من الخريف العربي إلى الخريف الكردي في غربي كرد ستا

 دلكش مرعي 
 لقد
ظن الشعوب العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا وتماهيا بالثورة الفرنسية
بأن القضاء على الأنظمة الدكتاتورية المستبدة والعدوانية الظالمة ستجلب لهذه
الشعوب العدل والمساواة والرقي والتطور والرفاهية وستقضي وإلى الأبد على الظلم
والطغيان وسيسود السلام والأمن والعدل والرقي داخل أوطانها ….. فقد تجاهلت هذه
الشعوب بأن هذه الأنظمة المستبدة لم تأتي من العدم أو من كوكب آخر بل أُتت من صلب
ثقافتها وقيمها وأفكارها المأزومة المتخلفة … وتجاهلت بأن الأفراد ضمن المجتمع
الواحد هم ينهلون من نفس الوعاء الفكري والقيمي والعقائدي الكائن في بنية تراثها
و لن يكون هناك فرق بين من يجلس على كرسي الحكم إن كان أسمه زيد أو عبيد أو خلف أو
مخلوف وبأن الظلم والعدوان والطغيان لا يولد مع الإنسان بالفطرة بل هي نتاج قيم
وأفكار وعقائد كامنة في البنية الفكرية للشعوب تنتج هذه العدوانية والظلم والطغيان
والحروب وكذلك تنج التباين في المستويات الحضارية والمادية لدى البشر فعلى سبيل
المثال لولا ثقافة الغزو وسبي النساء الكامنة في شرائع الدين الإسلامي لما وجد داعش
ولولا الصراع بين بني هاشم وبني أمية حول أحقية الخلافة لما وجد طائفة السنة
والشيعة ولما وجد هذا الحرب الطائفية المدمرة  . أي إن الظواهر والوقائع البشرية لا
تأتي من العدم بل هناك أفكار وقيم تنتجها .. ففي عالمنا المعاصر تجد شعوب تغزو
الفضاء وتنجز انجازات علمية هائلة وأخرى تعاني من الظلم والاستبداد والطغيان وبعضها
تعيش حالة بدائية أو في ظل الاحتلال كالشعب الكردي علماً بأن البشر هم من أرومة
بشرية واحدة ولهم نفس كتلة الدماغ والبنية الفزيولوجية ولا يوجد طفرات راقية متميزة
بين الشعوب تميزها عن بعضها بل إن مجمل هذه الظواهر والتباين في المستويات الحضارية
 وبدون أدنى شك تنتجها جملة القيم والأفكار والعقائد الكائنة في تراث هذه
الشعوب … 
والشعب الكردي المسكين في غربي كردستان هو الآخر كان  يظن كما ظن
الشعب العربي بأنه إذا تحرر من مغتصبي ومحتلي كردستان الذين تلقى منهم عبر مئات
الأعوام الظلم ولاستبداد والعدوان والفقر والمجازر وكل الممارسات العدوانية كان يظن
بأنه عندما يتحرر من هؤلاء ويحكم من قبل – هفال – ويتحرر من ظلم –  خلف ومخلوف –
 سيعيش بسلام ووئام وبكرامة وفي نعيم دائم ولكنه لم يكن يدرك بأن جزءاً مهماً من
ثقافة هفال هي من صلب ثقافة خلف ومخلوف وبان الشعوب القاطنة في مابين النهرين
وجوارها ومنذ العهد السومري إلى يومنا هذا تعاني من الظلم والجهل والحروب والغزوات
والتخلف والعبودية وبأن أزمة هذه الشعوب تكمن في بنيتها الفكرية وبأن ثورة سياسية
ستكون محكومة بالفشل إن لم يرافقها ثورة فكرية تحررية تزيل كل قيم التخلف من ميراث
هذه الشعوب فالاستبداد هي الاستبداد إن كان مصدرها عقيدة –هفال – أو عقيدة – خلف و
مخلوف – ولا يوجد استبداد أبيض وأخرى سوداء .
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…