ازدواجية المعايير عند بعض المثقفين

علاء الدين جنكو

عندما يحمل المثقف قلمه ليفرغ به سيل أفكاره في مقالة يكتبها – أعترف – أنه لا يستطيع أن يمنع تأثير نسمات عواطفه على ما يكتبه .


فقد يكون لكلماته إيحاءات ومضامين يمكن قراءة شخصيته من خلالها ..

نعم اعترف بهذا وهو ما لم أسلم منه شخصياً .


على أن الأمر الذي لا أراه – من وجهة نظري – إيجابياً ومستحسناً ، تلك الازدواجية في التقليد والحكم عند هذا المثقف أو ذاك عند كتابة مقالة ما ، بغض النظر عن توجهه الأيديولوجي .

والمثقف عند كتابته لمقالة ما أو تحليله لموضوعها يجب أن يتسلح بكل ما هو موضوعي وحيادي حتى يتمكن القارئ من الحكم على طرحه من غير أن يُخدِع هذا القارئ بمعلومة قد لا تكون صحيحة وخاصة أن غالبية المقالات تأتي بأخبار الأولين والآخرين من غير إحالة إلى المصادر ، ولو أحيلت لذكرت من غير دراسة لا لمتونها ولا لأسانيدها .
وفي كثير من الأحيان يذكرها من مصادر غير متخصصة حاله كمن يزن الذهب بمكيال الفجل ، ويساوم لمعاوضة التبن بالتبر .
وهنا أقف لأنتقد بعض الإخوة الكتاب الذين يخلطون الأمور ببعضها فينتج عنها استهانة واستخفاف بعقل القارئ وهو ما يجب أن يتجنبه الكاتب .


فعندما يتحدث عن ظلم الإسلام على الشعب الكردي يضرب بـ (صدام حسين ) مثلاً وهو والحالة هذه يستخدم أسلوب صدام نفسه الذي استخف بعقول من حوله عندما استخدم شعارات الدين عند حاجته لها علماً بأنه وحزبه بل ونظامه – كما يعلم الجميع – علماني ، قومي ، ووقف بكل صلابة ضد كل ما هو إسلامي ، بل وأزيد أن صدام بكل إجرامه واختلافه عن كل صفات البشرية كان يتفق مع هؤلاء الكتاب الذين يُحمِّلون الإسلام بجريمة منتسبيه في الوقت الذي يبرؤن القومية من جرائم أبنائها .
كما أنه في الوقت نفسه عندما يتحدث أحدهم عن إيجابيات العلمانية واللبرالية – وهو من حقه – يبرئ تلك المبادئ من تصرفات المجرمين من العلمانيين الذين أبادوا الشعب الكردي وساهموا في سحقه .
طبعاً أنا لا أبرئ المسلمين تخاذلهم عن قضية شعبنا الكردي الذي لاقى الويل والعذاب منذ ولادة الفكر القومي إلى يومنا هذا فحتى من وقف منهم بجانبنا وقف بخجل واستحياء .
لكن هذا لا يعني قطعاً أن أنتقد ديني الذي يدين به 98% من أبناء شعبي بسبب تصرفات المسلمين من غير قوميتي ، كما لا أتبرئ من قوميتي عندما يُظلم الناس من بني جلدتي على يد بعض القوميين المجرمين المستغلين للقومية في تحقيق مآربهم .

