السلم والاستقرارسيكون أحد المتضررين بل المهددين وهنا أريد التأكيد بأنني لست متشائما ولكنني أختلف مع المغالين بالتفاؤل على اساس المشاعر والعواطف.
نعم الكرد كشعب يرنو الى الخلاص يشكل بشريا العنصر القومي الرابع الأساسي بعد العرب والترك والايرانيين ويقيم في أجزاء وطنه العائم على بحر من النفط وكميات هائلة من الغاز والغني بالموارد المائية والانتاج الزراعي والموقع الجيوسياسي الاستراتيجي ولكنه بالوقت ذاته يفتقر الى الشروط الذاتية والموضوعية للقيام بدوره الطبيعي في انتزاع حق تقرير المصير وبناء دولته الكردستانية الواحدة لأسباب عديدة وتحديات لاتحصى ومن أبرزها :
أولا – التباين الاجتماعي والاختلاف الثقافي بين الكرد الموزعين في بلدان أربعة وتأثرهم بالقوميات السائدة الحاكمة الأكثر عددا والمهيمنة على كل مناحي الحياة ومنذ قرون من تقسيم كردستان في مرحلتيه الأولى والثانية قد دشن طريقا جديدا في كيفية حل القضية الكردية واذا كانت شعارات حركة التحرر القومي الكردي منذ اواخر القرن التاسع عشر كانت تتأطر في تحرير وتوحيد كردستان والحل القومي وكانت لدينا حركات قومية مركزية مثل – خويبون – وانتفاضات ضد العثمانيين يشارك فيها كرد تركيا والعراق وسوريا وايران فالآن ونحن على عتبة العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين نطالب بالحل الوطني الديموقراطي للقضية الكردية داخل بلداننا وعلى اساس التوافق والتراضي مع شركائنا العرب والترك والايرانيين ولنا في كل جزء عشرات الأحزاب المتنافرة .
ثانيا – في ظل ذلك المشهد الواقعي الذي أشرنا اليه ليس هناك مركز قومي مقبول ومعترف به من كل الأطراف وينعدم أدنى درجات التنسيق بين المراكز الحزبية في الأجزاء الأربعة بل هناك أحزاب تتآمر على أخرى وتتعاون مع أعداء الكرد .
ثالثا – هناك أزمة في مسألة القرار الوطني الكردي المستقل وتحولت غالبية الأحزاب الى موضع تجاذب واستغلال واستخدام من جانب الأنظمة الغاصبة لكردستان وهي جميعها مستبدة وشوفينية .
رابعا – هناك أزمة في الفكر والوعي فعلى سبيل المثال مازالت أوساطا واسعة من المثقفين والاعلاميين الكرد يعجزون عن تعريف (حركة التحرر الوطني الكردستانية) اذ مازالوا يعتبرونها أحزابا فقط كما في مقاييس وتعريفات قبل عقود بل قرن من الزمان في حين أن الحركة واسعة وتشمل مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية وهناك قطاع واسع من المستقلين ومنظمات المجتمع المدني وحركات الشباب وهناك بالوقت ذاته مصالح ومواقف متعارضة ومتشابكة بمعنى أن ليس بالضرورة أن تكون مواقف الأحزاب سليمة ولاتشوبها شائبة .
*يبذل السيد مسعود بارزاني الآن قصارى جهده و في هذه الظروف الحساسة من اجل ان تستفيد الالقضية الكوردية في اجزاء كوردستان الاربعة من تحولات الشرق الأوسط، حيث طرح لكل جزء منها خارطة طريق، ما مدى اهمية ان يلتف الكورد في هذه الأجزاء حول ستراتيجية السيد مسعود بارزاني؟ وماهو تقييمكم الشخصي حول قيادة الرئيس البارزاني في هذه المرحلة الحساسة؟
– منذ عقود وتحديدا بعد اندلاع ثورة ايلول التحررية في كردستان العراق وبعد نشوب الصراعات وتدخلات الأنظمة الاقليمية كان تشخيصنا من ذلك الحين خاصة بعد تواصلنا المباشر وزياراتنا المتكررة الى مناطق الثورة المحررة وقائدها منذ عام 1967 ينطلق من رؤية واضحة وهي أن الحركة التحررية الكردستانية بصورة عامة يتنازعها تياران سياسيان الأول قومي ديموقراطي يعبر عن مصالح الكرد ويسعى الى حل القضية الكردية عبر الحوار السلمي على أساس حق تقرير المصير حسب ارادة الكرد باختيار صيغة بحريته وفي اطار النظم الديموقراطية، متمسك بالصداقة مع الشعوب والعيش المشترك يميل الى الاعتدال ويقوده القائد الخالد مصطفى بارزاني وتيار آخر مغامر غير محصن لا قوميا ولا وطنيا يرتبط بالأنظمة المستبدة المقسمة للكرد ويحمل أجندتها يتمايل بين التطرف والمساومة والانتهازية يفتقر الى الصدقية والأمان وكما أرى فان تشخيصنا السابق مازال يحتفظ بصحته بالرغم من اتخاذ التيار المغامر اشكالا جديدة ولكن من دون أي تبدل بالمضمون.
