الحركة الكردستانية والإرادة المغتصبة 1/3

 

د. محمود عباس

 

  تدفع
القوى الإقليمية الأحزاب الكردستانية الرئيسة للصراع بين بعضها، وتجرها إلى ساحات
المعارك السياسية والعسكرية الإقليمية، وهي بدورها تجر ورائها توابعها، لتنفيذ
أجندات قوى دولية كبرى، تمليها عليهم القوى الإقليمية، ليست لإشراكهم في العلاقات
التكتيكية أو الاستراتيجية، يكونوا فيها إحدى طرفي الصراع كقوة لهم رأيهم وإرادتهم،
بل لتفرض عليهم شروطها، تدفع بهم إلى المقدمة أو إلى الخلف أو إلى العتمة حسب
الحاجة، ونادرا ما يحاورونهم على ما سيقومون به من خدمات. يسخرونهم في حالتي السلم
والحرب، لتكون قد طمرت مسبقا، حولها، كل الشروط الذاتية لمجابهة الجاري، وفي العقود
الماضية عندما كانت السطات الشمولية تهيمن بدون منازع، قد أضعفت فيهم الإرادة، إلى
سوية عدم القدرة على عرض متطلباتهم، ويستخدمون كأدوات لتحقيق أجندات المستعمر.

 

