معا… نحو دعم الحكم الذاتي للآشوريين

سيرالدين يوسف *

عاش الشعبان الصديقان الكردي والسرياني الكلدوآشوري في منطقة بلاد ما بين النهرين (مزوبوتاميا) مع بعضهم البعض بكل وئام وسلام منذ مئات السنين ، ولم يشوب علاقة الشعبين أية شائبة تذكر ، سوى بعض الحوادث التي وقعت إبان زمن المجازر الطورانية المرتكبة بحق الأرمن خصوصا والمسيحيين بوجهٍ عام
كانت الهدف منها محو أناس لم يرتكبوا إثما سوى أنهم انشدوا المحبة والسلام وجعلوها رسالتهم النبيلة على الأرض ، وقد أراد الطورانيون من خلال أدواتهم ( المتزمة دينياً كردياً) في تلك الحوادث من تعكير صفوة العلاقات التاريخية بين الشعبين المتآخيين كتعبيرٍ عن أحقادهم ضدَ كل ما هو غير تركي من ناحية ، ولضرب الأكراد بإخوتهم السريان الكلدوآشوريين والعكس  وإلهائهم عن حقوقهم القومية المشروعة من ناحية أخرى ، لكن الرياح لم تجري بما اشتهتها العقلية الطورانية وذهبت مخططاتها أدراج الرياح ولم تنجح في مراميها القذرة رغم بشاعة فكر أدواتهم الدينية ، ورغم ذلك يجب على الإخوة الآشوريين إلا ينظروا الى المساحة الفارغة من الكوب ، فقد حمى في المقابل أوساط لا بأس بها من الشعب الكردي أخونهم الآشوريين والأرمن أثناء تلك الفترة المشؤومة التي ولَت دون رجعة ، وصلت الى الحد عند بعض الكرد كلفتهم حياتهم من اجل ذلك.
ومع جميع الحوادث المدانة لدينا بكل تأكيد إن كانوا مرتكبها طورانيين أو أدواتهم المهوسة دينياً ( كردياً)، إلا أنها لم تثبت على الإطلاق بأنها جاءت نتيجة التعصب القومي بل كانت نتاج الفكر الديني المتخلف وليس القومي كما يحاول أن يصوره بعض المثقفين السريان الكلدواشوريين مؤخراً ، ويجب ألا يحمل الشعب الكردي وزر آثام أدوات الطورانية البغيضة بحكم المنطق والتاريخ ، فكما هو معلوم أن الشعب الكردي كان محكوم في الدولة العثمانية واحد رعاياها مثل غيره من الشعوب الارمنية والآشورية.


ومن هذه الحقيقية التاريخية التي تفجعنا وتؤلمنا كأكراد بتفاصيل أهوالها وعذاباتها ، نحاول أن ننطلق الى آفاق الحاضر والمستقبل الرحبة ، ونرمم لعلاقات أخوية صادقة وشفافة على قاعدة أساسيتها احترام الآخر وحقوقه دون تعصب لأن ما يجمع بين الشعبين في المنطقة من عوامل أكثر بكثير ما يفرق بينهما، والحال واحد بين الأكراد والسريان الكلدوآشوريين ، فلا يخفى بأن الشعبين خاضا نضالاً مريراً دون هوادة منذ عقود طويلة من اجل انتزاع حقوقهما القومية المشروعة ، واكتووا في جميع مناطق تواجدهما بنار العنصرية البغيضة والتي كان المستهدف منها محو خصائصهم القومية رغم عمقهما التاريخي والحضاري في هذه المنطقة.


وبمجيء النظام الديمقراطي الجديد الى العراق بدأ كل جماعة قومية ودينية بالتعبير عن ما يدور في خلدها من أماني ومطالب وتحديد مصيرها بكل حرية كما ترتئي .
فمع ترسيخ وتثبيت مطالب الأكراد بالفدرالية للإقليم كردستان في الدستور العراقي ، بدأ السريان الكلدوآشوريون بطرح فكرة الحكم الذاتي في مناطقهم التاريخية (سهل نينوى) وهذا حقٌ مكتسب ومشروع لأبناء قومية ضاربة جذورها في أعماق التاريخ ، و مطلب قليلٌ بالنسبة لهم تبعاً لدورهم الحضاري إذا ما قورنوا بتاريخ بعض الدول المجهرية على الخارطة السياسية العالمية وهو من المبادئ الثابتة التي لا يمكن النقاش عليها بتاتاً .
ولكن ، ترافق مع هذا المطلب نوع من اللغط والتشويش وعدم الوضوح في تحديد ما يمكن تحديده من المطالب الآشورية ، من جانب شارعهم الذي انقسم على نفسه بين مؤيد ومعارض للحكم الذاتي ، وبين من هو غير آبه بكل الموضوع  نتيجة قصور وعيه السياسي ، فهنالك فريقين احدهما يؤيد ذلك الحكم الذاتي ضمن إقليم كردستان واخر يعارضه بان يكون ذلك خارج الإقليم ، وفريق ثالث يكتفي بنوع من الإدارة اللامركزية لمناطقهم ، ورابع لا يهمه الموضوع بمجمله ، وخامسٌ يمتهن فن المزودات والمتاجرات السياسية ( أبطال الانترنت ) كما وصفهم السيد يونادم كنا الزعيم الآشوري العراقي المعروف.
ولم يتوقف هذا الانقسام عند هذا الحد فقط ، بل امتد حتى حول مصطلح تسميتهم القومية أيضا (السريان ـ الكلدان ـ الآشوريين) والكل أبناء قومية واحدة لا فرق بينهم كما يؤكد ذلك ساستهم.

