الانتخابات والبوصلة المفقودة ..

روني علي

    يبدو أننا – كحالة حزبية كردية في سوريا – تعودنا أن ندبج الجمل والمصطلحات، ضمن بيانات أو تصريحات، لا هدف منها سوى البحث عن مخارج، لننفذ من خلالها بجلدنا من متاهات نحن صانعيها، أو دهاليز، نحن الواقعين فيها، سواء بإرادتنا أو رغماً عنا
وكأن هذا السلوك وذات الأسلوب، هو قدرنا أو طريقتنا الوحيدة في التعاطي مع الأحداث والمستجدات، خاصةً حين تبرهن الوقائع بأننا في موقع المهزوم حيال ما نرصده من معطيات، أو ما نتعامل معه من رؤى ومواقف، وبالتالي نجد أنفسنا مضطرين إلى أن نحول الانكسار إلى انتصار، ونلقي باللائمة – ودائماً – على من هو في الطرف الآخر من الموقف ..
   فبالعودة إلى ما تبقى من ذاكرتنا، وهي تستعرض بعض الصور من المهزلة التي تسمى – تجاوزاً – بالمعركة الانتخابية، سنكون مضطرين إلى القول؛ بأن ما تسمى بالمعركة، ليست سوى تهذيباً وتنميقاً لحالة النكوص التي نحن نصارعها، خاصةً وأن مجل المواقف التي نطرحها إلى الشارع، والتي نتباهى بها، أو نتصارع عليها، تؤكد بأن العملية الانتخابية فاقدة لمصداقيتها قبل صدقيتها، كون الذي يدلي بصوته ضمن حالة فقدان أبسط مقومات الديمقراطية، وطغيان حالة الطوارئ، واحتكار البلد من قبل سلطة الحزب الواحد، ناهيك عن غياب قانون للعمل السياسي وكذلك آلية الانتخاب، إلى جانب القضايا العالقة، والتي تشكل الدخول في حلها، المدخل لتصحيح الأداء نحو الركوب في سكة المعالجة لمجمل الأزمات الوطنية، كالقضية الكردية بتداعياتها واستحقاقاتها، يدرك جيداً بأن ذاك الصوت لا مكان له من الفعل، كونه يصدر عن مواطن خارت قواه بفعل السياسات السلطوية التي أنهكت كيانه، وجعلته محايداً في مجمل القضايا التي تمس الوطن والمواطن، لأنه وبحكم الدستور الساري المفعول، هناك من يفكر ويقرر بالنيابة عنه، وبالتالي فإن قضايا الوطن والمواطن تكون خاضعةً لتوازنات، هي من صنيع الغرف المظلمة، وما الصوت الانتخابي، وبالشكل الممارس، ووفق الصيغ المخططة لها مسبقاً، إلا إضافة أخرى على طريق التفنن بخنق إرادة المواطن، وهنا لا مكان للحديث عن كسب الجولة أو المعركة الانتخابية، وإن كان ذلك في كف عفريت، بقدر التفكير – ملياً – في : ماذا سنحقق بعد النجاح، وما هو الهامش المتاح لنا ونحن نتربع تحت قبة مجلس الشعب، ترى هل نمتلك القدرة أو الآلية أو حتى النسبة التي تؤهلنا لأن نغير في المعادلة، وندفع بالبلد إلى حيث المؤمل والمرجو، ونحن ندرك جيداً بأن النسب الموزعة في اللوائح الانتخابية، يحيل المجلس برمته إلى حزب السلطة، كونه يمتلك حصة الأسد – النسبة المطلقة -، إضافةً إلى أن المواطن مجبر للإدلاء بصوته لصالح قائمة السلطة وهو يختار مرشحه ..

بمعنى آخر تكون لقائمة السلطة صوت مع كل صوت لمرشح خارج تلك القائمة، وهنا أيضاً تكمن الإشكالية في الأداء والآلية، حيث تتفاوت أصوات المواطنين بحسب موقعهم الجغرافي، وذلك بحسب النصاب المخصص لكل محافظة، فالمواطن الذي يسكن العاصمة يمتلك نسبة من الأصوات أكثر من الذي يسكن محافظات الجزيرة، وذلك حتى تكون قائمة السلطة هي الفائزة بالتأكيد، لأنه لو أعطي لكل مواطن – وبالتساوي – نسبة معينة من الأصوات، لتغيرت المعادلة ضمن توازنات قوائم السلطة ..


   والغريب في الأمر هو ذاك التناقض الذي أصبح من شيمة ممارساتنا السياسية، حيث؛ وفي الأمس القريب كنا ندعي بأننا كحالة سياسية معارضة، لا نمتلك القدرة على أن نقرر بملء إرادتنا ونحدد الموقف تجاه العملية الانتخابية، وخاصةً في مجال المقاطعة، فكان هناك من يقول، وقد أكون إلى جانبهم، بأننا لا نمتلك إرادة الموقف كي ننحو بذاك الاتجاه، كوننا مسلوبي الموقف والقرار، وما أن اتخذت جهات معينة الموقف عينه – المقاطعة – في هذه الدورة، حتى كنا أمام بيانات وتصريحات توحي بأن الموقف – مرةً أخرى – من صنيع قرارات السلطة، حتى ذهب البعض إلى حد التشكيك إن لم نقل التخوين ..

وهنا كان لا بد من أن نتساءل : ما الذي نبتغيه من كل هذا الخلط في الأوراق، ونحن نحاول أن نبرر لتلك المواقف، التي ابتعدت عن نبض الشارع، حين حاولت أن تبحث عن الرصيد، وتضخم من حجم العملية الانتخابية إلى درجة المعركة السياسية، لكنها سرعان ما أدارت ظهرها لتلك المعركة وقبل البدء فيها..
    ما أخشاه حقيقةً، هي أن تشكل هذه المواقف نقطة إضافية في الحاضن التناحري بين المكونات الحزبوية في الساحة الكردية، وهذا ما لا نتمناه، لأننا ننشد البحث عن بوصلة تؤهلنا كي نقرأ إحداثيات الخارطة السياسية ضمن مرحلة نرى بأن قضيتنا هي المستهدفة فيها بالدرجة الأولى، خاصةً وأن الدور التركي وتحرشاته بالتجربة الكردية تؤكد على ما نذهب إليه، هذا الدور الذي يستند إلى ثقافة ومشاريع، سواء من جانب الأنظمة التي تقتسم كردستان، أو من جانب الذهنية الاقصائية التي تحاول استهداف القضية الكردية، ومن هنا فإن الصرخة الكردية ينبغي لها أن تطلق، والموقف يجب أن يعبر عن الهوية، بعيداً عن التناحر على تقذفه إلينا المخططات من أجندات، وقد تصل بنا الحالة إلى أن ننخر من جديد في البعض من حالات التوافق التي توصلنا إليها بفعل قوانين التطور ومشاريع التغيير ..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…