الكورد هدف مباشر للحكومة التركية

جان كورد

الكورد هدف مباشر للحكومة
التركية كل الإرهابيين في سوريا يزعمون أنهم يحاربون إرهاب (داعش)، إلاّ أنهم بدون
استثناء يساعدون هذا التنظيم بطريقة أو بأخرى، ومن الدول والقوى التي تحارب هذا
التنظيم فعلاً، وهي قليلة، من يستغل وجود بقايا التنظيم بعد طول أمد القصف الجوي له
لأهدافٍ خاصةٍ بهذه الدول والقوى، ومنهم من يمد له يد الدعم الخفي والمساندة
السرية، والاتهامات في وسائل الإعلام العالمي متبادلة وكثيرة بين الأطراف المختلفة،
حتى صار (داعش) بعبعاً خيالياً أو على طريقه ليصبح من خيال بعض السياسيين
الإقليميين والدوليين. النائب العام السوري المنشق في مدينة تدمر السورية محمد قاسم
ناصر يتهم نظام الأسد بأنه ملأ مستودعات المدينة العسكرية بمختلف أنواع السلاح
والذخائر قبل الانسحاب منها ودخول (داعش) إليها دون قتال، وكلنا يتذكر ترك قادة
الجيش العراقي مدينة الموصل بأسلحتها وعرباتها المختلفة ومدافعها وبملايين
الدولارات في بنوكها لتنظيم (داعش) الذي استخدم ذلك السلاح والمال والذخيرة للهجوم
أولاً على الكورد هجوماً شرساً ووحشياً لم يقم بمثله أحد من أعداء الكورد من قبل. 
ونعلم جيداً أن جيش العصابة الأسدية لم يهاجم (داعش) في حربه على الشعب السوري
والمقاومة الوطنية المسلحة، بل كان هناك تنسيق على الدوام بين قوات النظام وتنظيم
داعش حسب ما ينشره إعلام الجيش السوري الحر بمختلف فصائله، كما أن الطيران الروسي
قصف ولا يزال يقصف كل فصائل الثورة السورية ويستثني فعلياً مقرات (داعش)، والعالم
كله بات يدرك أن شيئاً ما يجري من وراء الكواليس في خدمة هذا التنظيم، إذ كيف لم
تستطع القوى الجوية لروسيا العظمى وأمريكا الأعظم ومعهما دول عديدة من القضاء على
نفوذ الإرهابيين وتستمر الحرب لتدمر كل مشافي سوريا ومدارسها ومدنها وبنيتها
الاقتصادية ومعارضتها الوطنية والديموقراطية، ولتهجر نصف شعبها، ويبقى نظام الأسد
رغم ضعفه ووحشيته التي فاقت وحشية نظام بول بوت وأدول هتلر. 
المرشح الجمهوري
الأمريكي ترامب يتهم علانية إدارة الرئيس باراك أوباما ووزيرة خارجيته السابقة
هيلاري كلينتون بخلق وتقوية تنظيم (داعش) وأن هذه الإدارة لا تريد القضاء
عليه. وأثبتت تركيا أردوغان (الإسلامي) في وقوفها دون أي رد فعل أثناء هجوم (داعش)
في سوريا على المدينة الكوردية (كوباني) التي أبدت مقاومة تذكرنا ب(ستالينغراد)،
وكان العالم يشاهد من خلال الإعلام ما يجري على الحدود التركية – السورية كل يوم،
حيث كان الرئيس التركي أردوغان ورئيس وزرائه داوود أوغلو يرسمان الخطوط الحمراء في
ذات الوقت في حال محاولة نظام الأسد، المتهم من قبلهما بدعم (داعش)، دخول مدينة
حماه، ومن بعدها حلب، ومن بعدها الاقتراب من حدود تركيا… فلماذا لم تقم تركيا
آنذاك بدعم الكورد الذين كانوا يقاتلون ببسالة في ظروف سيئة للغاية على حدود دولةٍ
من دول الناتو التي تعتبر (داعش) أخطر التنظيمات الإرهابية في العالم؟ هنا لابد من
إعطاء جوابٍ مقنع للتصرف التركي الأخير في هذه الأيام، بعد هذه المقدمة المتواضعة،
حيث بدأ طيرانها بدك مواقع (حزب الاتحاد الديموقراطي) الذي يؤكّد في برنامجه