                                                            ولذا فعلى النخبة السياسية والثقافية السريانية الكلدوآشورية أن تدرك حجم هذه التباينات الخطيرة الموجودة في شارعها وافرازاتها التي تهدر طاقات وإمكانيات شعبهم الطامح الى الحرية والخلاص ، والعمل معاً لترتيب البيت الداخلي السرياني الكلدوآشوري  وتحديد مطالبه أين سيكون ؟ … وكيف يكون ؟ ….

، والظهور برؤية سياسية واضحة وموحدة حتى يمكن للآخرين أن يستجيبوا لمطالبهم العادلة ، واستغلال هذه الفرصة التاريخية الموأتية  التي ربما لا تتكرر، فهم مسؤولون أمام التاريخ والأجيال السريانية الكلدوآشورية القادمة .


كما أن القيادات الكردية وخصوصاً في العراق مدعوة هي الأخرى من جهتها بدعم وإسناد مطالب إخوتهم   السريان الكلدوآشوريين ، من خلال تثبيت مطالبهم في دستور الإقليم إن أرادوا أن ينضم إليه ، ومن خلال استخدام نفوذهم وثقلهم السياسي على الساحة العراقية ، لأنهم باختصار كما اعتقد لا ثوابتهم ولا مبادئهم تسمح لهم أن يقفوا بالضد من هذه الحقوق ، انطلاقاً من قاعدة ما حلالٌ لنا فهو حلالٌ على غيرنا، بعكس بعض ساسة السريان الكلدوآشوريين وبعض مثقفيهم المتعصبين الذين اتخذوا من محاربة الكرد والتشكيك بأصالة وجوده الشغل الشاغل لهم ، وخصوصاً في سوريا ، وحلوا محل الشوفيينين العرب بالوكالة ، فعلى سبل المثال يثير مصطلح كردستان حفيظة البعض منهم حتى الآن وان تجاوز سياسيهم عقدة هذا المصطلح مؤخراً ، ومن المؤسف أن يكون السريان الكلدوآشوريون آخر من يعترفوا  بإقليم كردستان ، على الرغم من انه أصبح من المصطلحات الشائعة في روزنمات وقواميس السياسة العالمية وأروقة الأمم المتحدة ومراكز القرار العالمي ، كما يلاقي مصطلح المناطق الكردية في سوريا نفس المصير عند هؤلاء الإخوة ، في حين لا تنكرها الأغلبية العربية في سوريا.
إذا تحتاج المنظمات السياسة الآشورية الى وقفة لتقييم وتقويم ذاتها (وبالأخص في سوريا) ، والإقرار بالوقائع كما هي وليس كما يتمنوها ، لذا وانطلاقا من هذه المواقف غير الموضوعية ، فهم مطالبون أن يتحلوا بالواقعية السياسية ويراعوا في خطابهم السياسي التركيبة الديمغرافية في المنطقة ، ويتخلوا عن البكاء على أطلال الإمبراطورية الآشورية المجيدة ، لأن السياسة هي التعامل مع الوقائع وليس الأطلال ، ومن هذه النقدية للسياسة الآشورية نرجو من صفوتهم السياسية أن يأخذوا في حسبانهم جميع الانتقادات التي نعتقد ببنائيتها، إذا ما أرادوا أن يكون احد أطراف المعادلة في المنطقة ، ويجدوا موطئ قدم لهم في زوبعة السياسة الاقليمة ، ويؤمن بمبدأ التعايش الأخوي بينهم وبين الأكراد على قاعدة إذا كان جارك بخير فأنت بألف خير ، وانا ككردي من جهتي مهما اختلفت التباينات بيننا وبين أخوتنا السريان الكلدوآشوريين سوف أكون من المنشدين مع مطالبهم في الحكم الذاتي لسهل نينوى في العراق ، ومع حقوقهم القومية العادلة في سوريا ، لأنني اعتبر ما لنا لهم وما علينا عليهم ، ومن غير المعقول أن يضطهد شعب حر شعب آخر مضطهد كما قال جواهر لال نهرو ذات يوم ، فكيف ونحن جميعا مضطهدون .

   
—–

* صحفي كردي سوري   

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…