رفقا بالفيدرالية؟؟!!

المحامي محمود عمر
الكرد هذه الايام ـ صغارا وكبارا، مثقفين وساسة، أحزاب وجمعيات ـ منشغلين بموضوعة الفيدرالية، تعقد حولها الندوات وحلقات النقاش، يتبارى الكل في مداخلات حولها ،وأصبح لها في واقعنا الكردي العشرات من التعاريف والاستطالات والذيول، أقحمناها في التاريخ، والجغرافيا ،والثقافة، والسياسة، وأصبحت لها في قاموسنا الكردي دلالات و معاني ما أنزل الله بها من سلطان ،ولم ينبئنا بها فقهاء القانون والدستور ،أو تجارب الشعوب التي تعايشت معها وتقبلتها كشكل للدولة واسلوب للحكم والحياة .
يكتب ـ للحركة الوطنية الكردية في سوريا وعلى مدى عدت عقود مضت من عمرها ـ بأن مطالبها حول حقوق الشعب الكردي  تأصلت وطنيا: في الدعوى  للحريات الديمقراطية واحترام حقوق الانسان ، وكرديا: في رفع الاضطهاد القومي عن كاهل الشعب الكردي ،والحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي ،وفق العهود و المواثيق الدولية، وفي اطار وحدة البلاد .
ومن أجل هذه  المطالب العادلة دفع الكرد الغالي والنفيس ثمنا لها، في رحلة نضالهم الطويل  استشهدوا، وهجروا، وسجنوا، وطبق بحقهم مشاريع عنصرية وشوفينية، قل مثيلاتها في العالم ، ولكنها ـ أي هذه المطالب ونظرا لمشروعيتها وواقعية الطرح الكردي وانسانيته ـ  أصبحت ارثا نضاليا وطنيا يتباهى بها فضلا عن الكرد كل السوريين المتحررين من عقلية الاستبداد والشوفينية .
لماذا ….؟؟!! لان الكرد في سوريا وعبر حركتهم  الوطنية اختاروا ومنذ البداية طريق النضال السياسي الديمقراطي السلمي وسيلة  وسبيلا لتحقيق  حقوقهم ،وذلك عبر سياسة  قوة المنطق ، ومشروعية الحقوق وعدالتها، ولم ينحازوا يوما رغم كل الفتن والمؤامرات الى منطق القوة وفوهة البندقية، هذه  التي كانت وحتى وقت قريب شعارا لحركات التحرر في العالم أجمع، ولكن وبعد ردحا من الزمن، وانهارا من الدماء والمآسي، ترك أصحاب البندقية بنادقهم وانحازوا الى الاسلوب السلمي الذي اختاره الكرد السوريين ابتداءا سبيلا لتحقيق مطالبهم  ،وأصبح  كل من يأبى ترك حملها لا يحظى ـ وعلى اقل تقدير ـ باحترام ومحبة الغير، لان اسلوب العنف في حل القضايا قد اصبح ممجوجا وخاصة في ظل توافر وسائل اخرى للمطالبة بالحقوق.
يدرك الكرد السوريين بان سوريا على مفترق طرق وانهم ان لم يستغلوا هذه الفرصة السانحة فانها قد لا تتكرر حتى بعد مائة عام لذلك تراهم على عجالة من أمرهم  كل ذلك أملا في عدم الوقوع في أفخاخ الماضي وغدره مرة اخرى هم يتذكرون  كيف أدار العالم  ظهره لمطالبهم في لوزان في ظل ظروف مضطربة عاشها العالم حينئذ  ،وتوافقوا بعد صولات وجولات على رسم الخرائط  وفقا لمصالح القوى الكبرى  ودون ان يكون للكرد في الخرائط اي نصيب في تلك الخرائط ، لذلك  ـ وفي ظل غياب الثقة من القريب والبعيد ـ تضطرب مطالبهم هنا وهناك ، لذلك فهم يرون بأن الفيدرالية ان اقرت فهي العقدة والضمانة  لحقوقهم التي لن يتمكن احد من  التراجع عنها وخاصة ان كانت بضمانات دولية والا فان القطار سيفوتهم هذه المرة ايضا.