من الواضح أن الأخ مسعود بارزاني رئيس الاقليم هو من يمثل ذلك النهج القومي الكردستاني الديموقراطي وحامل مشعله جامعا بين الشرعيتين القومية التاريخية والثورية اضافة الى التخويل القانوني بانتخابه من شعب كردستان العراق في الحقبة المعاصرة وبالرغم من أن الأخ مسعود ينأى بنفسه عن التدخل بشؤون الأجزاء الأخرى بل يقدم كل الامكانيات للأشقاء بسخاء من أجل انتزاع الحقوق وتحقيق الالفة والتعايش والسلام بين المختلفين الا أنني أرى ومن أجل تخفيف العبىء عن كاهل الرئيس وتحقيق مانصبو اليه جميعا في تذليل العقبات على طريق التعاون الكردي الكردي أن يتم دعم واسناد الرئيس في الاقليم من جانب كل القوى والأطياف ووقف كل المحاولات الانقسامية والكف عن حمل أجندة الأطراف الاقليمية والوقوف صفا واحدا تجاه القضايا المثارة والحفاظ على المكاسب والانجازات وخاصة الوضع الفدرالي وأن يبادر كرد الأجزاء الأخرى في ترتيب البيت الداخلي وحل مشاكلها الخاصة ومد يد العون والتعاون الى قيادة الاقليم ورئيسه .
* تلعب ايران في هذه المعادلة المعقدة دورا سيئا ولكن لها ايضا دور كبير جداً لتوسيع المد الشيعي و كذلك لدعم حكومتي بغداد و دمشق، و في الوقت ذاته تعرب علنا عن معاداتها لأستقلال كوردستان، تُرى الى متى تستمر ايران على دورها التخريبي هذا؟
– يشكل نظام جمهورية ايران الاسلامية الطرف الأكثر خطورة في محور الممانعة الذي يتكون منه ومن نظام الأسد والطغمة الحاكمة في موسكو ومراكز مذهبية في الحكومات العراقية المتعاقبة وتوابعها من حزب الله اللبناني والميليشيات الأخرى وكما هو معروف فقد كان ومازال هذا المحور بمثابة رأس الحربة في مواجهة ثورات الربيع وضد التغيير الديموقراطي والتنظيم الدولتي ومع الارهاب والفوضى والفتنة ويلعب نظام طهران دورا مخربا على الصعيد الكردي فهو يقف وراء جماعات الشيعية السياسية وميليشياتها في مركز بغداد للتضييق على رئاسة الاقليم والحصار والابتزازوالتدخل في الشؤون الداخلية للاقليم ودفع بعض الأطراف لتأزيم الأوضاع والتخريب على مكاسب شعب كردستان العراق والأخطر من هذا وذاك اعتماد نظام طهران على جماعات – ب ك ك – ودفعها لاثارة الفتنة والانقسام في الصف الكردي في كل مكان أما الى متى ستستمر سياساته الهدامة فأرى الى حين تمكن شعوب ايران من اسقاط نظامه التيوقراطي – العسكري – الأمني المعادي لتطلعات شعوب ايران والمنطقة.
