تجلّيات كتابة المرأة

 نارين عمر


سأبدأ حديثي بإبداءِ ملاحظةٍ أو تعقيبٍ أراهما في غايةِالأهمية لتكون مدخلاً إلى مقالتي هذه تتعلّقُ بكتابة المرأة حيثُ يعتبرها البعضُ أنّها تُكرّسُ ضدّ الرّجلِ تحديداًأو تحرّض على محاربته وكشف كلّ سلبياته وتجنّب الحديث عن إيجابياته.
المرأةُ تعي جيّداً أنّ الرّجل مثلها هو نسيجُ تراكمات المجتمع عبر العصور المختلفة بعاداته وتقاليده وأنظمته المتعاقبة ولا تعدّه إطلاقاً المسؤول الوحيد عن الحالة التي وصلتْ إليها المرأة حاضراً أو ماضياً ولكنّها حينما تخاطبُ الرّجل فلأنّها تراه قادراً بشكلٍ أو بآخر على مدّ يدِ العون والمساعدة لها لتتمكّن من النّهوض من سباتِ الكبت العميق الذي ما زالت الكثير من النّساء تغرقُ فيه لأنّهما(المرأة والرّجل) يشكّلان كلاً واحداً لا يمكن فكّ ارتباطِ أحدهما عن الآخر.
ولأنّ الرّجل ومن ناحيةٍ أخرى يبدو وكأنّه يتفنّنُ عوماً في خضمّ الحججِ والمبرّرات التي يسوغها له المجتمع فيحاولُ أحياناً إظهار نوعٍ من السّطوة وإبراز الذات أمام نصفه الآخر أو يغضّ الطّرف عن الحلقة المفرغة التي تدور في رحاها المرأة وهنا تظهرُ المشكلة الحقيقية التي تُظهِرُ كليهما يبدوان وكأنّهما على طرفي نقيض من الآخر.
فالمطلوب هو إعادة صياغة إن لم نقل السّعي لتأسيسِ صياغةٍ جديدة للعلاقة بين الاثنين كي يؤسّسا معاً جيلاً خالياً من عُقَدِ السّنين المتراكمة والتي بلغت ذروتها بعدما باتت العفونة تغزو أشلاءها ليكونَ هذا الجيلُ النّواة الرّئيسة في خلق أجيالٍ قادمة سليمة النّفس والعقل واللسان.
في كتابه(أصل الكرد) يوردُ باسيلي نيكيتين قولاً لمينورسكي: (إنّ الكرد يعتبرون من بين الشّعوب الإسلامية أكثرها تفتّحاً في الموقف من المرأة) ويتابع(ليس من عادة الكرد الحدّ من  حرّية نسائهم ذلك أنّهنّ فاضلات مع تأنّقٍ ولباقةٍ وبشاشة).
أمّا توماس بو فيوردُ في كتابه(تاريخ الأكراد) ترجمة محمد تيسير بدرخان قولاً:
(لا نغالي أبداً إذا قلنا إنّ المرأة الكردية تتمتّعُ بالحرّية أكثر بكثير من أخواتها في البلاد الإسلامية الأخرى).
فإذا كان الرّجل الكردي وقتئذٍ وعلى الرّغم من كلّ ما رُسّخَ في ذهنه ونفسه من عاداتٍ ومفاهيم دينية وفكرية واجتماعية على ذلك المستوى الرّفيع من الوعي والإدراك فما أحوجنا اليوم إليه ونحن نعيشُ عصراً يكادُ يكونُ مغايراً ومن مجمل النّواحي عن كلّ العصور التي مرّ بها البشر(هذا إذا علمنا أنّ هذين الكتابين قد ألفا خلال الثّلث الأوّل من القرن العشرين).
يقودنا هذا إلى الإقرار بأنّ عجلة الحياة لا يمكن أن تدور باتّزان نحو التّطور والتّقدّم إذا أدارها نصفٌ بشريّ دون الآخر فلا الرّجلُ يستطيعُ قيادتها إلى برّالأمان والاستقرار وحده ولا المرأة تستطيعُ فعل ذلك.
لا بدّ من التّحاورِ   على أساسٍ من الودّ والتّفاهم وتبادل الآراء على أساسٍ من الجدل والنّقاشِ الرّاقي بعيداً عن العصبيةوالتّشنّج وتبادل التّهم بحججٍ وذرائعَ خاطئة فالرّجلُ يتهم المرأة بأنّها باتت الأقوى والمسيطرة والمرأة ما زالتْ ترى نفسها الضّعيفة والمكسورة الجناح أمام جبروت الرّجل.فالمصالحةُ إلى جانب المصارحة ضرورة لا بدّ منها كونهما يتمتّعان بقسطٍ وافرٍ من الوعي يستعرضان فيه كلّ الأمور المتعلّقة بهما بكلّ وضوحٍ وجرأة.
وهناك حقيقةٌ لا بدّ من ذكرها في هذا السّياق تتعلّقُ بالمرأة الكردية في كونها تتميزُ بصفاتٍ ومزايا حسنة قد لا نجدها مجتمعة لدى الكثير من النّساء الأخريات وسوف أعودُ مرّةً أخرى إلى باسيلي نيكتين ليسردَ شهادةً قيّمة ل(سون)):في كثيرٍمن القرى كانت ربّةُ البيت تستقبلني  في غياب زوجها وتشاركني الحديث ببهجةٍ وسرورٍ دون هذا الخجل  والاحتشام والضّعف المصطنع للنّساء التّركيات والفارسيّات بل ويتناولن معي أحياناً الطّعام وعندما يعود زوجها لا تترك الضّيف لوحده مؤكّدة
بذلك على اهتمامها به حتى يدخل الزّوج المنزل بعد نزوله عن جواده وربطه إيّاه في الحظيرة).ويقول في موضعٍ آخر: لاوجود للبغاء بين الكرد بل إنّ كثيراً من الرّذائل المنتشرة في الشّرق تكادُ تكون مجهولة لديهم).
أرى أنّكم متّفقون معي على أنّ فتاة اليوم خيرُ خلفٍ لتلك السّلف اللّبوة إذا توفرت لها الأرضية المناسبة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في الوقت الذي تشهد فيه الساحة الكردية السورية جُهوداً متقدمةً لتوحيد الصفوف من خلال عقد “كونفراس ” كردي جامع يضم مختلف القوى السياسية والمنظمات المدنية والفعاليات المجتمعية، بالتوازي مع الاتفاق المبرم في العاشر من آذار بين قائد قوات سوريا الديمقراطية وحكومة أحمد الشرع الانتقالية، تفاجأ المواطنون في مناطق “الإدارة الذاتية” بقرارٍ غيرِ مدروس ، يقضي برفع…

