دي ميستورا هل هو وسيط محايد ؟

توفيق عبد
المجيد

بالتأكيد لم يكن الوسيط
الأممي صاحب الترتيب الرابع بعد ثلاثة سبقوه في هذه المهمة الشاقة الطويلة ، لم يكن
يقصد السيد ” دي ميستورا ” بــ ” تغييرات ملموسة على الأرض ” في تصريحه الذي سرعان
ما تترجم في منطقة حلب قصفاً روسياً عنيفاً مكّن جيش النظام من تحقيق بعض التقدم ،
ولقد فهم الهدف التهديدي لتصريحه عندما قال للــ ” بي بي سي ” لن تصبح المفاوضات
جدية ما لم تحصل تغييرات ملموسة على الأرض في سوريا بينما نحن نتباحث ” فهو لم يقصد
أن المعارضة يجب أن تحقق انتصارات على الأرض لتفاوض من موقع قوة ، لكنه وجّه تصريحه
للروس الذين سرعان ما تلقفوا الرسالة ، وترجموها على الأرض بشكل أعنف فاق كل
التوقعات ، ليتقدم جيش النظام تحت المظلة الجوية الروسية ، ويبسط سيطرته على مناطق
كان قد فقدها منذ سنوات أربع ، 
ويبدو أن الوفد المفاوض قد تلقى هو الآخر رسالة دي ميستورا واستوعب مفرداتها ليتمسك
بإصراره على تنفيذ الشق الإنساني من قرار الأمم المتحدة ، ليضطر الوسيط الأممي أمام
عنجهية وفد النظام المدعوم بالطيران الروسي ، وإصرار المعارضة على تنفيذ ما سمي
مقدمات ” فوق المفاوضات ” كبادرة حسن نية مشجعة من قبل النظام وداعميه على المضي في
المفاوضات وبخاصة البندين (13-14) من قرار مجلس الأمن ذي الرقم (2254) .
فهل كان
السيد دي ميستورا ينسق مع النظام والروس ليرفعوا من وتيرة التصعيد حتى يرضخ وفد
المعارضة المفاوض لبرنامجه التفاوضي ، ويغض الطرف عن الجانب الإنساني الوارد في
قرار مجلس الأمن ، إلى مناقشة البنود الأخرى ولعل من أهمها القبول بـ ” حكومة
انتقالية أو وحدة وطنية ” عوضاً عن ” هيئة حكم انتقالية بكامل الصلاحيات ” ؟ وهل
لازال السيد ديمستورا محتفظاً بحياديته كوسيط مستقل ؟ بعد أن حمّلت الأمم المتحدة
والبيت الأبيض ” روسيا والنظام السوري مسؤولية تعثر المباحثات والتصعيد العسكري ،
وعدم الاستجابة للمتطلبات الإنسانية ” ومطالبة روسيا والنظام بوقف الهجمات ضد
المدنيين ؟ وما موقف مجلس الأمن بعد أن توجهت أصابع الاتهام إلى مبعوثه متهمة إياه
باللاحيادية في مهمته هذه ؟ وهل هنالك بدائل أخرى للمعارضة المسلحة أمام هذه
الانتهاكات الفظيعة ؟ وإلى متى يستمر صمت المجتمع الدولي ؟ 
5/2/2016
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…