الشمس – سوليه

أمين عمر

قبل تسع
سنوات وصلت لسويسرا، كنت سعيداً جداً بحياتي الجديدة، كان الوقت نهاية الخريف
،تفاجأت بطبيعة البلد، وكأنها لوحات فنية، جبالٌ ذو قممٍ حادة، تزينها أشجارٌ تحمل
اوراقٍ خضراء، صفراء و حمراء، الأنهار والبحيرات تضيف الطبيعة جنوناً فوق جمالها،
كنت مندهشاً أكثر للقوانين، و للدقة. الإحترام الكبير يُشعِرُك وكأنك في حلم مع
الملائكة، بقيت في الشهور الثلاثة الأولى في “كمب” في قرية كوفيه ” Couvet” هناك
تعلمت بعض الكلمات الفرنسية، ” ميغسي، بونجور، شمس – سوليه ، تلج – نيج”. 
حل
الشتاء مبكراً وتساقطت الثلوج بغزارة،كان العاملون في ” الكمب” عندما تطل الشمس
لدقائق من بين الغيوم، يتراكضون في الممر، ليصلوا الأبواب، ويجاوبون على أسئلة
نظراتنا: ” سوليه” اي الشمس ، يتلهفون لرؤيتها والإستمتاع بدفئها.
الشمس بالنسبة لي كانت تعني اللهيب، الشمس- سوليه، التي يذكرونها تعني لي ظهيرات
ايلول حينما كنت أخلع قميصي فابقى عاري الصدر، وأنا اسقي القطن والعرق يغسل وجهي،
سوليه كانت تعني لي الحصاد وأكوام القش، الشمس تعني لي غبار حصادات جوندر وهي تركض
على بيادر العدس، تذكرني بقدماي الحافيتان وأتربة كورتبان تداعبها وتكويها
كالجمر.
بعد حوالي ثمان سنوات، توجهت للعمل في ذاك الكمب، بدأت أستعيد لحظات
حياتي لتلك الشهور، لم يكن قد تغير شيء، المغاسل والحمامات والمطبخ لم يتغير شيء،
القوانين ذاتها، بعكس ما توقعت، فكل سنة عندما كنا نودع مدارسنا بنهاية السنة
الدراسية نأتي السنة القادمة وبالكاد نعرفها وقد تحولت لخرابة … كنت اسير في ممر
“الكمب” بحنان خفي عندما كنت أمر بجانب غرفتي التي سكنت فيها هناك.
في أحد
الأيام، الضباب كان يملأ السماء والأرض، كنت في الممر أتحدث مع أحد اللاجئين، تركته
بسرعة وقلت له: سوليه !. دارت تلك الكلمة كثيراً في رأسي ، تسألت في نفسي ، هذا
الموقف ليس غريباً، لقد مررت به ولكن متى… 
بعدها تذكرت نظرات الإستغراب عندما
كنا نرى عمال ” الكمب” قبل سنوات وكيف يركضون لرؤية الشمس، عادت بي الذاكرة ،تذكرت
نظرتي للشمس وكيف تغيرت، تألمت، كيف نسينا شمسنا وأستبدلناه ب سوليه.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

النقل عن الفرنسية إبراهيم محمود باريس – أكد البروفيسور حميد بوزأرسلان على ضرورة تحقيق الكُرد للاندماج الداخلي، وشدد على أن المسألة الكردية، بسبب الاستعمار فوق الوطني لكردستان، لا تقتصر على دولة واحدة بل هي شأن إقليمي. وتحدثت وكالة الأنباء ANF عن المسألة الكردية مع حميد بوزأرسلان، مؤرخ وعالم سياسي متخصص في الشرق الأوسط وتركيا والمسألة الكردية، يقوم بالتدريس في كلية…

درويش محما* خلال الاعوام الستة الماضية، لم اتابع فيها نشرة اخبار واحدة، وقاطعت كل منتج سياسي الموالي منه والمعادي، وحتى وسائل التواصل الاجتماعي لم اتواصل معها ولا من خلالها، والكتابة لم اعد اكتب واصبحت جزءا من الماضي، كنت طريح الخيبة والكآبة، محبطا يائسا وفاقدا للامل، ولم أتصور للحظة واحدة خلال كل هذه الأعوام ان يسقط الاسد ويهزم. صباح يوم…

إبراهيم اليوسف من الخطة إلى الخيبة لا تزال ذاكرة الطفولة تحمل أصداء تلك العبارات الساخرة التي كان يطلقها بعض رجال القرية التي ولدت فيها، “تل أفندي”، عندما سمعت لأول مرة، في مجالسهم الحميمة، عن “الخطة الخمسية”. كنت حينها ابن العاشرة أو الحادية عشرة، وكانوا يتهكمون قائلين: “عيش يا كديش!”، في إشارة إلى عبثية الوعود الحكومية. بعد سنوات قليلة،…

سمير عطا الله ظهر عميد الكوميديا السورية دريد لحام في رسالة يعتذر فيها بإباء عن مسايرته للحكم السابق. كذلك فعل فنانون آخرون. وسارع عدد من النقاد إلى السخرية من «تكويع» الفنانين والنيل من كراماتهم. وفي ذلك ظلم كبير. ساعة نعرض برنامج عن صيدنايا وفرع فلسطين، وساعة نتهم الفنانين والكتّاب بالجبن و«التكويع»، أي التنكّر للماضي. فنانو سوريا مثل فناني الاتحاد السوفياتي،…