* لقد تم تهميش الكورد تماماً في بغداد عند اعلان ما يسمى بالتشكيلة الحكومية التكنوقراطية، وقد تم خرق كل بنود الدستور العراقي والتي تنص على التعايش و حكومة الشراكة الوطنية، وبعد هذا الحدث ألم يحن الوقت للأنسحاب الكورد التام من بغداد؟ و رغم هذا الواقع لو بقي الكورد في بغداد ماهو تحليلكم كسياسي لهذا الوضع؟
– كتبت مقالة قبل نحو عامين بعد تمادي حكومة المالكي تجاه حقوق شعب كردستان تحت عنوان : ” انفصالية المركز ووحدوية الأطراف … العراق نموذجا ” ذكرت فيها كيف أن المركز يدفع باتجاه عزل كردستان في حين يستمر الكرد بالتمسك بالاتحاد ومبادىء الدستور والاتفاق ولاأستبعد أن تكون الخطوة الأخيرة من جانب حكومة العبادي تجاه الاقليم استجابة لطلب أوساط الجنرال قاسم سليماني بغية دفع قيادة اقليم كردستان لاتخاذ خطوات مقابلة عبر ردود فعل غير مدروسة ومن ثم توريط شعب وقيادة الاقليم في الوصول الى مواقع غير محمودة العواقب خاصة بعد تسرب أنباء عن مخططات تحضر لها لتفجير داخلي يشترك فيها أكثر من طرف كردي وخارجي لذلك وكماأرى من الأنسب تمسك الاقليم بالاتحاد والعيش المشترك في هذه المرحلة والتعاون مع القوى الديموقراطية العراقية وأطراف العملية السياسية لانقاذ العراق من هيمنة ايران والقوى المذهبية الانقسامية والالتفات أكثر الى تعزيز الأمن والاستقرار داخل الاقليم والمضي في عملية ترتيب البيت الكردستاني واجراء الاصلاحات التي طرحها ويرعاها رئيس الاقليم .
* لقد اثبتت الأطراف و الأحزاب الشيعية العراقية انها لاتختلف عن الأنظمة العراقية السابقة في تعاملها مع الكورد، وقد وجه نواب عن التيار الصدري كلاماً استفزازيا للنساء الأزديات في البرلمان العراقي، هل من الممكن التفكير مرة أخرى بالتحالف مع شيعة العراق؟
– أعتقد يجب التفريق بين قيادات ومسؤولي الأحزاب والجماعات الشيعية وبين قواعدها أو الجمهور الشيعي العام خاصة وأن معظم تلك القيادات من انتاج المخابرات الايرانية ومكتب قاسم سليماني المنوط بملف العراق أو تغيروا نحو الأسوأ بعد استغلال السلطة وتبوئها أما الجمهور الشيعي فهو أيضا مسحوق ويعاني من الاستغلال وليس هناك عداوة بين الكرد من جهة والشيعة ولا السنة من الجهة الأخرى لافي القديم ولافي التاريخ الحديث موضوع الكرد يندرج في الاطار القومي وليس المذهبي خاصة وأن بين الكرد على الصعيد الديني والمذهبي مسلمون ومسيحييون وأزيدييون وسنة وشيعة وعلوييون .
* يبدو ان هناك جهات على صعيد كوردستان تعادي استقلال كوردستان و شخص الرئيس البارزاني نيابة عن ايران، ولم تقم هذه الجهات بأخفاء هذا العداء، حيث يقول بعض من قادة هذه الأحزاب بأن الوقت غير مناسب لأعلان الأستقلال و من الأفضل البقاء مع العراق، السوآل هو: لقد قامت بغداد بطرد الكورد، اذاً ماهو جوابهم للناس؟
– كل من يعادي السيد الرئيس مسعود بارزاني بما يتمتع به من مسؤوليات قومية ووطنية ودستورية ومن محبة واحترام غالبية كرد العالم وما يحمل من مبادىء نبيلة بدفع من الأطراف الخارجية يعتبر خارجا على قومه وشعبه وعلى دستور الاقليم وقوانينه أما مسألة الموقف السياسي من اعلان استقلال كردستان فأمر آخر حيث هناك من يؤمن بالاستقلال وبحق تقرير المصير من حيث المبدأ ويرى في الوقت ذاته ويجتهد أن الظروف لم تنضج بعد وهناك من يرى غير ذلك في هذه الحالة يجب احترام مواقف الفريقين انطلاقا من المفاهيم الديموقراطية وحول هذا الموضوع فان السيد رئيس الاقليم نفسه لايدعو الى اعلان الاستقلال على الفور بل يدعو الى استفتاء شعب كردستان للاستمزاج برأي الغالبية والالتزام به أما تحقيق ذلك على أرض الواقع وتوقيته فعائد الى حكمة وتقدير قيادة الاقليم لكل الظروف المحيطة .