السياسي أنه حزب سوري علماني عامل من أجل نظام (الإدارة الديموقراطية الذاتية) وليس
من أجل دولة كوردية أو فيدرالية قومية أو حتى حكم ذاتي كوردي في شمال سوريا، وسجل
نقاط عديدة متتالية ومخضبة بدماء الشباب الكوردي على صفحات الحرب ضد إرهاب (داعش)،
في كوباني (عين العرب) وكري سبي (تل أبيض) وسرى كاني (رأس العين) وبالقرب من الحسكة
وفي حلب، بل في كل المنطقة الواقعة الممتدة من حدود كوردستان العراق إلى حدود لواء
الاسكندرونة (هاتاي). والجواب الأصح ليس فيما تنشره حكومة حزب أردوغان من مزاعم
باهتة، وإنما يكمن الجواب في موقف الأحزاب والحكومات التركية المتعاقبة تجاه القضية
الكوردية عموماً منذ قيام الجمهورية في عام 1923 على أيدي مصطفى كمال (أب الأتراك)
بمساعدة الكورد الذين غدر بهم (آتاتورك) وشنق زعماءهم وخان العهد معهم بصدد حق
الأمتين الكوردية والتركية والوطن المشترك. إن الحكومات الطورانية للبورجوازية
التركية والعسكريتاريا في الوقت الذي كانت تعتبر تركيا جزءاً من العالم الحر
الديموقراطي وطامحة في الانتساب إلى الاتحاد الأوروبي وكانت تظهر لها بين الحين
والحين مواقف مؤيدة للقضايا العربية وقضية الشعب الفلسطيني، كانت في الوقت ذاته
ترفض الاعتراف بالوجود القومي الكوردي على طول الخط، وهو وجود قومية المكون الاثني
الثاني في تركيا، بل في عدة دول مجاورة لتركيا (إيران، العراق  وسوريا)  وجرت حروب
أعقبتها مذابح تقشعر لها الأبدان وحملات تهجير وتتريك عديدة بسبب الثورات الكوردية
المطالبة بالحقوق العادلة للشعب الكوردي، وظلت الأحوال في تركيا غير مستقرة عقوداً
من الزمن حتى اقتحم الأردوغانيون الساحة السياسية للبلاد تحت ستار الدين الإسلامي،
ففتح له الكورد المتدينون في غالبيتهم صدورهم وأيدوا القادم الجديد الذي ضرب على
وتر (الأخوة الإسلامية) ولكنه لم يحمل أي مشروع جاد لحل القضية القومية لهم في
برنامجه. في حين طرح الكورد مشروعاً متواضعاً جداً لحل المشاكل العالقة بينهم وبين
الدولة التركية. ومع الأيام اتضح لهم أن هذه الاخوة ” زائفة” وليست صميمة وبدأوا
ينفضون عن حزب أردوغان، ويؤيدون حزباً خاصاً بهم، لسببين:
 – ادعاؤه أنه حزب لكل
مكونات البلاد في حين أنه يتجاهل مطالب الشعب الكوردي الأساسية، ويستمر في عدم
الجدية في المسار المعلن من قبله بصدد حل ديموقراطي وعادل للقضية
الكوردية. 
–  استنكاره للعنف الإسرائيلي حيال الشعب الفلسطيني والروسي في
أوكرايينا والصربي في البوسنة والهرسك، وإظهار نفسه كحامي الحمى لكل المسلمين في
العالم، حتى في الصين، وممارسته في الوقت ذاته أقسى أنواع العنف ضد الشعب الكوردي،
وفي الفترة الأخيرة اقدامه على ارتكاب المجازر كما جرى في مدينة (جزرة) الكوردية،
حيث راح عشرات المواطنين المدنيين ضحايا لإجرام القوات العسكرية التركية التي تمارس
سياسة احتلال كأي جيش محتل وبلا رادع ديني أو إنساني. 
لذا، فإن شعبية حزب
أردوغان بدأت بالهبوط بين الشعب الكوردي الذي تفاءل بالخير لدى استلامه السلطة قبل
سنوات ونشر مزاعمه حول الحل السلمي وتخفيض المشاكل مع جيران الترك إلى الصفر كما
زعم السيد داوود أوغلو. 
