الأسد والخيار الصعب

جان كورد

 

 السوريون يتهمون الأسد
الأب ببيع الجولان والتنازل الكلي عن لواء اسكندرون، ويتهمون الأسد الابن بتسليمه
السيادة السورية لروسيا وسماحه للإيرانيين بشراء مساحات واسعة من الأراضي السورية
وكثيرٍ من العمارات  والعقارات، والسماح
لهم وللروس بالتصرف في بلاده وكأنهم هم أهلها وهو أجير عندهم، وهذا يتم تبريره
ب”الحرب على الإرهاب” الذي في حقيقته الأصلية ليس إلاّ حرباً على الشعب
السوري الذي بدأ ثورة عارمة بأسلوبٍ سلمي، من قبل أن تتخطفه صقور الإرهاب الطائفي
من سنيين وشيعة في محاولةٍ لجعل سوريا ساحة نزالٍ وقتال بين طرفين متطرفين عقيدياَ
وغير قادرين على الصلح والاتفاق، رغم انتمائهما لمنبعٍ ديني واحد.
يعلم الأسد جيداً أن الروس لايقومون بالقصف اليومي الوحشي على مدن سوريا وقراها
والإسناد لقواته على مختلف الجبهات من أجل سواد عينيه أو لأنهم مغرمون بأسلوبه في
معاملة شعبه، ويعلم تماماً أن الإيرانيين لهم أهداف أبعد بكثير من التباكي واللطم
على قبور “الأولياء” و”أهل البيت”، وإنما لهم وللروس مصالح وأهداف، قد تتفق في
نقاطٍ محددة مع بعضها وقد تختلف في أخرى، بل قد تتصادم في دوائر وعلى خطوط معينة،
وكل منهما يسعى لتثبيت نقاط نفوذه، على حساب النظام والمعارضة السورية في الوقت
ذاته. وسيطلب الطرفان منه باستمرار ما لايقدر على إعطائه لهما، فإن سوريا بلد لم
يعد يملك شيئاً سوى مدنٍ مدمرة وشعب جائع وجريح ومهاجر، ومافيه من ثروات أرضية
وبترولية أقل بكثير مما لدى الروس والإيرانيين. والسوق السورية تحتاج إلى عقودٍ من
الزمن حتى تدر على التجار أرباحاً مغرية، فهذي البلاد التي تئن من جراحها وتثقل
الديون المتراكمة كاهلها لم تعد سوريا قبل شروع الأسد في ذبح وتقتيل وتشريد شعبها.
حتى إن الأسد قد قضى على نسيجها الاجتماعي الإنساني الذي لن يجذب السياح والتجار
إلا بعد مرور وقتٍ طويل على انتهاء هذه المأساة.
في مثل هذه الأوضاع الرهيبة،
كان على الأسد أن يفكر في إيجاد مساحةٍ يلتقي فيها مع ممثلي شعبه، من قيادات الثورة
السوريين والمعارضة الوطنية، هؤلاء الذين يريدون نظاماً سياسياً آخر مختلف عما هو
عليه نظامه ويحاربون التنظيمات الإرهابية، لينقذ سوريا من النفوذ الخارجي المتزايد
ومن الهيمنة العسكرية الروسية والتدخل الإيراني في شتى شؤون البلاد، حتى في إقامة
الصلوات والاحتفال بعاشوراء، إلاّ أن الأسد -كما أثبت توالي أحداث الثورة السورية –
لايملك شروى نقير من الثروة الوطنية بين جنبيه، ولا الإنسانية، بل هو فاقد للشرعية
كرئيس منذ توليه منصبه بأسلوب مراوغ وحتى قبوله الذهاب إلى موسكو وحيداً في طائرة
شحن عسكرية من دون مرافقين وأتباع ذليلاً إلى أبعد حدود الإذلال، وإلاّ لأظهر الروس
استقبالهم له كالرؤساء الآخرين ومعه وفد سوري عظيم ليؤكدوا أنه لازال قوياً في
بلاده ويمثل شعبه.
فماذا سيحدث للأسد، وماالخيار الذي سيختاره، فيما إذا تضاربت
مصالح الروس والإيرانيين بشكلٍ سافر وقوي؟ هل فكر في هذا؟ إنه بالتأكيد خيار صعب،
فقد ظل نظامه في عهد أبيه يكرر أسطوانة “المقاومة” و”الرفض” و”الممانعة” حيال
إسرائيل، وأكّد الأسد الابن مراراً وتكراراً أنه سائر على نهج أبيه، وكذلك
الإيرانيون وأتباعهم في المنطقة الذين دوخوا العالم بهجماتهم اليومية على إسرائيل
ودعمهم لكل من يحاربها وشتموا ولا يزالون يشتمون العرب على “تخاذلهم” أمام إسرائيل،
وإذا بروسيا تقول للعالم بصراحة:”إننا ننسق جوياً مع الطيران الإسرائيلي في سماء
