تفتقر الثورة لقيادة مشتركة وليس «كاريزمية»

صلاح بدرالدين

   في خضم المناقشات
الدائرة منذ حين بين مثقفي ومناضلي الثورة السورية حول ايجاد السبل المناسبة
للارتقاء الى موقع يوفر شروط الانتصار ومواجهة التحديات الخطيرة الماثلة عبر انجاز
المهام والخطوات اللازمة لتوحيد طاقات وقوى الثورة وفي المقدمة عقد المؤتمر الوطني
السوري الشامل عبر لجنة تحضيرية معبرة عن الواقع الوطني وتتميز بالكفاءة والنزاهة
تشرف على تنظيم وادارة المؤتمر للخروج ببرنامج التوافق الوطني وانتخاب مجلس سياسي
عسكري على قاعدة مبدأ القيادة الجماعية أقول بهذا التوقيت بالذات يخرج علينا البعض
وفي حركة معاكسة للتيار الوطني الحريص على اعادة بناء الثورة وتصليب عودها وايجاد
قيادة جماعية ديموقراطية لايصالها الى شاطىء الأمان والانتصار بالتنظير لعملية
ولادة القائد الفرد الكاريزمي اسوة بالكاريزمات الاستبدادية في الأنظمة الدكتاتورية
الرهيبة المنهارة مثل العراق وليبيا واليمن اضافة الى بلادنا والتي قامت ثورات
الربيع بالأساس من أجل اسقاطها .
   وقد نشرت في بعض المواقع والمنابر مداخلات وآراء تحث على البحث عن قيادات
كاريزمية واستدعائها لانقاذ الثورة وخلاص الشعب السوري تماما مثل مانشاهد في أفلام
– الفانتازيا – عندما يظهر البطل المخلص على شاكلة – رامبو – ويقوم بالأعمال
الخارقة ويملأ الفراغ عوضا عن مجموع الشعب وحركته التاريخية هذا البعض يغرد خارج
أسوار التاريخ عندما يربط مصير شعب بأكمله ووطن ومكونات وثورة وقضايا الحرية واعادة
البناء والخلاص من الاستبداد بفرد ينزل من بين الغيوم بمظلة ويوهم الشعب بأنه
لامناص من انتظار – غودو – الذي لن يأتي أبدا مهما طال الزمن .
   بدلا من
انشغال هذا البعض باجراء مراجعات في العمق حول تجربتهم (المعارضة) الفاشلة ان  كان
ضمن اطار (المجلس الوطني السوري) أو على صعيد دوره الفردي وماأقترف من أخطاء وخطايا
وممارسة النقد الذاتي الجريء وتقديم الاعتذار للسوريين وثورتهم ثم طرح المشاريع
والمقترحات الجديدة لاعادة بناء هياكل الثورة ولملمة صفوف الكتلة التاريخية الثائرة
في وجه الاستبداد نرى هذا البعض مستمرا في محنته الفكرية وضياعه السياسي لاينفك أن
يعود الى الذات بدلا من المجموع وكأن ليس له تجربة في هذه الحياة سوى سيرته الشخصية
ينطلق منها وليس من أي شيء آخر في كل تفكيره وهواجسه وكأنه هو بطل نفسه والكاريزما
الموعود لخلاص البلاد والعباد .
  نحن الآن أمام مواجهة بين نهجين : منطق الثورة
ومنطق الدولة في الأول يتم التداول في كيفية الوصول الى اعادة توحيد قوى الثورة
وتشكل قيادة جماعية لقيادتها كما تتطلبها قوانين ثورات الربيع المندلعة بمبادرات
الجيل الشاب وبقياداته الناشطة المتعاونة المتكاملة وبمعزل عن الزعامات والوجاهات
ومتزعمي الأحزاب التقليدية وفي القلب منها ثورتنا الفريدة وفي الثاني البحث عن
القائد الفرد الكاريزمي المنقذ على غرار قادة القرنين العشرين والتاسع عشر أي
العودة قرنين الى الوراء والمضي عكس حركة التاريخ  .
  لا أحد ينكر دور الفرد في
صناعة وكتابة التاريخ ولكن ألم تضع ثورات الربيع في قرننا الجديد الحالي في منطقتنا
وقبل ذلك الثورات والانتفاضات في أوروبا الشرقية ومناطق أخرى بالعالم تعريفا جديدا
لدور الفرد يختلف قليلا أو كثيرا عن تعريف (بليخانوف)  عندما تجاوزت الأحزاب
وشخوصها الكاريزمية والزعامات التقليدية لمصلحة المجموع والقيادات الشابة بعقولها
المنفتحة ونزعتها العفوية الصادقة المتمسكة باالعمل الجماعي المتكامل .
  على
ضوء عتاب بعض  (الأكاديميين) عندما ينطلقون من ذواتهم وتجربتهم الشخصية في –
المعارضة – متذمرين من تعامل الآخر ومسؤوليته في عدم تنصيبهم – كاريزميين – تذكرت
تصريحا لأحدى – الأكاديميات – المغمورات في قيادة (المجلس الوطني السوري) في باكورة
اعلانه على فضائية عربية تقول فيه بما معناه : أن مجلسهم من صنع الأكاديميين وهم
سيقودون الثورة الى بر الأمان وحينها ندبت حظي وحظ الشعب السوري كيف لا وأن القاعدة
الرئيسية في قوانين الثورات وشروط نجاحها والربيعية منها خصوصا هي توفر البرنامج
السياسي الثوري والقيادة الجماعية الثورية السياسية والعسكرية المشتركة أما الخبراء
والأكاديمييون فوظيفتهم صياغة الدراسات والمشاريع والتحليلات والأبحاث وتقديمها
للقيادة لتأخذ منها ماتراه نافعا .
  ليست لي مشكلة شخصية مع أحد وسأظل  أحترم
كل من أتفق أو أختلف معه كشخص وانسان ولكن أليس مطلوبا من الجميع وكل من موقعه
السابق كشف ملابسات تأسيس – المجلس الوطني السوري – بقيادة وسيطرة جماعة الاخوان
المسلمين السورية وقصص وخفايا جلب واستخدام (الأكاديميين ! والليبراليين !)  ورحلات
بعضهم  المكوكية بين باريس – الدوحة – باريس – استانبول ومن ثم قبوله العمل كعلماني
وعالم اجتماع تحت امرة عتاة الرجعية من جماعات الاسلام السياسي ؟ وأمام  كل ذلك
تطالب الثوار قبولك القائد الكاريزمي المنشود !!! .

  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…