الإساءة للكرد ومصير قضية الشعب الكردي في سوريا الجديدة

المحامي مصطفى أوسو
  ظاهرة الإساءة للشعب الكردي في سوريا والتهجم عليه، لا تدل إلا على المستوى السياسي والأخلاقي الوضيع لأصحابها. وقد ارتبط ظهورها بالفكر القومي الكردي وتطوره، وكانت دائماً تظهر على السطح، عندما تكون هناك ظروف أفضل للتعبير عن ذاته والمطالبة بحقوقه القومية والوطنية الديمقراطية. 
  القائمة في هذا المجال طويلة، ولن يكون المدعو أسعد الزعبي، خريج كليات الأسد العسكرية، المعروفة بانتقاء عناصرها على أساس الولاء لفكرها الشوفيني، الأخير فيها، بعد أن سبقه رموز من النظام والمعارضة على حد السواء، منذ بداية تشكل الدولة السورية الحديثة وحتى يومنا هذا.
 تعرية هؤلاء الحاقدين على الشعب الكردي وتاريخه المليء بالنضال والتضحية والفداء في سبيل  الدفاع عن سيادة سوريا واستقلالها وتقدمها، لها ما يبررها، للحد من انتشار السموم أكثر في المجتمع السوري، ولكن يبقى الأهم في هذه المرحلة الفاصلة، دراسة خلفياتها وأسبابها، وكيفية تعامل الحركة السياسية الكردية مع ذلك.
  إن من أهم العوامل المؤدية للمواقف السلبية تجاه الشعب الكردي في سوريا وقضيته القومية، هي شيوع عقلية الاستبداد في المجتمع السوري، الناجمة عن الدولة التوتاليتارية والفكر الشمولي، النافية لأي شكل من أشكال التعددية، سواء أكانت قومية أو دينية أو فكرية، والتي عمل حزب البعث الحاكم على ترسيخها عقوداً من الزمن، وأدت إلى خلق أرضية من التباعد وفقدان الحوار بين أبناء القوميتين الرئيسيتين في سوريا، العربية والكردية، وبشكل خاص بين نخبهما السياسية والثقافية، نتجت عنها حالة من عدم المعرفة بالأخر وجوداً وقضية ومعاناة من الظلم والاضطهاد والحرمان. وقد أثرت ذلك إلى حد كبير في مواقف معظم أطراف المعارضة السورية، جعلتها لا تستطيع حتى الآن استيعاب وجود قضية كردية في سوريا، كقضية شعب له الحق في تقرير مصيره أسوة ببقية شعوب العالم.
  وعندما ثار الشعب السوري في أذار 2011 على منظومة الأسدين الأب والأبن، كان هدفه تغيير عقلية الهيمنة وإلغاء الأخر المختلف، قومياً ودينياً وطائفياً ومذهبياً، وخلق أرضية جديدة للعلاقات في المجتمع السوري، مبنية على مبادىء الديمقراطية وحقوق الإنسان والعيش المشترك، واعتبار ذلك أساس القوانين والتشريعات الجديدة، لسيادة مبادىء المساواة والمواطنة وضمان حقوق مكوناته واحترام خصوصياتهم.
  وللانسجام مع مطالب الحرية والديمقراطية للثورة السورية، على المعارضة التخلي عن هذا الفكر غير المنسجم مع مفاهيم العصر ومع الوضع الصعب التي تمر بها سوريا، ولفظ الأشخاص الذين يسيئون لها قبل أن يسيئو للكرد، والاعتراف بوجود قضية قومية كردية، كقضية شعب يعيش على أرضه التاريخية، له الحق في تقرير مصيره، وعلى الحركة السياسية الكردية العمل على تعزيز تواصلها وعلاقاتها، مع مختلف الأوساط السياسية والثقافية السورية، للتعريف بالكرد تاريخاً وقضيةً ووجوداً، ومناقشة سياساتها وبرامجها ورؤاها على جميع الأصعدة القومية الكردية والوطنية السورية والدولية، وحتى يكون ذلك مؤثراً، عليها العمل لتوحيد الصف الكردي وخطابه السياسي ومطالبه، خاصة ونحن على اعتاب مرحلة يتم فيها رسم ملامح سوريا المستقبل، وسط مؤشرات قوية توحي بالفشل في تأمين الحقوق القومية للشعب الكردي، نتيجة التمزق والانقسام، وما آلت إليه التفاهمات الإقليمية والدولية في اجتماعات مجموعة الدعم الدولي لسوريا، وصدور القرار الدولي ( 2254 ) لعام 2015 التي تشكل أساس ومرجعية عملية التفاوض، ويقوم المبعوث الدولي السيد ستيفان دي مستور في البناء عليها، للوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية، كما أن سقف البيان الختامي للاجتماع الموسع للمعارضة السورية في الرياض، نهاية العام المنصرم 2015 التي تشكل بدورها المرجعية السياسية لرؤية المعارضة لمستقبل سوريا، بالنسبة للقضية الكردية في سوريا، لا تتجاوز حق المواطنة المتساوية للسوريين جميعاً على اختلاف انتماءاتهم العرقية والدينية، وهنا لن يكون بمقدور ممثلي الكرد في الهيئة العليا للمفاوضات ووفد المعارضة السورية التفاوضي وكافة اللجان الأخرى المنبثقة عنها، تسجيل أية اختراقات إيجابية لصالح القضية الكردية في سوريا، ما لم يكون هناك نقلة نوعية في الوضع الكردي الحالي باتجاه توحيده وإصراره على مطالب محددة وموحدة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…