سوريا!!!” فإن أقل ما نفهمه من “التنسيق الجوي” هو وجود “هيئة عسكرية” و”خرائط
لسوريا” و”شبكة اتصالات مستمرة” و”تبادل معلومات” عن انتشار القوات الأرضية،
السورية وغير السورية (مثل قوات حزب الله) أي أن قوات إيران المختلفة تحت أنظار
عدوها الأول إسرائيل، إن كانت إسرائيل حقاً عدواً حسب المزاعم السورية والإيرانية
وأبواق الملالي الإيرانيين في المنطقة. فهل يعني هذا أن إيران ستظل ساكتة على
عمليات القصف الإسرائيلي لخطوط امداد حزب الله بالصواريخ عبر الأراضي السورية،
وبنفس الوقت تستمر في قتال الجيش السوري الحر؟ ألن يؤثر هذا سلباً في رصيد إيران
السياسيبين شعوب المنطقة ويضر بها كدولة “معادية!”  لإسرائيل وتريد له الإزالة
والإبادة؟ بالتأكيد إن هذا “التنسيق” الروسي – الإسرائيلي قد قلب الكثير من
المفاهيم عن “الممانعة” التي تحولت إلى “مضاجعة”، فقط لضمان استمرار نظام الأسد. 
أو أن إيران لن تقبل باستمرار النفوذ الروسي على دمشق بهذا الشكل الصارخ، مما سيضع
الروس والإيرانيين في مواجهة سياسية، وبخاصة فإن لإيران طموح ديني خاص بها في سائر
المنطقة يمتد من طهران إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط.
فهل يلتزم الأسد بتبعيته
شبه التامة لإيران وعقيدتها السياسية الغامضة حالياً أم سيفضل الجلوس في طائرات
الشحن الروسية، والروس يستخدمونه كحربةٍ صدئة في الصراع مع الغرب على المنطقة؟ 
إن خيار الأسد صعب، كما الإبقاء على دعم الطرفين له دون الوقوع في صراع بينهما
صعب أيضاً لأن موضوع التنسيق الروسي – الإسرائيلي مهم جداً لإيران، كما أن لإيران
مصالح كبيرة جداً مع دول الغرب التي وصلت معها إلى إبرام إتفاقية نووية مؤخراً،
والأسد يعلم أنه قد أخطأ خطاً جسيماً حينما رفض الوصول مع ممثلي شعبه من المعارضة
وقيادات الثورة السورية إلى اتفاق وطني شامل، ولن يمر وقت طويل حتى ينقلب السحر
الروسي على الساحر وتجد إيران نفسها وقد خسرت الكثير بتدخلها الكامل في الشأن
السوري، فسوريا ليس العراق، والعالم الغربي لن يسكت بعد أن تدخلت روسيا في الحرب
لان الموضوع يمس استراتيجياته ومصالحه ونفوذه في المنطقة، وموضوع بقاء الأسد أو
زوال نظامه ليس بأهم الأمور في هذا الصراع الكبير على ثروات المنطقة وممراتها
المائية وموقعها الاستراتيجي في العالم.
فهل يختار الأسد قبول ما يريده العالم
الغربي منه فجأةً بشرط الحفاظ على حياته وحياة عائلته، ويسقط بذلك المشروعين
الإيراني والروسي كليهما لأنهما في النهاية ستتركانه وحيداً قد يتم قتله أو تقديمه
لمحكم دولية بسبب جرائم نظامه ضد الإنسانية؟
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف إنَّ إشكالية العقل الأحادي تكمن في تجزئته للحقائق، وتعامله بانتقائية تخدم مصالحه الضيقة، متجاهلاً التعقيدات التي تصوغ واقع الشعوب. هذه الإشكالية تطفو على السطح بجلاء في الموقف من الكرد، حيث يُطلب من الكرد السوريين إدانة حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) وكأنهم هم من جاؤوا به، أو أنهم هم من تبنوه بإجماع مطلق. الحقيقة أن “ب ك ك”…

شيروان شاهين سوريا، الدولة ذات ال 104 أعوام البلد الذي كان يومًا حلمًا للفكر العلماني والليبرالي، أصبح اليوم ملعبًا للمحتلين من كل حدب وصوب، من إيران إلى تركيا، مرورًا بكل تنظيم إرهابي يمكن أن يخطر على البال. فبشار الأسد، الذي صدع رؤوسنا بعروبته الزائفة، لم يكتفِ بتحويل بلاده إلى جسر عبور للنفوذ الإيراني، بل سلمها بكل طيبة خاطر…

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…