اختيارات الكردي- الجزء الثاني

د. محمود عباس

  العصبية حالة ترافق أغلبية الكرد في معظم
حواراتهم، ينهونها حاقدون، ونادراً ما يراجعون ذاتهم بمنطق، وفي كل الحالات يجدون
شريحة إلى جانبهم، يسايرونهم في بعدهم النهائي، وهو ما نراه في النقد الأدبي، أو
حتى في شرح قصيدة، والأشرس هو في البعد السياسي، والتي يجد الكردي ولظروفه فضحلاً
فيها.
 أغلب الحزبيون أو المستقلون، في تقييماتهم لا يختلفون عن بعضهم، لا بد
وأن يكون هناك حزب ما في الطرف الأخر متهم بالخيانة، وهناك القائد الإله، أو خائن
القضية. وهي دلالة من دلالات عدم الوعي السياسي والثقافي الحضاري، ولا يهم أن كان
هذا الكردي مثقفاً أو سياسيا متمكناً، فالأغلبية يفتقرون إلى ذات حضارية لا شعورية
تتلاءم والثقافة المحمولة، وهي التي تعطي الفرد روح التوافق والنقد في مجالاته،
وتقييم المواقف والأفكار والمواضيع حسب سويات متنوعة،
 وفي هذه الحالات من السهل التلاقي في الأبعاد الوسطى، عندما تنعدم إمكانية تلاقي
طرفي التناقض المطلق، كبعدي الإبليس مع الإله، أو الخيانة مع الوطني. لا شك في
الواقع البشري هناك مسافات زمنية ومكانية ثقافية وفكرية ومفاهيم ومجالات للحوار
والتلاقي تتوسط هذه الأبعاد النهائية، وللأسف، هي التي يعدمها الكردي في جغرافيته
الثقافية والسياسية.
 واقع غربي كردستان تعكسها، والخلفية الثقافية تلك خلقت
المعاناة في الوطن، وأرسلت نصف المجتمع إلى الكارثة المعاش حاليا، من النزوح
والهجرة إلى التشتت السياسي والثقافي، وربما الصراع العسكري القادم، والجهلاء هم
الذين يتحكمون بهذه المسيرة، بضغط من خبثاء القوى الإقليمية، والحركة الثقافية
المنتمية حزبيا أو المتعايشة مع هذه الأبعاد ملامة أكثر من السياسيين، لأن الأغلبية
المطلقة من الأحزاب والسياسيين مرغمون على التعامل بهذه الطريقة، ورغم أن المثقف أو
الكاتب أكثرهم حرية في التعبير أو النقد الواعي، وتقييم الأخطاء، لكننا نجدهم أكثر
الكرد نفخاً في النار، ونادراً ما يظهرون النقد بدون أقلام لا تختلف عن سيوف
القبائل الجاهلية الخارجة من الصحراء، معظمهم يتبعون الطرق الإلغائية المطلقة
والعدمية.
  لنبحث في تقييماتنا للأحزاب الكردية في غربي كردستان ومنظماتها
الثقافية، وأعني الكتاب والسياسيين، المثقفين منهم، هناك من يخون أل ب ي د وهم
بدورهم يخونون أحزاب المجلس الوطني، والمثقفين والكتاب وأغلبية الحركة الثقافية، لا
حالات وسط بين المتصارعين، وما ظهر من اتفاقيات كان رضوخا لا رغبة، ماتت معظمها،
لأن الذات اللاشعورية ترفض الالتقاء في الأبعاد الوسطية، ولا تعرف شيئا اسمه
الاختلافات، بل بينهم خلافات مطلقة، بنيت عليها أيدولوجيات ساذجة، وتبعات وهمية
لاستراتيجيات خرافية. ولئلا نتعرض إلى دماء الشهداء المقدسة، سنعزل القوى العسكرية
من القائمة، ونحن على يقين أن التقييمات للقوى الموجودة لا تختلف عن الأحزاب، لكن
سنعود إلى القيادات الحزبية، الرؤساء ومن حولهم، وبدون استثناء يدرجون بعضهم في
خانة الخيانة أو الجهل أو الابتذال الكلامي؟ كل حزب جند أو سمح لشريحة من أعضاءه
باستخدام الكلمات المبتذلة، وهي الثقافة التي تنميها الأحزاب، ولم يقم أي منهم يوما
بالاعتذار لهذه النوعية من التوعية! السياسية الكلامية الدونية، بل هناك جهات حزبية
تشجع أعضاؤها عليه، وتسخر شرائح مختصة لكل تهجم، والغريب أنه لا يهمهم نوعية
الثقافة التي ستتربى عليها الأجيال القادمة.
   وعن الحركة الثقافية والمتسابقة
مع الأحزاب في التشتت والتبعية، وتسخير إمكانياتهم للأحزاب، والتي على أثرها
انجرفوا إلى تحريف أقلامهم في الاتجاهات المتضاربة، وابتذال البعض، والإلتهاء
بقضاياهم الثانوية في الوقت الذي يحتاجهم الشعب للتكاتف على كلمة سواء وخلق تقارب
بين الحركة السياسية، وقد كنا نبهنا قبل أكثر من ثلاث سنوات، أن الحركة الثقافية
تنتظرها مستقبل مشتت لا يقل عن مستقبل الأحزاب، وهو ما نراه الأن، فقبل أسابيع ظهرت
على الساحة حركة جديدة وبمسمى الكتاب، ولم يسأل هؤلاء الإخوة المثقفون، ماذا
بإمكانهم أن يقدموا للساحتين الثقافية والسياسية بهذا الوليد الجديد، ولم تسأل
القوة السياسية ذاتها عن نوعية التدمير الذي تخلفه من خلق هذا التشتت والصراع
الثقافي، علماً، في واقع غير الواقع الجاري المتشتت والكارثي في غربي كردستان، خطوة
إيجابية، فزيادة المنظمات والهيئات الثقافية بين المجتمع للقيام بالمهمات المتنوعة
والمطلوبة من الحركة الثقافية حالة حضارية، وهو ما تنطبق على الحركة السياسية أيضا،
لكن في أجواء وواقع الوطن المستقل، وليس في مرحلة الصراع مع قوى شريرة محاطة
بكردستان.
   في واقعنا الكردي المتصارع بمطلقه تعتم على الحكمة، وتوصف النقد أو
الطلبات من الحركة السياسية فجوراً أو مباهاة ذاتية لإبراز الأنا، معظم نبهاء
الشعوب يفضلون الصمت في قضايا الصراعات الداخلية أثناء مواجهة الشر، فهل علينا أن
نتباها ونصمت، أم نكتفي بالنقد، وكيف سنوقظ المخدرين من قادة الأحزاب المتسلطة
والشرائح المتبعة، ونقول لهم: لا نطلب الوحدة السياسية فهي مستحيلة وخطأ مطلق، بل
نطالبكم بترك الخلافات وتقبل الأخر كما هو، بضعفه أو قوته، والالتقاء ما بين
الرقمين. فليكن قائما اختلافاتكم، معظمها مفروضة عليكم، لكن اعتزلوا تخوين الأخر،
ونبهوا أعضاء أحزابكم، والقنوهم مفاهيم نقية وطنية، فكل الأطراف المتمكنة مفروضة
عليها تتبع قوى إقليمية، يقال إنها استراتيجيات أو تكتيكات آنية. اقتنعوا أن الدروب
تختلف، لكن الهدف واحد. 
  الأهم من تلك والمطلوب عاجلاً، لوقف الكارثة
الديمغرافية، والتقليل من معاناة الشعب الكردي في الداخل، وإعادة القليل من الثقة
له بحركته، توسيع القوة العسكرية، وتشكيل جيش كردستاني وطني خارج العقائد الحزبية،
وقد ثبت تاريخيا الجيش المستقل عن السياسة هو الأكثر استمرارية وحفاظاً على الأوطان
من الجيوش العقائدية، جيش خارج الانتماءات الحزبية، بدونها كل الانتصارات آنية،
وستخدم الأخرين في كثيره، فلتكن اختياراتكم ضمن مسافة البعدين النهائيين، تعلموا
أنه هناك جغرافية أسمها الوسط، حيث يتلاقى محبي الوطن، أو دهاة السياسة
والدبلوماسيين.

