ولن نختار الركوع لأحد…

ديـــار ســـليمان

الركــوع هو الأسـلوب الرئيسـي المتـوارث للتربيــة في شرقنا الجميل، يزرعه الآبـاء في ابنائهم، الأزواج في زوجاتهـم، المعلمـون في تلاميذهم، و رجـال الدين في اتباعهم، كل ذلك للمساهمـة في مساعدة الدولـة في مهامهـا (الأركاعيـة) التي تهـدف من خلال اركاع مواطنيهـا الى خلـق جيل أو قطيـع من الحمـلان الوديعة يؤمـن بالركـوع الطوعـي للوائـح الواجبـات و الواجبـات المترتبـة عليه، و تنفيذها بصرامـة طوعـآ (أو بالصرمايـة)،

حيث يصبـح الركـوع مفتاحـآ لدخول جنة الدنيـا و الآخـرة،و يصبـح كل خـروج عليه ، كأنـه خروج على نواميـس الحيـاة و سـنن الكـون، يـؤدي بصاحبه الى العيـش منزويـآ، منبوذآ، مغضـوبآ عليه، كونـه قد خـرق احد المقدسـات التي يسـير على نهجهـا الفرد و المجتمـع، هذاعـدا عن التدابير( التأديبيـة) التي سـيكون عرضـة لهـا.
و شـيئآ فشـيئآ أصـبح الركـوع في شرقنـا (الجميـل أيضـآ!) فنــآ و صنعــة، له فوائـد جمـة، فبالأضافـة الى الوقايـة من الشـرور، يحصـل الراكـع على مغانـم تتناسـب مـع مواهبـه، حيث تـزداد طـردآ كلمـا أجـاد الركـوع، لا بل السـجود في المواضـع التي تحتـاج الى ذلك، عمـلآ بمبـدأ لكل مقـام مقـال.
أما في علاقـات الدول، فقـد أصـبح الركـوع يسمى بالنسبة لبعض الدول دبلوماسـية، فالدولة التي أذاقت مواطنيها صنوف الاذلال لا تجـد غضاضـة في الوقت ذاته، في الركوع و السجود والانبطـاح أمـام دول أقـوى منها، لكـي تحتـفظ لنفسها بلقـب (دولة)، و تحصـل المجموعـة الحاكمة فيها على صفـة (حكـومة).
و دبلوماسـية الركوع هذه، التي تنتهجهـا بعض الدول و الأفـراد لا تمـنع تلك و هـولاء من أن يكونوا راكـعين و (مركوعـآ لهـم) في الوقت ذاتـه،فهذه الدول و(الأفراد) التي تتلقـى أشـرس صـنوف
الاذلال، تحـتاج الى فـسحة للتنفيـس عن العقد التي تنشـأ لديهـا نتيجـة ذلك، فتمارس اذلالآ أشـد على من هـو أضعف منهـا بجرعـات تفـوق ما تتلقـاه هي.
و ظاهـرة الركـوع، مثلها مثل غيرها من الظواهر المرضية المرتبطة بالشرق تتجسـد في أشـكال مختلفة منهـا أن الراكـع سواء أكان فـردآ أو دولة، لا يستطيع و لا يحتمـل رؤيـة  ايجابيـات تذكـره بمرضه، فمـع طول بقـاءه منحنيـآ يـصاب بالتقوس و لا يعد يرى سـوى ما تحت قدميـه، كمـا يعجـز أو لا يريـد رؤيـة القامـات المنتصبة و الهامــات المرفوعـة كونه لم يعتـد عليـها.
القامـة الكوردية المنتصبة، التي يمثلها الجبل الكوردي مـسعود البرزاني، و التي لم و لن تختـار الركوع لأحـد، لن تـسمح بجعـل كركــوك مـتنفسآ لعقـد الآخـرين و عللهـم، بل بوابـة للخـروج من عالـم الأوهـام الشـرقي، جعلـه جميـلآ حقـآ!

24.04.2007

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

فواز عبدي في مشهد الصراع السوري، تُستدعى رموز التاريخ الإسلامي بشكل متكرر من قبل الفصائل المختلفة، كلٌّ بحسب توجهه وهويته. ومن بين تلك الرموز، يبرز اسم الدولة الأموية / بني أمية / الأمويين بقوة في خطاب بعض الجماعات والفصائل ذات الطابع السنّي، خصوصاً تلك التي ترى نفسها امتداداً لـ”أمجاد الماضي”. لكن استحضار بني أمية اليوم، في سياق شبه حرب أهلية…

د. محمود عباس   بعد مجريات الأحداث المتسارعة في سوريا، وتحوّل ما يُسمّى بالحكومة الانتقالية إلى واجهة مفرغة من الوطنية، خاضعة بالكامل لهيمنة هيئة تحرير الشام، ومُلتحقة بالإملاءات التركية، لم يعد أمام الحراك الكوردي خيار سوى الإعلان، وبشكل صريح وحاسم، أن المنطقة الكوردية ستدار بشكل مستقل عن المركز، إلى أن تتضح ملامح سلطة سورية بديلة، مدنية، لا مركزية، تؤمن بالنظام…

ابوبکر کاروانی. من خلال عقد مؤتمر للوحدة والموقف الكردي الموحّد في روج آفا، دخلت القضية الكوردية في ذلك الجزء من كوردستان مرحلة جديدة ومهمة. وتتمثل في توحيد القوى الكوردستانية في روج آفا على أساس تمثيل الذات كناطق باسم شعب كوردستان في هذا الجزء من كردستان، ولحلّ قضية عادلة لم تُحل بعد. هذه الخطوة هي ثمرة جهود للقادة، وضغوط ومساندة الأصدقاء،…

نظام مير محمدي* لطالما كان الملف النووي الإيراني أحد التحديات الأساسية على الساحة الدولية. فمنذ الأيام الأولى لنشاط مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في إيران، سعى النظام الحاكم جاهداً، عبر خلق العقبات وتقديم معلومات منقوصة، إلى إخفاء الطبيعة الحقيقية لبرنامجه النووي. هذا النهج المخادع، الذي أكدت عليه مراراً وتكراراً السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، مطالبةً برقابة…