نعم لا أستطيع أن أستصغر عقيدة شعب بأكمله ، ، ولا داعي أن نخدع أنفسنا بأراء من يكتب أحيانا وهو يرغب في الانسلاخ عن هذه العقيده فهو لا يمثل إلا نفسه فقط !! لأن واقع شعبنا بعمومه متمسك بعقيدته الإسلامية السمحة المسالمة إلى حد التضحية .
كثير من الكتاب الذين يحاولون إقحام أنفسهم بأمور فوق مستواهم أتصور أنه من باب ازدواجية المعايير التي ليس بمقدورهم التوفيق بينها فيقع في خيال يظنه كاتب المقال حقيقة وأنه أبدع في نسجها !!!
وكثير من عوام القراء أيضاً وممن لا اطلاع لهم على العلوم المختلفة يظنون كلامهم في غاية الصحة والدقة حالهم كالظمآن الذي يلمح سراباً يظنه ماءً .
ازدواجية المعايير قاتل للمثقف والكاتب ، وخطورته أشد عندما يزرع هذه الصفة التي أعتبرها – نفاقية – في أبناء شعبنا الذي مازال في طور القراءة وطور الإعداد – بسبب الحرمان – للانطلاق إلى حياة البناء .
ازدواجية المعايير تبعد المثقف عن الحقائق ، وتجعله عجينة بيد الخباز من حيث لا يدري ويكون في غالب الأحيان محامياً للشيطان ، والشيطان يضحك عليه ويلعب بمصيره .
ازدواجية المعايير خيانة في حق الثقافة والقلم والكلمة .
وأما أهم أسباب هذه الازدواجية – برأيي – هو التسليم الكامل للعواطف والمصالح المادية الضيقة والنظرة السطحية للأمور، كل ذلك تصنع منها عصابة تغطي بها الأعين فتحرم صاحبها من الرؤية .
ومن طرائف ما قرأت لكاتب – صديق لي – أحترمه جداً كتب في مقالة ينتقد فيها الرئيس الفنزويلي ( تشارفيز ) وعندما سألته ماذا تعرف عن أوضاع فانزويلا ، قال : بأنه لا يعرف إلا أن رئيسه دكتاتوري !!!
وعندما سألته عن مصدر هذا الاتهام على الرغم من انتخاب شعبه له بشكل حر وديمقراطي ، قال : يكفي أنه يواجه ويحارب أمريكا وديمقراطيتها !!!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

عدنان بدرالدين   بينما تتجه الأنظار اليوم نحو أنطاليا لمتابعة مجريات المنتدى الدبلوماسي السنوي الذي تنظمه تركيا، حيث يجتمع قادة دول ووزراء خارجية وخبراء وأكاديميون تحت شعار ” التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم”، يتبادر إلى الذهن تساؤل أساسي: ما الذي تسعى إليه أنقرة من تنظيم هذا اللقاء، وهي ذاتها طرف فاعل في العديد من التوترات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية، خصوصًا…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا المليء بالتحديات الجيوسياسية والأزمات التي تتسارع كالأمواج، هناك قضية كبرى قد تكون أكثر إلهاما من مسرحية هزلية، وهي “ضياع السيادة”، حيث يمكن تلخيص الأخبار اليومية لهذا العالم بجملة واحدة “حدث ما لم نتوقعه، ولكنه تكرّر”، ليقف مفهوم السيادة كضحية مدهوشة في مسرح جريمة لا أحد يريد التحقيق فيه، فهل نحن أمام قضية سياسية؟ أم…

أمجد عثمان   التقيت بالعديد من أبناء الطائفة العلوية خلال عملي السياسي، فعرفتهم عن قرب، اتفقت معهم كما اختلفت، وكان ما يجمع بينهم قناعة راسخة بوحدة سوريا، وحدة لا تقبل الفدرلة، في خيالهم السياسي، فكانت الفدرالية تبدو لبعضهم فكرة دخيلة، واللامركزية خيانة خفية، كان إيمانهم العميق بمركزية الدولة وتماهيها مع السيادة، وفاءً لما نتصوره وطنًا متماسكًا، مكتمل السيادة، لا يقبل…

بوتان زيباري   في قلب المتغيرات العنيفة التي تعصف بجسد المنطقة، تبرز إيران ككيان يتأرجح بين ذروة النفوذ وحافة الانهيار. فبعد هجمات السابع من أكتوبر، التي مثلت زلزالًا سياسيًا أعاد تشكيل خريطة التحالفات والصراعات، وجدت طهران نفسها في موقف المفترس الذي تحول إلى فريسة. لقد كانت إيران، منذ اندلاع الربيع العربي في 2011، تُحكم قبضتها على خيوط اللعبة الإقليمية،…