ووقعتم في محظور «عبدالرزاق عيد»..

 ابراهيم محمود

من حق كتّابنا الكُرد أن يغضبوا وأكثر،
إزاء من يريد النيل من شعب كامل هو الشعب الكردي، وهم ينتمون إليه، ولعلّي من
بينهم، أن يغضبوا الغضبَ الذي يتراءى من خلال كتابة تخفي الغضب المباشر، حيث
التمثيل الكتابي يتوخى تهدئة ما، وبما أن مفهوم الغضب هنا ينصبّ على توضيح موقف
ولفت نظر المغضِب أو حتى المستفِز بالمقابل بما يراد إيضاحاً، سوى أن منطق القول
يختلف تماماً، حين تنعدم الإساءة الصريحة تجاه هذا الشعب، أو جماعة معينة وباسمها،
وأرى أن ردود الأفعال الصاخبة، لا بل والشتائمية المباشرة” عمر أبو حسان، نموذجاً ”
إزاء ما أثاره الباحث العربي السوري  والدكتور عبدالرزاق عيد في مقال يحمل عنواناً
متشدّداً بفحواه   ” العلوية السياسية (الأسدية)، والكردية السياسية (البككية )
،والإسلاموية الداعشية، تهدد وطنها السوري (الأم )، بالانفصال أو الخضوع لشروطهم في
اخضاع الشعب السوري لهيمنتهم وإرادتهم (الفئوية -الأقلوية) المؤيدة دوليا لتفكيك
سوريا …..!!! “
الرجل معروف بمواقفه وبمسار حياتي شهد تحولات في الرؤية تجاه متغيرات الواقع، إنما
ليس إلى درجة طلاق ما اعتقدَه وشدد عليه منذ البداية حرفياً،  وله عشرات المؤلفات
عن التنوير ورموزه عربياً، إلى جانب مئات المقالات التي يمكن الاختلاف معه عليها في
حدّتها، وحتى جلاء جانب مدرَك بقسوتها، إنما ليس إلى درجة تجريده من خاصية الباحث
والمفكر كذلك. ولمن يحيط به علماً، فقد دفع الثمن مراراً وتكراراً سجناً وملاحقة
ومحاصرة وتهديداً…الخ، وهذا ما يجب التنبه إليه لحظة الدخول معه في حوار خلافاً
أو اختلافاً، وفي الوقت الذي يستحق التنويه إلى ميزته في صهر معان لها دلالتها
تعرّف به، وبالتالي، فإن متابعة عشرات المقالات التي كتبها على خلفية من الحدث
السوري الملتهب، تظهِر الرؤية المشبَعة بالحدّة إزاء من يعتبرهم مسهمين في تلغيم
سوريا، وما ينشده على صعيد المجتمع المأمول بميسمه الديمقراطي.
وفي الواجهة ما
يتعلق بتشديده على من يعتمد الطائفية بتعددية اشتقاقاتها وهي سياسية بداية ونهاية،
ومبتغاها تمزيق وحدة البلاد” سوريا ” وما في ذلك من خدمة النظام الذي يبرَز عنده
عرّابه بامتياز، وفي إثره تأتي كل القوى السياسية ذات التوجه الحزبي أو التحزبي
والفئوي، وهنا يلحق الداخلين في ركاب ” pkk”، وكل القوى الأصولية أو الإسلاموية
المتطرفة، وداعش في الواجهة، بهذا السيستام الموجَّه من قبَل النظام، وفي الوسع
التعرف على ذلك في مقالات كثيرة له، في موقع ” الحوار المتمدن ” الالكتروني، حيث
الربط بين العقدة السياسية ” العلوية ” وفي ظلها، كما هو ملموس ” البككوية ”
الكردية( ينظر مثلاً في الموقع نفسه، وفي المقالات المؤرَخ لها، وكأمثلة: 29-6،
و24-7 و21-9 و19-12/2015..)، ومقاله السالف الذكر هو الأكثر سخونة، وقبله بيوم واحد
” هل يمكن للكورد السوريين أن يسلموا مصيرهم كشعب لمجموعة مغامرين مرتزقة من البي
كيكي”، وما ورد من تعقيب وتوضيح أكثر بصدد موقفه من هذا الحزب الكردي، وردود
الأفعال الكردية في سياق السالف ذكره، وبتاريخ ” 18-2/2016 “،وفي الموقع نفسه، تحت
عنوان” البكيكي وجمهورهم مجمعون على إدانة الثورة السورية ومصرّون مع ذلك، على
تمثيلها دولياً!!”.
