إبراهيم محمود
بنو آدم فيما بين الكرد أنفسهم
” إلى حميد حاج درويش، طلّق الحزبية، لتكون قدوة لسواك قبل فوات الأوان كردياً “
======
لا مجال للحديث عمَّن ينال من الكرد، بالتقليل من شأنهم، أو اسمهم، أو تاريخ تواجدهم الأرضي، إذ لا داعي حتى للرد على من يمضون في طريق ملغوم وهم يشهّرون في الآخرين، والكرد مثال حي، كون الذي يسلّم نفسه للسان عنصريته لا يعدو أن يكون عنصرياً، ولا كان في مقدور أي سالك طريقاً كهذا الاستمرار طليق الروح وليس مستعبَدها فحسب .
حديثنا يتعلق بنا، فيما بيننا يكون مداره ومساره، إذ إن من يحفّز الآخر على النيل منا هو هذا الداء الذي يفتتنا غالباً: أن نبقى ما حيينا أكراداً لا كرداً، ونعرض أنفسنا عبر المعتمَد سلوكياً في سوق ” نخاسة ” الغير بالجملة والمفرّق.
واستناداً إلى عمري الستيني الذي لم يخل يوماً من متابعة كردية وغيرها، من معايشة للشأن الكردي وغيره، وخصوصاً في هذه الأيام، تأكد لي بالقرائن والأدلة، أننا كرد، نعم، سوى أننا فيما بيننا أبعد مما نحن ندَّعيه، تأكد لي أننا ما زلنا نتنفس تحت جلودنا وعبر مسامات ألسنتنا، وخلّل أناملنا، ونظرات أعيننا، وطريقة نظرة كل منا إلى الآخر فعلياً، ننتفس البكواتية والآغوية والباشوية القابلة للتجديد، وهي ألقاب لم تنته صلاحية اعتمادها بعد، كما يظهر، وأن الألقاب هذه وهي في قلتها الطغيانية، تتطلب حضوراً هائلاً من الخدم والحشم والعبيد والسخرة المياومين بشكل مباشر وغير مباشر، وتاريخنا الذي نتباهى به يوفّر لمن يهمه الأمر كل هذا التنوع في علاقات تبقي ” وجهاء ” الأمر، حكماء اليوم، وهم كلُّيُّو الحضور بعراضاتهم العشائرية الممكيجة، وهي تحمل أسماء أخرى تفرخ نظراءها : أعني أحزاباً نُحكَم كما نجلَّد بها بحزم.
ما أقل هؤلاء ” الحكماء ” الفارضي ولايتهم على كردهم، وهم وجهاء الأمس القريب جداً، تأكيد يقين سرمدي حتى اللحظة، في المجمل، أن الزمان المطلق زمانهم، والكلام الذي لا ينقسم على نفسه هو كلامهم، وإن أفصحت جملة الكوارث التي عاشها ويعيشها الكرد من ” تحت رأسهم “، قلة ” الحكماء ” كما تقتضي بلاغتهم المتعالية، حيث يهرم الزمن وتبقي الشبوبية والحيوية والنظرة الصائبة تميّز عمرهم الفتي وإن بلغوا حافة القبر، وما أكثر الكرد” الأكراد ” وهم في جملتهم دون مقام الأُوَل، وهم محكومون بإرادات لا ينفذ فيها فعل الزمن، كرد كثر، أو أكرادٌ قطعانٌ، ليس في مقدورهم، على صعيد التعاطي السياسي والاجتماعي والثقافي، أن يحرّروا أي مصير بأسمائهم، فثمة ممثلون لهم بجوارهم، أمامهم، خلفهم، فوق رؤوسهم، في مخادع نومهم، في أحلامهم، في العالم الخارجي، وإن عجز جلَّهم عن بناء جملة حداثية لمن يصغون إليهم، ويعجزون عن تحديد القرن السالف الذي ينتمون إليه.
نعم، كرد في ملايينهم المؤلفة، سعادين لتطريب أولياء أمورهم تخفيفاً عن مصابهم الجلل فيهم، حمير لا يخطىء نظر ناظر في حصرهم التقريبي، لحمل أثقالهم: وهنا مطايا حتى يتجنبوا السقوط، وهناك لإمتاعهم حيث ينظرون.
نعم، هو الواقع لا سواه، من يشهد على أننا فيما بيننا، لم نكن، كما يظهر ثانية، ولا حان أوان انتقالنا إلى مرتبة الـ” بني آدمية “، نحم مجمل العامة، طالما أن ثمة وجهاء، حكماء يدخرون كل ما في وسعهم ليبقوا كما هم، ولو صار كردهم مزَقاً هنا وهناك.
الـ” بني آدمية ” تعنينا فيما بيننا قبل أن نواجه من يستخفون بنا، ولا لوم ولا تثريب عليهم، لأنهم عارفون بنوع اللاآدمية التي تستغرقنا، أي تستوطننا، أي تعرّف بنا للآخرين، رغم أن المضي بالمفردة هذه يدفع بهم بالذات إلى الواجهة، بصفتهم دون ما يجري استهجانه من جهة ألسنة من يرطنون بلغات لا تعنينا مباشرة، إنما تعنيهم في الحال منطقياً.
نسبة عالية من المتعلمين التعليم العالي: أطبّاء، مهندسين، محامين، قانونيين، كتاباً ذوي وزن، فنانين مبدعين، يمكن لقاؤهم أنّى اتجهنا سماع أصوات ورؤية ألوان، نسبة عالية من المتمرسين في الحياة ولديهم باع طويل في معرفة صادر عالمهم وواردهم، نسبة عالية من المتقنين للغات وأسرارها، سوى أن كل ذلك لا يشفع لهؤلاء الملايين من الكرد المكبَّلة نفوسهم من الداخل والمعتَّم على أبصارهم جرّاء سياسة هذه الـ” بني آدمية ” التي يحتكرها من ما زالوا مصرّين على أن الكردية تعنيهم وليس سواهم، وإن بلغ شعبهم المشتت والمغلوب على أمره حافة هاوية مريعة، وكل مستأسد بحكمته الخاصة يقصي الآخر، ليكون أكثر تهدئة نفس، وكل واحد مضروب في الآخر سلباً كما يجري الآن، ليكون المحصَّل صفراً.
رغم ذلك تسمع أو تجد من ينبري زاعقاً ناطقاً بلزوم ما يجب قوله، وقد أكل عليه زمانه وشرب، وأغلب المعنيين بالكرد في هذه الخانة المحتكِرة للآدمية بدمغتها الكردية، وتتتالى الدعوات إلى ما يجب القيام به لإنقاذ شعب ” لا آدمي ” باسمهم أو عن طريقهم، دونما هزة ضمير منهم، أو مساءلة عن سخف المثار، وهذا الاستهتار بكل هؤلاء الكرد وهم في أعمار تريهم مما يستحيل على أولئك رؤيته، لأن عمرهم الفعلي استهلِك منذ زمان زمان..
تُرى من من هؤلاء لديه الحد الأدنى من الجرأة، جرّاء مصيبة كردهم فيهم، في أن يقول بأعلى صوته، متلفزاً، وفي مواقع التواصل الاجتماعي، وبصورة موثَّقة، أنه طلّق الحزبية وهي في مردودها البائس، وقرّر الانتماء إلى شعبه ” اللا آدمي “، لينال قصب السبق، ويكون قدوة للطاعنين المطعونين في عمرهم، ويستحق كلمة تقدير خاصة، قبل أن يوارى الثرى ؟!
دهوك- في 30 آذار 2016