الفدرالية بين الواقع والقانون – سوريا

زيد سفوك 
النظام الفدرالي هو نظام سياسي ضمن أطار دستوري يضمن تقسيم الحكم السياسي بين المستويات السياسية المختلفة (مركزي وإقليمي)ً وهي اتحاد اختياري بين ولايات أو دول أو أقاليم، تختلف قومياً أو عرقياً أو ديانة أو لغة أو ثقافة، حتى تتحول إلى شخصية قانونية واحدة أو نظام سياسي واحد، مع احتفاظ أجزاء هذه الشخصية المتحدة بخصوصيتها وهويتها، ويوجد تفويض للكيان المركزي للاتحاد بالبعض من الصلاحيات المشتركة، مع الاحتفاظ ببعض الصلاحيات لهذه الأقاليم أو الولايات. بما يعني توافر الاستقلال الذاتي للولايات أو الأقاليم المكونة للاتحاد، ولهذا أهم ما تتميز به الدول الفيدرالية أو الاتحادات الفيدرالية هو الاستقلال الذاتي لكل ولاية أو دولة مشتركة في الاتحاد.
لكن التفسير الرائج للفدرالية والأقرب للواقع هو ان مصطلح “الفدرالية ” هو يعنى ” الدولة الاتحادية” أو “الدولة التعاهدية ” والمعنى الأقرب هو الولايات المتحدة؛ لأن مصطلح المدينة أو الولاية هي المصطلحات الإدارية الأكثر تداولا في العهد الإغريقي القديم، بينما مصطلح الدولة مصطلحا معاصرا. ففي العهد القديم ظهر تلقائيا مدن متجاورة، أو ولايات متقاربة، وكان لكل مدينة أو ولاية سلطة خاصة بها، توجه سكان الولاية، وتنظم حقوقهم وواجباتهم، وتحافظ على ثغورها من غزو سكان الولاية الأخرى، وبالتالي كانت هذه الولايات تعيش في معظم أوقاتها حروبا دامية، وقليلا ما تعلن الصلح في أوقات محددة.
لكن في كل الأحوال لم تكن الولايات المتقاربة قديما، تعتمد في إقامة اتحاداتها على أصول دستورية وإدارية متحضرة تأخذ بنظر الاعتبار إرادة سكان الولايات بقدر ما كان منهج “الاتحاد القسري” هو المنهج السائد في تلك الحقبة الزمنية، وبالتالي لا يتطرق الباحثون في مباحث إدارة الدولة إلى النماذج الاتحادية الإغريقية أو الهندية، إلا بحدود إثبات قِدم فكرة الفدرالية في نظام إدارة الدول.                           
وبناء على هذا يكاد أن يتفق  الباحثون على أن النظام الفدرالي بصيغته القانونية، مفهوم حديث ومعاصر لا يتعدى تاريخه التطبيقي نظام الحكم الفدرالي للولايات المتحدة الأمريكية الذي ظهر الى الوجود عقب مؤتمر فيلادلفيا عام 1787م.
الاتحادية أو الفدرالية كرؤية دستورية = 
هي شكل من أشكال الحكم تكون السلطات فيه مقسمة دستوريا بين حكومة مركزية (أو حكومة فيدرالية او اتحادية) ووحدات حكومية أصغر (الأقاليم، الولايات)، ويكون كلا المستويين المذكورين من الحكومة معتمد أحدهما على الآخر وتتقاسمان السيادة في الدولة. أما ما يخص الأقاليم والولايات فهي تعتبر وحدات دستورية لكل منها نظامها الأساسي الذي يحدد سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية , ويكون وضع الحكم الذاتي للأقاليم، أو الجهات أو الولايات منصوصا عليه في دستور الدولة بحيث لا يمكن تغييره بقرار أحادي من الحكومة المركزية.
الحكم الفدرالي واسع الانتشار عالميا، وثمانية من بين أكبر دول العالم مساحة تُحكم بشكل فدرالي. وأقرب الدول لتطبيق هذا النظام الفدرالي على المستوى العربي هي دولة الإمارات العربية المتحدة أما على المستوى العالمي فهي دولة الولايات المتحدة الأمريكية. 