مما هو ظاهر للعيان ان القوى العظمى توافقت  على ضرورة الحل السياسي للصراع السوري بعد كل هذا الدمار والويلات عبر ارغام الفرقاء على التفاوض ،ولم يأتي هذا التوافق الا للتخلص من الارهاب وتوحيد الجهود لمواجهته وتجفيف منابعه ليس الا ، اذا المهم هو تحقيق هذا الهدف اما كيفية الاتفاق على التفاصيل  فربما يتركها العالم للسوريين ويأتي تدخل القوى الكبرى عبر المبعوث الدولي دائما  لفك العقد وتذكير الجميع بان هناك مخططا مرسوما ومتوافقا عليه  في خطوطه العريضة لا يمكن لاحد ان يتجاوزه .
ان المطالب الكردية مهما كانت بسيطة فهو  يتناقض في جوهره  مع عقلية شمولية استبدادية عابرة للتاريخ والجغرافية والسياسة وهذه  موزعة بين الموالاة والمعارضة اعتادت على عدم قبول الاخر المختلف وتخوينه و هي على استعداد لقبول اي شيء وخسارة الغالي والنفيس المهم ان تبقى في برجها  الهلامي في نفي الاخر ،وهنا تكمن صعوبة الطرح ـ الفيدرالي ـ الكردي وتوتره واضطرابه وتشتته على المحاور.
 ربما يراهن الكرد ـ وامام هذه اللوحة المعقدة ـ على خيارين الاول ان طرحهم الفيدرالي لا يتناقض بالأساس مع المخطط المرسوم المتوافق عليه والذي يكفل مصالح الجميع   في جسد موحد شكلا ومجزأ بالمضمون ،وان كل ما يتم في جنيف من مفاوضات هو تحصيل حاصل وان هذا  المخطط سينفذ شاء من شاء وأبى من أبى وانه امام موقف القوة هذه سيضطر أصحاب الفكر الشوفيني على اتجرع العلقم وقبول الواقع وربما  لذلك يبعث الينا ممثلونا  من هناك اشارت ورسائل ايجابية ومطمئنة ، أما الخيار الكردي الآخر الذي يرسم سياساته ومواقفه بناءا على الوقائع على الارض فإنه قد استبق الامور بطرحه ومشروعه  الفيدرالي  قائلا بأنه في حل من أية نتائج تتمخض عنها المفاوضات على اعتبار عدم دعوته ومشاركته فيها  وان الحل بيد من يملك القوة على الارض وان ما طرحوهم من مشروع فيدرالي مناسي لكل السوريين .
بين هذين الخيارين ما زال هناك بعض الوقت  والفرصة ما زالت سانحة حتى يتوافق الكرد على مشروع واحد يجمع شملهم ويحظى بقبول واحترام الجميع يأخذ هذا المشروع خطوطه العريضة مما توافق عليه الكرد في  برامجهم السياسية منذ عقود خلت وأصبحت وكما قلنا أصبحت جزءا من الارث النضالي الوطني السوري العام ولا ضير في تذكير شركائنا بما اتفقنا عليه وقبل كل هذه الاحداث في( اعلان دمشق) حول ضرورة الحل الوطني للقضية الكردية كقضية وطنية بامتياز هذه الوثيقة التي ستظل انتصارا للإرادة الوطنية السورية الحرة وستظل انتصارا للحركة الكردية في سوريا ومشروعية مطالبها ، المهم ان تتوفر الارادة وان يترفع الكل عن أناه ومصالحه الضيقة حتى لا تفوت الفرصة وكي لا تبق القضية الكردية في سوريا ـ ربما كما هو مرسوم لها ـ في المستقبل عصا معلقة  بيد الغير يستخدمها ويلوح بها يمنة ويسرة ووفق مصالحه ككل مرة، حينها لن نحقق شيئا من مطالبنا المشروعة أو من مطلبنا  الفيدرالي، وحينها فقط لن يرحمنا التاريخ وستصيبنا لعنة الأجيال القادمة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…