   دائما وليس أحيانا، يتم إجبار الأحزاب الكردستانية على تنفيذ أعمال تظهرها على
أن نتائجها تصب في خدمة الشعب الكردي أو لبلوغ الغاية الكردستانية، وفي أفضل
حالاتها لا تتجاوز الغايات الحزبية، يفسرها المنتمون إليها لذواتهم على أن خدمة
كردستان تمر من خلال خدمة الحزب، وهي الثقافة التي لقنتهم إياها السلطات الشمولية.
 رغم شبه عدمية الطروحات العملية، وعرض البدائل في بعض الجوانب الرئيسة، ولأن
السطات المسيطرة كانت متحكمة بكل الجوانب المهمة في مسيرة الحركة الكردستانية،
وإعدامها للظروف الذاتية الملائمة، سنعرض السؤال المحير التالي: هل هناك بديل عن
الأساليب الجارية في العلاقات والمفروضة من قبل القوى الإقليمية؟ وهل من خطة أو
مشاريع يمكن أن تعرض على الأحزاب الكردستانية، خارج نطاق النقد العشوائي، لإخراجها
من هذه المعضلة، ولخلق ظروف ذاتية تساعدها على مواجهة القوى الإقليمية؟ أم أن
ممثليها لا يقبلون البديل عن الإطاعة والاستقواء بالقوى الإقليمية لإضعاف الكردي
الآخر؟
  وبسبب التغيرات النوعية في البيئة السياسية الكردستانية بل وفي الشرق
الأوسط، والتغيرات الواضحة والجارية إلى الأفضل، على عتبات تدخل القوى الكبرى وبشكل
مباشر في المنطقة، واعتمادهم المتصاعد على الكرد، فمن المهم، البحث عن البديل، وعرض
قضايا الخلافات، وإلقاء الضوء مرات ومرات على ما يجري على الساحة الكردستانية، علها
تفيد وتنير وتوقظ الإخوة في الطرفين الكردستانيين.
   تياران كردستانيان، (سيحصر
البحث في الإقليمين الجنوبيين الكبير والصغير، فالشمال والشرق لهما اعتبارات أخرى،
وهما في هذه المرحلة يسلكان سياسة ودبلوماسية مغايرة، أو يفرض عليهما تتبع نهجين
مختلفين، علما أنهما يشاركان بشكل أو آخر في الخلافات والصراعات الجارية بين
القوتين الكردستانيتين) يفرضون عليهم الصراع بين بعضهم، لغايتين، إضعافهما بشكل
عام، وخاصة بعد ظهور الكرد على الساحة الدولية، والثانية ليسهل لهم تسخيرهم
لخدماتهم، تحت حجة مساندتهم، على إرضاخ الكردي الآخر، وتكون لهم السيادة دون الآخر
على الشعب الكردي.
   سؤالان يفرضان ذاتهما: الأول، هل ما يقوم به كلا الطرفين
من علاقات، تكتيك آني مع القوى الإقليمية، لتسيير مصالحهما القومية؟ ويقال إنه في
النهاية الهدف واحد، وإذا كانت كذلك هل هو تكتيك ناجح؟، أم أنه ضعف في الإرادة؟ وهل
الواقع الجاري يبعد احتمالات نجاح المواجهة، ويقلل القدرة على التحرر من الإملاءات،
وهل تبعد رغبة التفاوض خارج سيطرة القوى الإقليمية؟
  أراء وأجوبة متنوعة ستظهر،
وستعكس خلفيات كل شريحة، ملتزمة بالأحزاب أو المستقلة، لكن على الأغلب الكل لن
يستطيع التهرب من الحقيقة المؤلمة، وهي أن الحركة الكردستانية، تصارع بعضها أكثر
مما تصارع الأعداء، وتسير ضمن أجندات القوى الكبرى، وتحت أوامر القوى الإقليمية،
التي تبعد عنها الهدف القومي، وتغيبها عن الساحات الدولية، وتغطي عليها بخلق مشاكل
أكثر إثارة دولياً، وتفرض عليهم أهداف للتعتيم على الهدف الكردستاني، وتجبر الحركة
الكردستانية على مشاركتهم في تنفيذها، وتلهيها بمشاكل داخلية وخارجية، مثلما هي
الأن، لا مصلحة لهم فيها.
 الصراع يتصاعد يوما بعد آخر بين طرفين من الحركة
الكردستانية، الأول: الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي، برئاسة السيد مسعود
برزاني، والثاني: العمال الكردستاني برئاسة السيد عبد الله أوجلان نظرياً وقيادة
قنديل عملياً. فالأول على خلفية الإمكانيات المحدودة، مقارنة بالدول المستعمرة
لكردستان، والظروف الذاتية الصعبة، تفرض القوة الإقليمية السنية في المنطقة شروطها
وأجنداتها عليه، وعلى رأسهم تركيا والسعودية، والثاني للواقع النضالي القاسي،
ومجابهته لأعتى الدول العسكرية في المنطقة، وإحدى ثاني أكبر دولة في الناتو،
والمدعومة من أكبر دولة في العالم، والظروف الجغرافية، تسمح لمجموعة الهلال الشيعي،
فرض إملاءاتها، عن طريق أئمة ولاية الفقيه الإيراني والسلطة السورية خاصة عندما
كانت غير تابعة لإيران. وواضح تبعية القوى الإقليمية المسيطرة ذاتها للقوى الدولية
الكبرى، وعمليات صراعهم على مصالحهم في المنطقة، وشكلية محاربة لداعش أو تغيير سلطة
بشار الأسد.
فرضت السلطات المستعمرة لكردستان على الطرفين الكردستانيين،
تكتيكات خاصة، وبدأتها بجذب الأحزاب الكردية من أقسام كردستان الأخرى
لمحورهما:
 المحور الأول: الإقليم الفيدرالي الكردستاني، ربطت بمحورها المجلس
الوطني الكردي في سوريا، همشته وساندته حسب متطلباته الذاتية وليس مصالحها الوطنية
أو القومية، بل بما فرضته عليها القوى الإقليمية من مصالح، لهذا تناوبت على المجلس
مراحل سريعة من القوة والضعف، استقالت منها أحزاب بشكل كامل أو مجزأ، على عدة
اعتبارات: أهمها عدم مساندتها كما يجب، أجبرت أو اضطرت إلى النزوح، تحت حجج وهمية،
وكانت الحقيقة، هي لإبعادها عن مسرح الصراع مع سلطة بشار الأسد، وترك الساحة ل ب ي
د الذي دعمته السلطة السورية. ومن أهم أخطاء قيادة الإقليم الفيدرالي الكردستاني،
الازدواجية السياسية، وتبينت من خلال تقزيم الأحزاب الكردية السورية المعارضة وعدم
مساندتها، وإبقاؤها في عوز مادي، ومن ثم القيام بخلق تجمعات على اعتبارات ذاتية
تخدم مصالحها الإقليمية لا الكردستانية، ومنها تشكيل المجلس المذكور، وقد أظهر هذا
المجلس في الفترة التي كان فيها المجلس الوطني الكردستاني-سوريا قد أعلن عن إقامة
مؤتمر كردستاني عام في أوربا، لتشكيل قوة كردستانية من جميع أطراف الحركة ضمن
سوريا، كمحاولة على ردم الشرخ الذي كان لا يزال في بداياته، وكان مقرراً عقده خارج
منطقة إملاءات القوى الإقليمية. والثانية قامت بتوحيد أربعة أحزاب، وشكل منهم الحزب
الديمقراطي الكردستاني السوري، لاعتبارات ذاتية، وبرئاسة وهيئة سياسية معظمها مفروض
مسبقاً، قريب من السلطة السورية وسلطة الأمر الواقع في المنطقة الكردية، ولهذا
انتقلت قيادة الحزب الجديد بعد أقل من أسبوع إلى قامشلو بعد أن كانت قيادات الأحزاب
الأربعة في الخارج في السنتين السابقتين للوحدة، ولم يعترض أحد على عودة الجديدة
إلى الداخل، ولم تخلق لهم أية مشاكل، باستثناء محاولة شكلية أو لعبة سياسية منعت
فيها القيادة من الدخول عبر معبر سيمالكا في اليوم الأول.
 المحور الثاني: مركز
جبل قنديل، أو منظومة المجتمع
الكردستاني…

 

يتبع…

 

د. محمود
عباس

 

الولايات المتحدة الأمريكية

 

 

12-7-2015

 

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…