ابراهيم محمود
معنيون بالإقليم: أمناً واقتصاداً وسياسة وثقافة واجتماعاً، ومنذ أكثر من عام ونصف، يحاولون جاهدين: إعلامياً وفي اجتماعات مختلفة، لفت الأنظار إلى أن الوضع الذي يعيشه الإقليم: إقليم كردستان العراق، لا يستدعي خوفاً عليه، وتُقدَّم ذرائع عبر الإشارة إلى تصرفات ” حكومة المركز “، أو تداعيات الأحداث في الخارج، وكِلَف الحرب على الإرهاب، والانخفاض الهائل في أسعار النفط…، إلا أن كل ذلك لا يبّرر لمن يحرص على الإقليم من الجهات كافة، أن ثمة أزمة، أزمة مالية حادة، تتهدد أمن الإقليم، إن لم يعترَف بها، إن لم يتم السعي إلى إيجاد ما يمكن إيجاده، إذ إنه منذ الشهر التاسع من العام الفائت والناس يتساءلون: وماذا بعد؟
سوف يُسأل، أو ربما يتكرر سؤال كهذا: كيف يتم التحدث بالطريقة هذه ؟ وما في ذلك من تأثير سلبي على مشاعر الآخرين! حقاً؟ ليعلم إذاً من يريد أن يعلَم، أن الحديث عن الأزمة الحادة تماماً، ليس في مضمار التشفّي ” كما لو أن الجاري ليس حقيقة “، أو إعلام من ليس لديه علم من ” المغرضين ” بما يعيشه الإقليم من أزمة مالية وتأزُّم ماليٌّ، لأن الذي يعيشه كرد الإقليم تعدى حدود الإقليم، وسلّط عليه الضوء في أمكنة وجهات إعلامية أجنبية وجهوية مختلفة.
ليعلم من يريد أن يعلم إذاً، أن كردي الإقليم ليس نعامة، وأن كردستان العراق ليست رملاً، إنما ثمة وثمة وثمة خيرات قائمة، وأن عدم إيلاء الأزمة التي تضاعفت في الآونة الأخيرة اعتباراً، يفصح حقيقةً عن تجاهل نوعي لنبض الشارع، أو الاستخفاف بمشاعر ملايين الكرد الذين يترقبون اللحظة التي تتضمن عبارة ” صرف الرواتب ” !
الحديث عن الأزمة المالية الحادة في الإقليم، كما أعيشها وأتحسسها وسط الشارع، وعلى مستويات مختلفة، يستشرف بنا تلك السياسة المالية ذات الصلة بهموم الناس، بأوضاعهم المعيشية ومترتبات هذا التأخير، وما في تداعيات الأزمة هذه من تداعيات أخرى، والإقليم يعيش تحديات لها وزنها النوعي: خطورةً وتحدّي مقام، لأن السؤال يوجَّه إلى القيّمين على شئون البلد، على الصادر والوارد فيه، وللناس فيما يتعرضون له اعتبارات وتصورات، سوى أن الذي يتم رصده هو هذا التقليص المتصاعد في المسافة بين الذي يزداد تأففاً ومعاناة، ومن ينتظر وضعاً كهذا، وتكون فرصته في تعميق معنى الأزمة وما في سياقها من مخاوف تترى.
ولا أحسب أن هناك من لا يراقب الأوضاع عن كثب كردياً: أن هناك من يغامر منطلقاً بصفة مهاجر ككرد آخرين: في روجآفا وغيرها، صوب أوربا وغيرها أيضاً، من يبحث عن ممرات تخرجه من هذا الذي يضيّق عليه الخناق، مَن بات يتضايق من كل تسويف وكل زخرفة قول، لأن ما يكون معقول السياسي، وكما يقدّر، ربما يتجاوز حتى لامعقول الإنسان الآخر الذي تكون حساباته على الأرض ومن خلال مراقبة الأوضاع، وحتى لأسماء لها مواقعها المتنفذة.
إنه تحفيز لإرادة مجابهة المشكل المأزّم والمتأزم معاً، وعلى الطريقة الأكثر حداثية، حيث إن متابعة الأخبار باتت يسيرة جداً، ومن خلال قنوات لا أكثر منها: عبر شبكات مودَعة في الموبايل الشخصي، إلى مواقع انترنتية، عدى المبثوث تلفزيونياً وغيره، ولعل شخصاً ما دون العادي جداً، في ثقافته وتفاعله مع المسجدات، يستطيع أن يتبين الفرق، وهو فظيع ومريع، بين قنوات محلية، تحرص على طمأنة ” أناسها: كردها “، أن المشكل وشيك الحل، ولا يحتاج إلى كل هذه المخاوف المبالَغ فيها، وهي تتفاقم، وما أقلها، وقنوات مجاورة، ولها دعاتها ومروجون لها، وأبعد منها، سمعية وبصرية، لا تدخر جهداً في تحويل كل ما يراهن عليه الإقليم قيمةً، إلى مادة خبرية وفي عِداد ما وراء الأخبار: تعليقاً ومناقشة ومكاشفة، لتعزيز موقفها ليس فيما يعيشه الإقليم الكردي الذي يُخشى عليه من أهليه طبعاً، فحسب، وإنما فيما يحمله الإقليم من اسم بمفهومه الكردستاني، وما تكونه كردستان، والكرد عموماً في واقع الحال، وهي أكثر من كونها لعبة إعلامية. أوليس الحل الناجع لأي مشكل، هو الحيلولة دون وقوعه أو استفحاله؟ وتلك هي الفرصة الذهبية لأي إعلام لا يُكتَرَث له، بينما يستمرئ اللعبة التي تناسب ” ذوقه ” في النهاية!
دهوك- ليل 21-1-2016