* يلعب حزب العمال الكوردستاني كأداة بيد ايران دورا مخرباً في اجزاء كوردستان الأربعة ، و كما ترون لقد اشعلت حربا في الشمال تلبية لرغبة ايران حيث الحقت فيها خسارة كبيرة بالثورة، و في غرب كوردستان يقوم ( بيدة) بتنفيذ سياسة العمال الكوردستاني ذاتها، و تحولت الى دكتاتور و لاتسمح لأي جهة سياسية في الغرب للعودة، و تمنع البيشمركة من العودة الى شرق كوردستان لخوض نضالهم المسلح، أما في الجنوب فإنه ومن دون الأستحياء يدعم بغداد و الحشد الشعبي، حيث يريد تارة انشاء اقليم في شنكال ، و تارة اخرى في رانية و قلعة دزة و كرميان، كيف تنظرون الى سياسة هذا الحزب، وهل تتفق هذه السياسة مع ستراتيجية حركة التحرر الكوردستانية؟
– أرى أن حزب – ب ك ك – وتوابعه بكل مسمياتها وخاصة في كردستان سوريا يشكل الطرف الأساسي في هذه المرحلة من التيار المغامر في الحركة الكردية الذي أشرنا اليه أعلاه وتحول نهائيا الى أداة طيعة بأيدي فيلق القدس ومسؤوله الجنرال سليماني ويقدم خدماته باسم – ب ي د – لنظام الأسد منذ أكثر من أربعة أعوام بما في ذلك تقسيم وشرذمة المكون الكردي وعزل الكرد عن ثورتهم الوطنية والتسلط العسكري على معظم المناطق الكردية عبر التسليم والاستلام وتهجير الكرد من مناطقهم وممارسة التطهير الحزبي ورفض المخالف الى درجة التصفية وليس خافيا أن هذا الحزب بدأ يتدخل في شؤون اقليم كردستان للاجهاز على المكاسب واثارة الفتن والتعاون مع أعداء شعب كردستان وفي هذا المجال لابد من اعادة النظر سياسيا واعلاميا من جانب مؤسسات الاقليم حول تعريف وتشخيص ممارسات هذا الحزب الهدامة لأننا مازلنا نرى بعض وسائل الاعلام المحسوبة على السلطة مازالت بوقا يروج لأخبار وتحركات ذلك الحزب كما أن هناك من يتعامل تجاريا مع جماعات تابعة لذلك الحزب وأقترح هنا تطبيق قرار رئيس الاقليم حول النزاهة والاصلاح والمحاسبة على هذه المسألة .
* ما يدعو الى التأمل و التوقف هو ان اسرائيل ترى من الضرورة انشاء دولة كوردستان من اجل استقرار الشرق الأوسط ما بعد داعش، وقد اعلنتها بصراحة، كيف تقيّم هذا الموقف من اسرائيل حول انشاء دولة كوردستان المستقلة؟
– لسنا بحاجة الى انتظار رغبات الآخرين في انتزاع حقنا المشروع في تقرير المصير فالكرد أدرى بشعاب وطنهم أما اسرائيل فلتعلن ذلك كل يوم وان كانت فعلا حريصة على حق الشعوب فلتعمل على ايجاد حل عادل للشعب الفلسطيني الذي يرزح تحت نير الاحتلال كماأرى فان اسرائيل معروفة جدا بالتعلق بمصالحها وهي ترغب في ايجاد من يتحمل بعض العبىء لمواجهة العرب منذ مرحلة – بن غوريون – ونحن ككرد لنا مصالحنا القومية أيضا ومن أبرزها التمتع بحريتنا كمانريد والصداقة مع أكثر من 360 مليون عربي وليس معاداتهم فلدى اسرائيل سلاح نووي وأهم قوة عسكرية في المنطقة تستقوي بها وتتصرف على ضوئها .
* – نص اللقاء مع مجلة – كولان – التي تصدر بالكردية في اربيل .