يتحدث السياسيون الترك كثيراً عن إرهاب (حزب الاتحاد
الديموقراطي) الذي تخالفه معظم أحزاب غرب كوردستان الوطنية والديموقراطية، ولكن كيف
يمكن وصف هذا الحزب ب(الإرهابي) وهو في الخندق القتالي ضد أخطر تنظيمات إرهابية في
العالم، ولم يقم بأي عمل إرهابي في تركيا أو في سوريا، لا ضد حكومة وحزب ودولة
أردوغان ولا ضد حكومة وحزب ودولة الأسد. وكلا الدولتين العظميتين في العالم،
الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، تنفيان أن يكون هذا الحزب (الكوردي!) إرهابياً
وتتعاملان معه عسكرياً على الأقل. أما إذا كانت تهمة الأردوغانيين – الطورانيين له
بسبب علاقته بحزب العمال الكوردستاني، فهذا يعني أن الحكومة التركية إرهابية أيضاً
لأنها تتعامل مع كلٍ من جبهة النصرة وتنظيم داعش، ومعلوم أن معظم الملتحقين بصفوف
هذين التنظيمين قد اجتازوا الأراضي التركية للوصول إلى أماكن تجنيدهم وتحويلهم إلى
انتحاريين ومحاربين إرهابيين. ومعلوم أن جرحى جميع التنظيمات المصنفة عالميا
بالإرهابية في سوريا تعالج في المستشفيات التركية وتعقد اجتماعاتها القيادية، سراً
وعلانية في تركيا، ومنها من يتلقى الدعم العسكري المباشر وغير المباشر من حكومة
السيد أحمد داوود أوغلو، فهل اتهم كوردي واحد هذه الحكومة بالإرهابية؟ وهل يعقل أن
تتعامل الولايات المتحدة الأمريكية، حليفة تركيا في الناتو، مع حزب الاتحاد
الديموقراطي إن كان مصنفاً في قائمة التنظيمات الإرهابية؟ هذه المسألة تحتاج إلى
حوار جاد بين الكورد والترك أولاً، وبين هذين المكونين في المنطقة والعالم الخارجي
ثانياً، إذ أعلن الحزب (الكوردي!)، هذا الذي نعارضه نحن الكورد في كثيرٍ من سياسته،
ونؤمن أيضاً بأنه يخدم نظام الأسد المهترىء من باب المصالح المشتركة، أمرين أساسيين
في مساهمته العسكرية في سوريا:
 – ليست له مشاكل سياسية كبيرة مع
تركيا.
 –  إنه حزب سوري (لا قومي) يناضل من أجل سورية علمانية ديموقراطية
ولامركزية وليست له طموحات كوردية خاصة به. 
وعليه، فإن الهجمات الجوية التي
تقوم بها الحكومة التركية على مناطق شمال حلب، بذريعة محاربة “الإرهاب” تلقى رداً
عنيفاً من سائر أنصار الشعب الكوردي،  وتثير السخرية، بل تزرع الشكوك بصدد النوايا
التركية التي يمكن القول عنها بأنها بهجماتها الأخيرة “تدعم تنظيم داعش” الذي
يستهدف الشعب الكوردي وللكورد معه تجربتان، إحداهما في سوريا والأخرى في
العراق.
 ومن أجل ألا يستمر اعتبار الكورد “هدفاً مباشراً” للطورانية التركية،
وكذلك من أجل ألا تتورط تركيا في حربٍ كبيرة على الأرض السورية تأتي بالخسران على
الشعب التركي أولاً، وتخدم مخططات أعداء تركيا الذين يزدادون عدداً ولا يقلون
باتجاه الصفر كما كان يحلم السيد داوود أوغلو، لذا من الضروري على حلفاء تركيا في
الناتو وفي المنطقة أن يضغطوا على أنقره  ويقنعوها بأن حرباً جديدة ضد الكورد لن
تكون في صالح الدولة التركية والإنجازات التي حققتها حكومة حزب العدالة والتنمية
حتى الآن، وأن الجيش التركي لن ينفذ كل أوامر قيادتها السياسية لأن جنرالات تركيا
مستاؤون من سياسات أردوغان ويعلمون أن الحرب ضد قوات الأنصار في كوردستان تجلب لهم
ولبلادهم الخسائر كلما دام أمدها. 
والكورد يأملون من القوى الديموقراطية
التركية ومن حلفاء تركيا في المنطقة، وعلى رأسهم العربية السعودية، أن يساعدوا
حكومة داوود أوغلو في تجنب الوقوع في شباك المصيدة الروسية – الإيرانية التي أعدت
لها بإحكام، والعودة إلى طاولة الحوار التركي – الكوردي، والكف عن مغامرتها
العسكرية في داخل سوريا، فالكورد لا يريدون إلا السلام والتآخي والحياة المشتركة مع
جيرانهم الترك والعرب والفرس وسائر الأقليات القومية والدينية في أمن
واستقرار. ولربما تفتح تركيا بتدخلها السافر الآن في الشأن السوري أبواب حربٍ
عالمية مدمرة للجميع… فقط لأنها لا تنوي الاعتراف بوجود الشعب الكوردي الذي يعيش
على أرض وطنه كوردستان، في حين أن الترك نزحوا من صحاري آسيا وتركستان.   
جان كورد     
المقال
مرسل في 19/2/2016
facebook: Cankurd1

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…