د. محمود
عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

25-9-2015

افتتاحية
جريدة بينوسا نو العدد(41) الناطقة باسم رابطة الكتاب والصحفيين
الكرد.

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس في لقائه الصحفي الأخير اليوم، وأثناء رده على سؤال أحد الصحفيين حول احتمالية سحب القوات الأمريكية من سوريا، كرر خطأ مشابهًا لأخطائه السابقة بشأن تاريخ الكورد والصراع الكوردي مع الأنظمة التركية. نأمل أن يقدّم له مستشاروه المعلومات الصحيحة عن تاريخ منطقة الشرق الأوسط، وخاصة تاريخ الأتراك والصراع بين الكورد والأنظمة التركية بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية. للأسف، لا…

إبراهيم اليوسف ليست القيادة مجرد امتياز يُمنح لشخص بعينه أو سلطة تُمارَس لفرض إرادة معينة، بل هي جوهر ديناميكي يتحرك في صميم التحولات الكبرى للمجتمعات. القائد الحقيقي لا ينتمي إلى ذاته بقدر ما ينتمي إلى قضيته، إذ يضع رؤيته فوق مصالحه، ويتجاوز قيود طبقته أو مركزه، ليصبح انعكاساً لتطلعات أوسع وشمولية تتخطى حدوده الفردية. لقد سطر…

نارين عمر تدّعي المعارضة السّورية أنّها تشكّلت ضدّ النّظام السّابق في سوريا لأنّه كان يمارس القمع والظّلم والاضطهاد ضدّ الشّعوب السّورية، كما كان يمارس سياسة إنكار الحقوق المشروعة والاستئثار بالسّلطة وعدم الاعتراف بالتّعدد الحزبي والاجتماعي والثّقافي في الوطن. إذا أسقطنا كلّ ذلك وغيرها على هذه المعارضة نفسها – وأقصد العرب منهم على وجه الخصوص- سنجدها تتبع هذه السّياسة بل…

فوزي شيخو في ظل الظلم والإقصاء الذي عاشه الكورد في سوريا لعقود طويلة، ظهر عام 1957 كفصل جديد في نضال الشعب الكوردي. اجتمع الأبطال في ذلك الزمن لتأسيس حزبٍ كان هدفه مواجهة القهر والعنصرية، وليقولوا بصوتٍ واحد: “كوردستان سوريا”. كان ذلك النداء بداية مرحلةٍ جديدة من الكفاح من أجل الحرية والحقوق. واليوم، في هذا العصر الذي يصفه البعض بـ”الذهبي”، نجد…