خالص مسور
من مفارقات ومآسي القدر في سويات تاريخ الشعب الكردي عموماً، هي ارتقاء وترسيخ حالة المازوشية بل التدمير الذاتي الذي رافق ولا يزال يرافق مسرى التاريخ الكردي برمته ومن ممشاه إلى ملفاه، أي أن الكرد – ومع شديد الاسف – قد عرفوا أنفسهم للتاريخ بأنهم يدمرون أنفسهم بأنفسهم أكثر مما يتم تشتيتهم وتدميرهم بأيدي أعدائهم والأخرين، وأقصد بالتدمير هو تدمير كياناتهم ومنظماتهم وثوراتهم لا وجودهم كشعب، فالشعب الكردي خالد لا يموت مهما عصفت به العواصف ونكبته المحن والأهوال. وفي حالة التدمير الذاتي هذا لا يحتاج أعداؤهم والمتربصين بموطن الكرد الأثير إلا الانتظار والمراقبة عن بعد، حتى يبدأ الكرد بتدمير ذواتهم بشكل مأساوي مرير وهدم ما بنوه بالعرق والدماء، ومن ثم اجتياحهم من قبل أعدائهم باقل الخسائر والعودة كما العود الابدي إلى استجداء رحمة الأعداء وتملقهم.
ومثل هذه الأمور يبدو – لا سمح الله – وقد ظهرت بوادرها واقترب أوانها في كردستان الجنوبية متجسدة في تصارع القيادات العشائرية المتبرجزة الطامحة الى امتلاك كل شيء على حساب الشعب الكردي وشرائحه الكادحة هناك، هذه القيات التي عجزت أن تصنع لهذا الشعب حتى ملعقة طعام واحدة. فالنخبة القيادية وأحزابها ذات الصبغة العشائرية، قد تطمح إلى دولة كردية وهو مانريده جميعاً، ولكنها دولة في الفراغ! فأين أركانها الاقتصادية وتماسكها السياسي على الأقل…؟. فحتى البيض يستورد من الخارج وبدمغات تركية وإيرانية، بالإضافة إلى حالة الصراعات الحزبية والعشائرية المتبرجزة المريرة كما قلنا، وحالات الاستقطاب والتدخلات الايرانية والتركية والعراقية، الأمر الذي تتسبب في حالة من عدم الاستقرار وفتح الطريق أمام ما نشاهده من الهجرة الشبابية الخطيرة اليوم. وتتحمل كل الأحزاب والنخب التي تنظم نفسها عشائرياً مسؤولية حالة التدهور الاقتصادي والسياسي، ومسؤولية الهجرة الشبابية غير المسبوقة وهو ما يؤدي إلى افراغ المنطقة من سكانها من العناصر النشطة وانقطاع رافد البيشمركة من العناصر الجدد، البيشمركة الابطال الذين حققوا انتصارات عل أعتى قوة متوحشة لدولة التوحش حسب تعبير المنظر الدموي لها المدعو (ابو بكر ناجي)، ونقولها بحسرة بأن غيوم الخلافات النخبوية ذات المصالح الشخصية بدأت تترى متسارعة في سماء كردستان الجنوبية، وهو ما يشكل نذر سوء وخطورة بالغة على مستقبل الاقليم وعلى مستقبل الشعب الكردي برمته.
وبدون أن نطيل سنبدي رأينا فيما يحدث في الاقليم ونقول، بأن الحل العاجل يتطلب عدة أمور وبالخطوط العريضة وهي:
1 – نظراً للظروف المحلية والدولية غير المواتية، ولوجود البلاد في حالة حرب ضروس مع داعش والقلق العام الذي يسود المنطقة ككل. نرى بوجوب التمديد للسيد مسعود البرازاني لفترة رئاسية ثانية ولمدة سنتين إضافيتين كحالة استثنائية طارئة، على أن تسند بعضاً من صلاحياته إلى حكومة منتخبة، تحارب الفساد وتنمي الاقتصاد الوطني وتقضي على مسببات الهجرة الشبابية الخطيرة.
2 – أن يتنازل البرزاني عن منصبه بعد السنتين المذكورتين بطريقة سلسة ووفق ما اتفق عليه، واجراء انتخابات رئاسية يحق لكل شخص أن يرشح نفسه فيها ليختاره الشعب بطريقة ديموقراطية سلسة ووفق الأعراف والقوانين الديموقراطية.
3 – أن يتصالح الجميع مع الجميع الآن وفق الضرورات التي تتطلبها المصلحة الوطنية والقومية العليا والمستجدات على الساحات السياسية، والاقتصادية، والعسكرية الكردية، وإنارة السبيل أمام مهام الحراك السياسي في المرحلة الحالية والمقبلة.
4 – التحضير لمؤتمر كردي عام يشمل جميع التنظيمات والشخصيات والشرائح الاجتماعية في أجزاء كردستان الاربعة، ليصار إلى وضع الخطوط العريضة لنوع من استيراتيجية الوحدة والتضامن الكردي، والبحث عن حلول لوأد الخلافات ورسم أجندات المستقبل الكردي وقبول الآخر المختلف وردع الاعداء والمتربصين.
ونختتم كلامنا بالقول، بأننا علينا جميعاً أن نعلم، بأننا نعيش العصر الذهبي الكردي سياسياً وعسكرياً بشكل خاص، وعلينا استغلاله واتحافه بالانتصارات والسير بخطى واثقة نحو الحرية والمجد، لا بالخلافات والتدمير الذاتي على مذابح شهوات العشائر المتبرجزة، أوخلافات النخبة التقليدية الحاكمة في أي جزء من كردستان.
……………………………………………………………………