 الفدرالية قانونيآ 
اثنين من المراقبين السياسيين الإنكليز (ألبرت دايسي وجيمس برايس) لهما تأثير كبير على بدايات نظرية الفدرالية. لقد حدد دايسي شرطين لتشكل الدولة الفدرالية. أولهما هو وجود عدة دول “وثيقة الارتباط ببعضها محليا وتاريخيا وعرقيا أو ما شابه يجعلها قادرة على ان تحمل- في نظر سكانها- هوية وطنية مشتركة. والشرط الثاني هو “الرغبة الوطنية في الوحدة الوطنية والتصميم على المحافظة على استقلال كل دولة في الاتحاد”.
الدستور في النظام الفدرالي =  هو السلطة العليا التي تستقي منها الدولة سلطاتها. ومن الضروري وجود قضاء مستقل لإبطال أي قانون لا يتماشى مع الدستور. والشرعية هي التي تعيق الفدرالية. إذ ينبغي أن يكون الدستور “صارما” وغير “فضفاض” ويجب أن تكون القوانين الواردة في الدستور المذكور غير قابلة للتغيير إلا من قبل سلطة أعلى أو هيئات تشريعية. وغالبا ما تؤدي صعوبة تغيير الدستور إلى نشوء مشاعر محافظة . ( التوقيع مع التحفظ ) 
ملاحظة – قد تتحول الفدرالية في بعض الاحيان الى ديكتاتورية لاحقا وهذا سيؤدي بكل تأكيد الى تقويض القانون او الدستور  ( العراق نموذجاٌ ) 
مقومات تحقيق الفدرالية =
قدرة النظام الفدرالي على حماية الحريات المدنية محل جدل، إذ غالبا ما يكون هناك خلط بين حقوق الفرد وحقوق الدولة. ففي أستراليا على سبيل المثال لا الحصر يعد سبب العديد من الخلافات داخل حكومة البلاد خلال العقود الأخيرة مباشرة إلى تدخل سلطات المركز لحماية حقوق الأقليات، وهو ما استدعى وضع القيود على صلاحيات الحكومات المحلية. ومن الضروري تفادي الخلط بين القيود التي تفرضها المرجعية القضائية – الصلاحية الدستورية الممنوحة للبرلمان لتجاوز البرلمان- وبين الفدرالية نفسها.
يذكر رجال القانون أن الدول الفدرالية تكونت إما من اتحاد كيانات مستقلة، أو من كيانات تنفصل من جسد دولة واحدة كبيرة، ثم تعقد العزم على الاتحاد ضمن صيغ قانونية واجتماعية جديدة. وهي كالتالي:
1- اتحاد ولايات متقاربة: تنشأ الدولة الفدرالية من اتحاد ولايتين أو عدة ولايات متقابلة تشترك شعوبها في ملامح اجتماعية وجغرافية وتاريخية، فتتنازل كل واحدة عن بعض سلطاتها الداخلية، وعن سيادتها الخارجية، ثم تتوحد ثانية لتكون الدولة الفدرالية على أساس الدستور الفدرالي، مثال الولايات أو الإمارات المتحدة: 
2- تفكك دولة كبيرة او صغيرة : تنشأ الدولة الفدرالية من تفكك دولة كبيرة بسيطة او صغيرة ، يعاني سكانها من مشاكل اجتماعية وسياسية واقتصادية، كاختلاف اللغة والعادات والثقافات والموارد والثروات، فيعمل شعبها على المطالبة باستقلال تام عن سيطرة الحكومة المركزية، وتقرير مصيرها دون تدخل من الآخرين، ثم تعمل الولايات المفككة على تشكيل دولة واحدة هي الدولة الفدرالية، وفق نظام إداري فدرالي. 