إن أهم ما يمكن التوقف عنده وأخْذه بعين الاعتبار هو جانب
التحديد، مهما برز سفورَ عنف، أو حتى تطاول في منطق اتهام الآخر، سوى أنه ليس، ولا
بأي شكل كما هو المتشكَّل لدى جل الذين حاولوا الرد عليه، أو لأقل: استغراقه
بالشتائم أو تسفيهه وتجريده من كل خاصية تفكير، وهنا تكمن المعضلة الكبرى، لا بل ما
هو مستغرَب بصورة مركَّزة، وخصوصاً من جهَة الذين اعتنوا به وقدَّموه مفكّراً لأكثر
من مرة في قناة ” روج ” الفضائية الكردية وهي ” بككاوية “، ومن ثم تالياً بالنسبة
لـ” روناهي “، حتى بروز الحدث السوري، إذ يتطلب الرد على الآخر، إبقاء هذه الميزة
في التعامل، حتى يكون الناقم ممتلكاً بعض الحق في نقمته، إلا إذا كان التفكير ينصبّ
على اتجاه واحد، هو ما يخص مقابله ومدى تحركه نفسياً وفكرياً على
منواله.
المفارقة الكبرى، والأكثر لفتاً للنظر، هو بروز الذين دخلوا في حيّز
الرد الحاد دون قراءة فعل التخصيص في مقولة عيد، وأخص هنا على الأقل الصديقين : جان
دوست، وحسين جلبي، الأول، كما أرى، ربما غلبته حساسيته الروائية، سوى أنه وهو يكتب
مقاله بأسلوب الرسالة الموجهة إلى عيد، والصورة الساخرة الدالة على مضمون مقال عيد
” الاستفزازي “، أي وهو في هيئة ” البويجي ” ينخرط في لعبة مجابهة لا يتمناها في
المحصّلة، والثاني، وهو ينطلق من حساسية لها منحى سياسي متشدد أكثر من اللازم، وهو
يعرّف بنفسه ” ماسح أحذية ” وغير ذلك، تأكيداً على فعل النظام البعثي فيه ككردي،
وهو مقال لماح ويحمل دمغة أديب، شأن نظيره دوست وصفاء صورته، وتستمرئه اللعبة، كما
يبدو، حيث إن الاثنين ظهرا كما لو أنهما في خندق من خصه عيد بالنقد، أو ” التعرية ”
لمسلكه العقائدي وتداخله مع منطق النظام وأكثر، ولا بد لمن يعلم أن الاثنين أقرب
إلى عيد وليس إلى منقوده من خلال كتاباتهما.
قرأت مقال الدكتور، فلم أجد أي
تعميم، بالعكس، ثمة تخصيص واضح، وهو الذي يمكن النقاش حوله، ففي إحدى الفقرات نقرأ
( وأن السوريين لا يكسبون من بقاء العلوية السياسية سوى بقاء جلاديهم
وجلاوزتهم في المخابرات الأكثر عددا في فروعها ووحشيتها وكرهها لشعبها في العالم
…والسوريون لا يخسرون سوى قتلتهم في الجيش الأسدي من طياريهم ورماة براميلهم
وصواريخهم على شعبهم الذي كانوا منه، من قبل محترفي جيشهم الأسدي الذي يموله كل
كادحي الشعب السوري ….
)، وهو هنا بغضّ النظر عن المفصّل في القول لا ”
ينال ” من العلويين في مجموعهم، إنما مَن يتَّخذون من الطائفية سلاحاً ومتراساً،
ليقول تالياً مباشرة، أي ما يخص ” كرداً معينين “، ما يتعلق بفصل المقال فيما بين
منقوده والكرد من انفصال ( أما الكردية السياسية البككية فهي بتهديدها
بتفكيك سوريا إنما تبتز الشعور الوطني للشعب السوري، وانفصالها لا يخسر الشعب
السوري إلا جيش من العاطلين عن العمل في قطاع الخدمات والسياحة …أي في المطاعم
والمقاهي والملاهي وصالونات تنظيف الأحذية، وربما يحتاج البي كيكي وألأسديين
والداعشيين والحالشيين الطائفيين الإيرانيين، إلى ألف عام لينجبوا
مجتمعيا
.)، وفي هذا التحديد ما هو قابل للمتابعة، لا بل والمقاربة
النقدية، هذه التي تتكفل بإنارة العلاقة البينية وتنقيتها ودياً أكثر، وفي هذا
الوضع الصعب توتراً طبعاً.
مختصر القول: لكم نحتاج إلى المزيد من التروّي في
مسائل نقدية تتجاوزنا بقدر ما تسمّينا، عندما نحاول التكلم أو الكتابة كما لو أن ما
يجري البحث فيه هو ما نتصوره أو نتخيله أو نعتبره حقيقة المرئي
والمكتوب.
دهوك-في 19-2-2016  
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…