ذهنية الشبيح والتشبيح : كُردياً

 ابراهيم محمود

ليكن معلوماً لدى المعنيين بما هو كردي
سياسةً وتفكيراً، أن قائمة الاتهامات الجاهزة، من نوع: التآمر، الخيانة، العمالة،
الذيلية، التواطؤ…الخ، مستوردة، ومقَولبة كردياً، وذهنية الشبيح والتشبيح مرتع
لكل ما تقدَّم: فالشبيح معرَّف به متسلّلَ ليل أو لابس قناع لدى من يراه هكذا ” يستشبحه “، والتشبيح، هو إضفاء صفة الشبحية على من يُراد النيل منه. غير أن هذه
المفردة لا تمنح المتكلم قيمة فكرية، وسويَّة نفسية تاريخياً، إنما تربطه بتاريخ
خاص، متخَم بما هو انفعالي، يقصي العقل، ويُحِل ما هو وصفي، وذمّي مباشر، بما يقرأ
أو من يرفضه، كون السوية النفسية والذهنية تتجاوز هذا الخندق وعطنه، وتغري المستمع
أو المتابع بالإصغاء والتحاور والتفكير المثمر بالمثل.
وفي ضوء المتابعة للكثير مما يُكتب في المنابر” الضوئية ” ولا أكثر منها عتمة،
وصفحات الجرائد، وكم وافر من الكتب ذات الصلة، ثمة فائض من هذه ” السلالة ”
الشبيحية المصوَّرة والتشبيحية، فائض يترجم طريقة التعامل مع المستجدات، وما أكثرها
وأغزرها في الوضع الراهن، أبعد من بؤرة التوتر البركانية في سوريا طبعاً، وهي تضيف
الجديد في الحدث إلى السالف، عبر عصّارة نفسية لا تطرح سوى ما هو معطى لها.
ولا
أكثر من السائد تحكماً بطريقة التفكير وتلوين ” مقولاته “، وهي لا تعدو أن تكون
تعبيراً عن هذا الافتئات في رؤية الجاري واقعاً، من هذه السكونية المتحكمة بهذه
الذهنية التي تلغي ” سلطة ” الزمن، وحكمة الصائر في كل آن وحين، حتى لو كان الكردي
الموصوف بالباحث، أو حتى بـ” المفكر ” من قبل متشيعيه، في بلاد ” الغرب ” تحديداً،
ولا أشهدَ مما تقدم مما نعيش ونعايِن ونصرّف أفكاراً ومشاعر وسبُل تعامل مع العالم
الخارجي، رغم التحفظ الشديد على عبارة ” العالم الخارجي ” حيث الحدود متداخلة،
ووسائل الاتصال تؤكد ذلك، كما لو أن الذي يعرّف بنفسه باحثاً أو متقدماً عليه، وهو
متجنس بجنسية ” أوربية “، وسواها ” في امتدادها “، وفي سياق هذا الاستنفار العاطفي
والاستثارة في المفردات التي تسوَّق وهي واحدة جهة المضمون تقريباً” عمالة، خيالة،
شبيح، تواطؤ، ذيلية…”، ومن باب الانتساب إلى ذات النقطة البيئية التي ولِد وترعرع
فيها، دون مراعاة اختلاف الزمان والمكان، وما في ذلك من شرخ لافت في العلاقة، أو
الانفصال عن العالم الفعلي الذي يضمُّه، لكأن التشبيح والاستشباح علامة فارقة في
التمايز، وانخراط في الرعوية أو الهتافاتية بأكثر تجلياتها عري مفهوم ودلالة.
في
ذهنية الشبيح والتشبيح ما يستوقف الباحث المعرفي كثيراً، وفي الواجهة: طريقة
تغذيتها، ومن يمّولها بمعان شتى، وأساليب احتضانها رغم اختلاف الأمكنة، فالمهم هنا
هو ” وحدة التفكير المتدني عملياً “، وبدلاً من أن يتقدم الساعي إلى المعرفة بآخر
مستجد فكري، فلسفي، علمي، فيها، ويطوّع أدواته النقدية لتكون أكثر انسجاماً مع ذاته
المستقلة، يكون التباعد، بقدر ما يتعمق الانفصال عن تلك الذات المفكّرة والتي ترفع
من شأن صاحبها، وليس أن يرمي بنفسه في دوامة العامة وما فيها من شعبويات مستثمرة
لأغراض تكتيكية، ومع الزمن تودي بالمعنيين بها أنفسهم.
إن من يبحث عن المعرفة،
لا يحتاج، ولا بأي شكل، إلى اعتماد أي مفردة من النوع السالف، أو من نوع ” وضاعة،
انحطاط، سفالة، ابتذال، لصوصية، تخلف…الخ ” إلا في سياق الاستقراء في المقروء
نصاً أو المسموع قولاً.
إن إخضاع أي قول للنقد، هو الذي يتكفل بكل ذلك، وما في
النقد هذا من قيمة ائتمانية لا تنفد جهة التدفق المعرفي، وقابلية نيل احترام
المنقود نفسه، والدخول في التاريخ، حيث المعروض للنقد هو جانب المادة قبل كل شيء،
كما لو أن الذي يمارس النقد ليس الشخص الناقد، إنما المنتسب إليه كلاماً أو
مكتوباً، وهنا نلتقي، وهنا نفترق معاً.
لأن مجرد اعتماد ذهنية الشبّيح والتشبيح،
وبالنسبة لنا كردياً، وفي هذا الوضع المضاعَف بأخطاره، يعني أن ليس من استثناء، ليس
من أيٍّ كان إلا ويكون شبيح آخر ما، وتشبيحاً له، ومستشبحاً، أي ليليّ الهيئة، ولا
رؤية لها بما أن الليل يوحّد بين الجميع..هل لقولة هيجل الألماني من حكمة إزاء
السالف قوله: كل الأبقار في الليل سوداء ؟
للتوضيح: وردت مفردة ” الأبقار ” وليس
” الثيران ” عن قصد لمن يتفهم هيجل فلسفياً !
دهوك- في 3 شباط 2016 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…