                                         
النظام الفدرالي
النظام الفدرالي هو نظام سياسي تكون فيه السلطة النهائية مقسمة بين المركز والأطراف. وبخلاف النظام المركزي تنقسم السيادة دستوريا بين منطقتين (ولايتين) أو أكثر بحيث يستطيع أي من هذه المناطق أن يمارس السلطة لوحده دون تدخل الولايات الأخرى، وبالتالي يترتب على المواطنين أن يقوموا بواجباتهم تجاه سلطتين اثنتين هما الحكومة المركزية والحكومة المحلية التابعة للولاية. ( هذا ينطبق على حالنا الان في روج افا كردستان ) طبعا الفدرالية اذا تم تطبيقها يجب ان تكون الحاجز بين الاثنين 
إن الاهتمام الكبير الذي تلقاه مسألة الفدرالية في هذه الأيام مشفوعا بالنتائج الواقعية التي أفضت إليها التجارب الفدرالية في بناء الدول والتي أدت إلى توفير الأسس الضرورية الشرعية لضمان استقرارها وكسب ثقة المواطنين بها، دعا فلاسفة السياسة إلى القول بأن تجارب كندا وأستراليا وأوربا في حل الأزمات وانتهاز الفرص تعتبر نموذجا لما يمكن أن تقدمه الفدرالية من حلول فعالة لامتصاص الخلافات بين الشعوب المنقسمة عرقيا أو ثقافيا والتي لا تزال تبحث عن نظام سياسي تنتظم فيه.
◄     للفدرالية عدة انواع لكن هناك نوعان ذات اهمية وهما :
●        الفدرالية المركزية:
تقوم السلطة الفدرالية هنا بإحكام السيطرة على كافة التقسيمات المناطقية للسلطة، ويتحصن النظام عادة بواسطة دستور لا يستطيع أن يغيره أي طرف من طرفي السلطة (الحكومة المركزية والولايات) دون موافقة الطرف الآخر، وذلك بعكس النظم المركزية حيث تستطيع الحكومة المركزية إيقاف كافة الصلاحيات الممنوحة لأجزاء الدولة.
وتأتي الصبغة المركزية لهذا النوع بسبب الدور الذي تلعبه المحكمة الفدرالية والتي تقوم بتفسير الدستور من أجل حل الخلافات التي تحصل في السوية العليا للسلطة كالسلطة التشريعية أو القضائية.
●       الفدرالية المدمجة:
وهي نظام الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية حاليا، حيث يتم اتخاذ القرار بشكل مركزي دون مراجعة الولايات، لأن كل ولاية من الولايات يمثلها سيناتوران (ممثلان) في السلطة التشريعية وهما لا يعينان من قبل حكومة الولاية بل يختارهما مواطنو الولاية مباشرة عن طريق الانتخابات وبالتالي فهما يمثلان قرار الولاية.
◄     طرق تشكل الفدرالية:
يمكن حصر طرق تشكل الأنظمة الفدرالية في طريقين اثنين هما:
1.   انضمام مجموعة من الدول المستقلة إلى بعضها البعض واشتراكها في السيادة على قطاعات محددة من أجل تحقيق مصالح لا يمكن الوصول إليها عبر طريق آخر، كالأمن والازدهار الاقتصادي، وعادة ما تعمل هذه الفدراليات (الانضمامية) على تقوية الحكومة المركزية ومنع الأكثرية من التعدي على أية ولاية. وقد اتبعت هذه الطريقة في إنشاء دول فدرالية متعددة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا وأستراليا.
2.   تطوير نظام دولة من النمط المركزي إلى النمط الفدرالي بسبب احتمال حدوث انفصال قد تقوم به الأقليات، وهذا النوع من الأنظمة الفدرالية يعطي لبعض الولايات الحق في امتلاك صلاحيات سيادية خاصة بها كما هو الحال في مجال اللغة والهوية الثقافية في (النمط غير المتناسق من الفدراليات) مع العلم بأن كلا من الحكومة المركزية والأكثرية سيحتفظ بمجال واسع من السلطة، وعلى هذا تأسست الهند وبلجيكا وكندا وأسبانيا
اخيرا  يُمكن القول إن الفدرالية وُجدت على أرض الواقع قبل أن يُنظر لها الفلاسفة في كتاباتهم، وبالتالي فهي تجربة سياسية واجتماعية حية أكثر منها نظرية فلسفية ألهمت خيارات سياسية لاحقا.
الكاتب والسياسي زيد سفوك – قامشلو 9-4-2016

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…