عزالدين ملا بعد ما يقارب عقد ونصف من الحرب والتشظي والخذلان، وبعد أن استُنزفت الجغرافيا وتفتتت الروح، سقط بشار الأسد كأنّه خريفٌ تأخر كثيراً عن موعده، تاركاً وراءه بلاداً تبدو كأنها خرجت للتو من كابوس طويل، تحمل آثار القصف على جدرانها، وآثار الصمت على وجوه ناسها. لم يكن هذا الرحيل مجرّد انتقال في السلطة، بل لحظة نادرة في…

إبراهيم اليوسف ليس من اليسير فهم أولئك الذين اتخذوا من الولاء لأية سلطة قائمة مبدأً أسمى، يتبدل مع تبدل الرياح. لا تحكمهم قناعة فكرية، ولا تربطهم علاقة وجدانية بمنظومة قيم، بل يتكئون على سلطة ما، يستمدون منها شعورهم بالتفوق الزائف، ويتوسلون بها لإذلال المختلف، وتحصيل ما يتوهمونه امتيازاً أو مكانة. في لحظة ما، يبدون لك من أكثر الناس…

د. محمود عباس   في زمنٍ تشتد فيه الحاجة إلى الكلمة الحرة، والفكر المُلهم، نواجه ما يشبه الفقد الثقافي العميق، حين يغيب أحد الذين حملوا في يومٍ ما عبء الجمال والشعر، ومشقة النقد النزيه، إنها لحظة صامتة وموجعة، لا لأن أحدًا رحل بالجسد، بل لأن صوتًا كان يمكن له أن يثري حياتنا الفكرية انسحب إلى متاهات لا تشبهه. نخسر أحيانًا…